السندات المناخية: دعم حقيقي أم "غسل أخضر"؟

  • 2020-02-26
  • 08:50

السندات المناخية: دعم حقيقي أم "غسل أخضر"؟

  • خاص - "أوّلاً-الاقتصاد والأعمال"

يوم الثلاثاء الماضي أعلن جيفري بيزوس، الرئيس التنفيذي لشركة Amazon، عن إنشائه صندوق Bezos Earth Fund بقيمة 10 مليارات دولار بهدف التبرع للعلماء، الناشطين والمنظمات غير الحكوميّة لدعمهم في الحفاظ على العالم (natural world).

خطوة بيزوس تعدّ نوعاً من التمويل الأخضر الذي يشمل جميع المبادرات الهادفة إلى تنفيذ أو تشجيع تمويل ودعم المشاريع ذات الفوائد المناخيّة من خلال الأدوات الماليّة، والذي ظهر في القرن الواحد والعشرين مع تفاقم تداعيات التغير المناخي. فما هو التمويل الأخضر؟

 

السندات الخضراء (Green Bonds): أبرز أدوات التمويل الأخضر

وفقاً لتعريف البنك الدولي، فإن السندات الخضراء هي أدوات دين يتم إصدارها بغرض تمويل المشاريع المتعلّقة بالمناخ والصديقة للبيئة. وتتميّز هذه السندات عن غيرها من حيث الهدف الذي أصدرت لأجله. وكان البنك الدولي أوّل من أصدر سندات بهذه التسمية سنة 2008 علماً أن بنك الاستثمار الأوروبي (EIB) كان قد أصدر قبل ذلك بعام (2007 ( سندات التوعية المناخيّة (Climate Awareness Bond) وذلك بغرض الاستثمار بالطاقة المتجدّدة وكفاءة الطاقة.

وقد سجّلت سنة 2019 عدداً قياسياً في إصدار السندات الخضراء إذ استطاعت الشركات والمؤسسات الماليّة والحكومات إصدار 496 سنداً أخضر بقيمة إجماليّة بلغت 248 مليار دولار أميركي لتمويل مشاريع صديقة للبيئة مسجّلةً بذلك ارتفاعاً بنسبة 50 في المئة عن العام 2018، وفقاً لتقرير نشرته Climate Bonds Initiative.

وفي ما يتعلّق بالقروض الخضراء، نشرتThe Loan Market Association  والتي يقع مقرها في لندن، المملكة المتحدة، مبادئ القروض الخضراء سنة 2018 لدعم وتشجيع القروض الخضراء التي تموّل الأصول الخضراء. وقد ارتفعت هذه القروض من 5.1 مليار دولار أميركي سنة 2018 إلى نحو 10 مليار سنة 2019 نتيجة ارتفاعها في إسبانيا وسنغافورة والولايات المتحدة الأميركية. وقد أصدرت الشركات العقارية 32 في المئة من القروض الخضراء وتلاها قطاع الطاقة بنسبة 24 في المئة. وتم استخدام القروض أيضًا لتمويل مصنّعي الورق المعتمدين ومشاريع إدارة النفايات.

 

 

كذلك تصدّرت كل من الولايات المتّحدة، الصين، وفرنسا قائمة البلدان من حيث قيمة الإصدارات (قروض وسندات خضراء) مشكّلةً 44 في المئة من إجمالي الإصدارات لسنة 2019 وقد أصدرت الولايات المتّحدة منفردة 51.3 مليار دولار، تلتها الصين 31.3 مليار ثم فرنسا 30.1 مليار.

وعلى مستوى المؤسسات كانت الرابطة الفدرالية الوطنية للرهن العقاري Fannie Mae في الولايات المتحدة الاميركية أبرز من أصدر هذا النوع من السندات (نحو 23 مليار دولار) أي ما يشكّل 9 في المئة من إجمالي الإصدارات. تلاها بنك الائتمان لإعادة التنمية KFW) 9 مليارات( و The Dutch State Treasury Agency 6.7 مليار دولار أميركي.

 

وبغض النظر عن حجم إصدارات هذه السندات، فإن عدم وجود معايير عالمية موحّدة ولازمة حتّى الآن، للتحقّق ما إذا كانت هذه السندات تصدر فعلاً بغرض مشاريع صديقة للبيئة، فإنه لا يزال هناك من يقوم باستخدام هذه السندات كأدوات للتسويق وللحصول على استحسان المستثمرين المهتمّين بالبيئة لنيل التمويل المطلوب لمشاريع ليست صديقة للبيئة. وقد واجهت الصين انتقادات لاستخدام السندات الخضراء لتمويل محطّات توليد الطاقة التي تعمل بحرق الفحم علماً أنّ المنشآت الجديدة تلوّث البيئة بقدر أقل مقارنةً مع سابقاتها.

وفي السياق نفسه، ولتدارك استغلال السندات، عمد الاتحاد الأوروبي أخيراً إلى وضع مجموعة من المبادئ التوجيهيّة لتحديد الاستثمارات المستدامة وسوف تدخل قيد التنفيذ في العام 2021. من أبرز أهداف هذه القواعد الحد من "الغسل الأخضر" (greenwashing) وهو إساءة تمثيل الفوائد البيئيّة لجذب المستثمرين.

 

 

هل تؤدّي السندات والقروض الخضراء إلى إعادة سيناريو 2008؟

وفي المقابل، تبحث المفوضيّة الأوروبيّة احتمال مكافئة المصارف التي تقدّم قروض للمشاريع الصديقة للبيئة عبر خفض متطلّبات رأس المال لهذه المصارف، وفقاً لتقرير نشرته بلومبرغ.

تعقيباً على ذلك، قالت مارجا نيكانين، رئيسة هيئة الرقابة الماليّة في هلسنكي، إنّ دعم الإقراض من خلال تخفيض مخاطر القروض المصرفيّة يهدد الاستقرار المالي. وتتخوّف فنلندا أن تؤدّي هذه الخطط في حال تمّ تطبيقها إلى تكرار سيناريو انهيار الاسواق المالية في 2008 .

 

صناديق التحوط وإدارة الأصول: دور أساسي في توجيه الشركات

واجهت صناديق التحوط وإدارة الأصول في الآونة الأخيرة، انتقادات شديدة من ناشطي البيئة بسبب استثماراتهم في الشركات التي مازالت تسبب التغير المناخي. وبات المستثمرون أيضاً يعون مخاطر تغير المناخ وانعكاساته السلبيّة على استثماراتهم فتزايد الكوارث البيئيّة مثل الحرائق والجفاف يؤثّر سلباً على أداء الشركات وبالتالي على استثماراتهم.

دفع ذلك Blackrock، أضخم صندوق لإدارة الأصول الخاصة (Private  Equity) في العالم، إلى الانضمام في بداية العام الحالي (خلال شهر كانون الثاني/يناير) لمبادرة Climate Action 100+ التي تهدف إلى حث الشركات التي تساهم بانبعاثات الغازات الدفيئة الأضخم في العالم على أخذ الخطوات اللازمة للحد من التغير المناخي. ومع انضمام أصول Blackrock المدارة البالغة نحو 7 تريليون دولار أميركي، أصبحت الأصول المدارة في هذه المبادرة نحو 41 تريليون.

بعد ذلك أعلن فينك، الرئيس التنفيذي لـ "بلاك روك"، عزمه سحب استثمارات الصندوق من الشركات التي تهدّد الاستدامة من بينها تلك التي تحقّق أكثر من 25 في المئة من إيراداتها من انتاج الفحم الحراري على أن يتم تنفيذ ذلك بحلول نصف العام الحالي. وقد توجّه فينك برسالة إلى الرؤساء التنفيذين للشركات طالبهم خلالها دمج والإفصاح عن الاستدامة بشكل موحّد.

ووفقاً لأحد تقارير Blackrock، بلغت الأصول المدارة في صناديق الاستثمار البيئية والاجتماعيّة (ESG mutual funds and ETFs) نحو 760 مليار دولار أميركي سنة 2018 مرتفعةً من 453 مليار سنة 2013.

في المحصلة، فإن التوقعات تشير إلى ارتفاع أكبر في الاستثمارات في هذه الصناديق نتيجة تزايد وعي المستثمرين ور غبتهم المساهمة في الحد من مخاطر التغير المناخي خصوصاً أن أداء بعض هذه الصناديق يتفوّق على أداء السوق. بالإضافة إلى اتخاذ صناديق التحوّط وإدارة الأصول مثل هذه الخطوات إلى حث الشركات على خفض انبعاثات الغازات الدفيئة وعليه اعتماد خطوات جدية للحد من التغير المناخي.