صندوق النقد الدولي: لشفافية أكبر بمحاسبة شركات النفط الوطنية

  • 2020-02-27
  • 09:50

صندوق النقد الدولي: لشفافية أكبر بمحاسبة شركات النفط الوطنية

باعتبارها شرطا ضروريا لتحسين أدائها ودورها في دعم الاقتصاد

  • رشيد حسن

في خطوة لافتة للانتباه فتح صندوق النقد الدولي بصورة غير مباشرة ملف "شركات النفط الوطنية"، مطالبا بتحقيق شفافية أكبر وإدارة فاعلة لهذه الشركات، وجاءت المبادرة في شكل دراسة لـ "مؤسسة الحوكمة لشركات الموارد الطبيعية" التابعة لصندوق النقد الدولي أعدها ثلاثة من خبراء الصندوق، ونشرت على موقعه الأمر الذي يظهر اهتماما رسميّاً بهذا الملف ربما تمهيدا لبلورة أفكار أكثر تحديدا ومبادئ موجِّهة لإدارة أكثر شفافية لهذه الشركات "العملاقة" كما تسميها الدراسة بسبب أهميتها للتنمية الاقتصادية في عدد كبير من البلدان.

بعض شركات النفط الوطنية يعمل خلف ستار كثيف

ويراكم الدين ولا يساهم إلا بالقليل في مالية الدولة

 

 

تجب الإشارة إلى أن شركات النفط الـ 71 التي غطتها دراسة الصندوق تتباين كثيرا في أوضاعها، فمنها من يقع في دول أفريقية مثل أنغولا أو نيجيريا، ومنها من يتبع لدول أسيوية مثل إندونيسيا أو فيتنام، ومنها من يتبع لدول في أميركا الجنوبية مثل المكسيك وسورينام وفنزويلا، ومنها من يقع في منطقة الخليج مثل الكويت. وبرغم أن السمة المشتركة بين هذه الشركات (راجع الرسم البياني) هي مساهمتها الكبيرة في دخل الاقتصاد إلا أنها تتفاوت من حيث درجة الحوكمة والشفافية، بحسب النظام السياسي. ففي الدول التي يحكمها فرد أو نخبة صغيرة فإن هذه تميل إلى اعتبار النفط بقرة حلوب لنظامها وتفرض ستارا من السرية على قطاع النفط وعمل الشركة الوطنية أما في الأنظمة المتطورة مثل دول مجلس التعاون الخليجي فإن شركات النفط الوطنية أصبحت تتمتع بأنظمة إدارة متطورة ومالية شفافة وتلعب دورا أساسيا في تنمية الاقتصاد الوطني، بل أن بعضها مثل "أرامكو السعودية" باتت تتصرف مثل كل الشركات الكبرى المعاصرة من حيث دقة الحسابات وانتظام الإفصاح والتقارير المالية، ودفع طرح أسهم أرامكو بالبورصة هذه العملية خطوات كبيرة إلى الأمام بحيث جعل من الشركة السعودية من الشركات الأفضل تدقيقا وشفافية في العالم. وتوضح دراسة صندوق النقد الدولي إنها استثنت أرامكو من قائمتها بسبب وضعها الجديد كشركة ذات أسهم متداولة في البورصة.

تشير الدراسة مع ذلك إلى أن الكويت ثم قطر والجزائر تبدو من أكثر الدول العربية النفطية اعتمادا على شركاتهما الوطنية لجهة المداخيل وتمويل الميزانية مما يحمل مخاطر أكبر للاقتصاد في الحالات التي يتعرض فيها النفط والغاز لتباطؤ طويل كما هو متوقع للسنوات المقبلة. لكن عدا الأمثلة المتقدمة لشركات النفط في الخليج فإن الدراسة تلاحظ ظواهر مشتركة سلبية بين أكثر شركات النفط الوطنية خصوصا لجهة الإدارة والفعالية والشفافية.

تشير الدراسة إلى أن شركات النفط الوطنية تتحكم بأصول تقدر قيمتها بنحو ثلاثة ترليون دولار (3,000 مليار دولار) وتنتج معظم النفط والغاز الذي يستخدمه العالم، إلا أنها برغم أهميتها للاقتصاد فإن حسابات العديد منها وأسلوب إدارتها لا زالت خارج أي تدقيق فاعل، وهذا القصور يحمل مخاطر كبيرة للدول النامية المعنية التي تتأثر جهود التنمية فيها إلى حد كبير بمدى حسن إدارة وفعالية قطاع النفط والغاز.

تشير الدراسة إلى أن أكثر شركات النفط الوطنية ما زالت تحيط عملياتها بجدار من السرية وأن 20 منها فقط (من أصل 71) وفرت لصندوق النقد ما يكفي من المعلومات لاستخلاص 10 من المؤشرات الأساسية لأداء شركات النفط الوطنية.

عالم أسرار

وبرغم أن معظم شركات النفط الوطنية توفر معلومات حول الإنتاج والدخل، فإن أقل من نصف الشركات التي تناولتها الدراسة قدم معلومات عن الإنفاق الاستثماري أو العمالة، وبصورة عامة فإن أقل الشركات تعاونا في توفير المعلومات هي شركات النفط في منطقة الشرق الأوسط وجنوب الصحراء الأفريقية.  وأدى ذلك إلى حصول 62 من شركات النفط الوطنية على تقدير "ضعيف" أو "هزيل" أو "شبه مفقود" لجهة درجة الشفافية والإفصاح في عملياتها.

إن أكثر من 25 بلدا تعتمد بنسبة لا تقل عن 20% من مداخيلها على شركات النفط الوطنية، ويعني ذلك إن إهمال عمليات الإفصاح والتوثيق والإدارة المالية السليمة يمكن أن ينعكس مباشرة بمخاطر على الاقتصاد المحلي، والملفت إشارة الدراسة إلى أنه وفي أكثر الحالات فإن جزءا بسيطا من دخل شركات النفط الكبيرة ينتهي في الخزينة الحكومية بينما تحصل الشركة نفسها على معظم الدخل وتنفقه على حاجاتها. وفي المتوسط فإن 17 في المئة فقط من الدخل الإجمالي لشركات النفط موضع الدرس تم تحويله إلى الدولة. كذلك فإن 57 في المئة من شركات النفط الكبرى لم تنشر أي بيانات مالية مستقلة في العام 2013 عندما كانت أسعار المواد الأولية في إحدى ذرواتها.

مديونيات كبيرة

واستنتج الخبراء الثلاثة الذين عملوا على الدراسة أنه على الرغم من أن شركات النفط الكبيرة تساهم في مالية الدولة إبان مراحل الازدهار النفطي فإن أكثر هذه الشركات يقع تحت عبء الديون التي تستخدم في الاستثمارات الجديدة أو لتنفيذ الأجندات السياسية أو الحفاظ على إنفاق كبير استنسابي أي لا يقع تحت رقابة أي جهة في الشركة. وتتألف مديونية شركات النفط من القروض المصرفية أو القروض المغطاة بالنفط أو من البنك المركزي أو عبر إصدار السندات في السوق المالية. وقد وصلت بعض هذه الشركات مثل بتروليوس دي فنزويلا إلى وضع لم تعد قادرة فيه على خدمة دين يصل إلى 35 مليار دولار بينما تحمل "بيمكس" المكسيكية ديونا بقيمة 100 مليار دولار الأمر الذي أجبر الحكومة على استخدام المال العام لتعويمها.

صندوق النقد سيطلب "كشف أوراق" شركة

النفط الوطنية كجزء من أي عملية تقييم لاقتصاد

البلـــد المتقّـدم بطلب الحصـــول على مســاعدات

وتظهر الدراسة إنه وفي غياب أي نظام للحوكمة والإدارة الشفافة فإن العديد من شركات النفط الكبرى لم تعد ملتزمة بالرسالة المفترضة لأي شركة وهي تحقيق الحد الأقصى من الدخل وبالتالي توفير الدعم لمالية الدولة إذ أن بعضها تذهب أكثر أرباحه للشركات الخاصة التي تقوم بأعمال الشركة الوطنية الأم بينما تتولى شركات نفط أخرى "أدورا سياسية" مثل تأمين الفيول المدعوم والتوظيف وتقديم الخدمات الاجتماعية وبصوة عامة فإن هذه الشركات ليس لها في معظم الحالات كيان تجاري أو محاسبي مستقل، وهي تعمل كامتداد أو كرديف للدولة ولسياساتها الاقتصادية والاجتماعية.

توصيات

يوصي واضعو دراسة صندوق النقد الدولي بجملة من الخطوات تستهدف نقل شركات النفط الوطنية الكبرى إلى مرحلة الحوكمة Governance والإدارة الشفافة وتحديد دورها بصورة أفضل في إطار توجهات الاقتصاد الوطني ومن أبرز توصيات الدراسة:

أن تقوم شركات النفط الوطنية بوضع رؤية طويلة الأمد تسمح بتخطيط استخدام الموارد بين ما هو عائد لحاجات الشركة وما يمكنها اقتراضه من السوق والموارد التي يجب أن تذهب لتنمية الاقتصاد الوطني.

أن تعمل الشركات على تبني أنظمة محاسبة شفافة تستهدف زيادة الإنتاجية بالجهاز العامل وتحسين الربحية وخفض التكلفة وخفض المديونية في حال وجودها ونشر تقارير منتظمة عن المداخيل والتكلفة والأرباح والاستثمارات وغيرها.

أن تستعد البلدان المالكة لشركات النفط وشركات النفط نفسها لمستقبل قد يشهد هيمنة الطاقات المتجددة وتراجع الطلب على مصادر الطاقة التقليدية مثل النفط والغاز وهو ما قد يفرض على شركات النفط الوطنية التنويع عبر الاستثمار بصورة متزايدة في الطاقات المتجددة.

النقطة الأخيرة والأهم في تقرير صندوق الدولي هي إعلان الصندوق عن نيته لعب دور نشط في إصلاح أوضاع شركات النفط الوطنية من خلال إضافة طلب الحصول من تلك الشركات على تقارير محاسبية مفصلة وشفافة وذلك كجزء من أي عملية تقييم من قبل الصندوق لاقتصاد البلد المعني، يضاف إلى ذلك الطلب من الدولة المالكة للشركة إدماج حسابات شركة النفط الوطنية بالحسابات القومية نظرا للأدوار العديدة التي تلعبها تلك الشركات في الاقتصاد الوطني.