بايدن يصارع إرتفاع أسعار النفط كي لا "تصرعه" سياسياً؟

  • 2021-11-18
  • 12:13

بايدن يصارع إرتفاع أسعار النفط كي لا "تصرعه" سياسياً؟

  • أحمد عياش

بات من الواضح أن رئيس الولايات المتحدة الاميركية، قد نزل بكل ثقله من أجل كبح جماح إرتفاع أسعار النفط الخام التي بلغت أعلى مستوياتها في سبع سنوات في أوائل تشرين الأول/أكتوبر، فهو وضع جانباً، في الوقت الراهن كل الملفات العالقة في العلاقات بين بلاده وسائر الدول الكبرى جانباً، كي يتم التركيز على هدف واحد وهو: وقف ارتفاع سعر النفط إن لم يكن خفضه. فما هي القصة وراء هذا التطور غير المسبوق الذي تمر به الولايات المتحدة منذ عقود؟ وهو ما دعا وكالة "رويترز" بالأمس الى تذكّر تشكيل مجلس الدولة فى السبعينات بعد الحظر النفطي العربي لضمان حصول الولايات المتحدة على إمدادات كافية لمواجهة حالة الطوارىء؟

البداية مع آخر الخطوات التي قامت بها إدارة الرئيس جو بايدن، وهي بحسب "رويترز" أيضاً، الطلب من بعض أكبر الدول المستهلكة للنفط في العالم - بما في ذلك الصين والهند واليابان - النظر في الإفراج عن مخزونات النفط الخام في جهد منسق لخفض أسعار الطاقة العالمية.

في موازاة ذلك، وبحسب تحقيق لـ"نيويورك تايمز"، ساعد الرئيس بايدن في منتصف هذا الاسبوع،  في مؤازرة مصنع "جنرال موتورز" الذي يصنّع السيارات الكهربائية، فقام خلال زيارته للمصنع في ديترويت، بالتجوّل في سيارة "هامر" تعمل بالبطاريات لتسليط الضوء على الانتقال إلى السيارات والشاحنات الموفرة للطاقة التي يأمل بايدن أن يتسارع في شأنها قانون البنية التحتية الذي تبلغ تكلفته تريليون دولار.

ولكن الزيارة جاءت في يوم كان فيه بايدن يتعامل مع مشكلة أكثر إلحاحاً - ارتفاع أسعار الغاز. فقبل مغادرته الى ميشيغان، طلب الرئيس من لجنة التجارة الفدرالية التحقيق في ما إذا كانت شركات النفط والغاز تمارس "سلوكاً غير قانوني" يدفع الأسعار إلى ارتفاع الأسعار في محطات الوقود.

إلى أي مدى يمكن ان تنجح الإدارة الأميركية في حشد الدول الكبرى المستهلكة للنفط في مخطط الإفراج عن مخزوناتها الاستراتجية لخفض أسعار الطاقة العالمية؟

على ما يبدو، أبدت الصين تجاوباً، فأعلنت أنها تعمل على إطلاق النفط الخام من مخزونها، بينما قال مسؤول في وزارة الصناعة اليابانية إن الولايات المتحدة طلبت تعاون طوكيو في التعامل مع ارتفاع أسعار النفط، لكنه لم يتمكّن من تأكيد ما اذا كان الطلب يتضمّن عمليات إطلاق منسقة للمخزونات، وأكد مسؤول كوري جنوبي ان الولايات المتحدة طلبت من سيول الإفراج عن بعض الاحتياطات النفطية.

على المقلب الآخر، أي مقلب الدول المنتجة للنفط في إطار منظمة "أوبك" وشركائها وفي مقدمهم روسيا، فقد قام هؤلاء بإضافة نحو 400 ألف برميل يومياً إلى السوق على أساس شهري، لكنهم قاوموا دعوات بايدن لزيادة أسرع، بحجة أن انتعاش الطلب قد يكون هشاً، كذلك اعلن الامين العام للمنظمة محمد باركيندو هذا الاسبوع أنه يتوقع ان يظهر فائض في العرض العالمي في كانون الاول/ديسمبر المقبل.

وفي إنتظار معرفة ما ستنتهي اليه مبادرة الإدارة الأميركية لخفض أسعار النفط الذي جرى التكهن بأنها ستصل في الشتاء المقبل الى مستوى مئة دولار للبرميل، لا بدّ من البحث عن كوامن هذا السلوك الاميركي الذي يخلط الأوراق في العلاقات الدولية على المستويين السياسي والاقتصادي.

يقول محللون إن الرئيس بايدن بدأ يستشعر خطراً سياسياً في داخل الولايات المتحدة يشبه إلى حد ما الخطر نفسه الذي أدى الى خروج سلفه دونالد ترامب من البيت الأبيض. فإذا كان الأخير قد خرج من السباق الانتخابي العام 2020 خاسراً تحت وطأة جائحة كورونا التي قلبت حساباته الاقتصادية رأساً على عقب، ها هو الرئيس بايدن يستشعر خطراً مماثلاً نتيجة الارتفاع في أسعار الطاقة حالياً، إذ أثار ارتفاع أسعار النفط قلقه قبل انتخابات التجديد النصفي لعام 2022 التي ستحدّد ما إذا كان حزبه الديمقراطي سيحتفظ بأغلبية ضئيلة في الكونغرس.

وبحسب "رويترز"، يعزو العديد من مساعدي بايدن انخفاض معدلات تأييده العام في الأشهر الأخيرة إلى تفاقم التضخم من الطاقة إلى الغذاء ومناطق أخرى. فيما ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 6.2 في المئة على مدى الأشهر الـ12 الماضية، مع مكونات الطاقة بنسبة 30 في المئة. أما "نيويورك تايمز" فتقول إنه لطالما كان ارتفاع أسعار الغاز مشكلة سياسية بالنسبة للرؤساء الاميركيين، الذين غالباً ما يلامون على الزيادات الخارجة عن سيطرتهم إلى حدّ كبير.

لكن الرئيس بايدن يدرك ان هناك فترة فاصلة بين ما ترتجيه السياسة الخضراء التي تهدف الى استبدال الطاقة التقليدية بالطاقة المتجددة. فهو قال خلال مؤتمر صحفي في روما الشهر الماضي بعد اجتماع دفع فيه منتجي النفط العالميين إلى ضخ المزيد لخفض الأسعار: "سيتطلب الأمر منا من الآن وحتى العام 2030 أن يكون لدينا نصف السيارات الكهربائية في أميركا. لذا، فإن فكرة أننا لن نحتاج إلى البنزين للسيارات ليست واقعية".

وأضاف أنه عندما تصل تكلفة البنزين إلى 3.35 دولارات للغالون الواحد، "فإن ذلك له تأثير عميق على أسر الطبقة العاملة لمجرد العودة والعودة إلى العمل".

وفي سياق متصل، يشير التقرير السنوي الاخير لمنظمة الطاقة الدولية الى موقفين رئيسيين:الأول، الموقف الأميركي (في ظل إدارة الرئيس بايدن) والأوروبي والذي يركز على وقف أي نمو في مصادر الطاقة التقليدية مع توجيه الاستثمارات الجديدة كلها نحو قطاع الطاقات البديلة.

أما الموقف الثاني، فيتمثل في موقف الصين والهند ومعظم الدول الآسيوية والتي تفضل الحفاظ على توازن بين الاستمرار في تطوير مصادر الطاقة التقليدية، في الوقت الذي يتم فيه الاستثمار بكثافة لتطوير مصادر الطاقة المتجددة. وبالطبع، فإن الخيار الأخير يعطي ميزة كبيرة لهذه الدول تتمثل في التكلفة المنخفضة نسبياً لمصادر الطاقة التقليدية مثل الفحم والنفط والغاز والتي تنعكس بمرونة أكبر في أنظمة الإنتاج وميزات تنافسية تعتبرها تلك الدول مهمة لاستكمال تطورها الاقتصادي. ويمكن اعتبار الدول المنتجة الرئيسية للنفط مثل دول الخليج، ضمن هذه الفئة التي تحرص على استغلال أمثل لمصادر الطاقة التقليدية، في الوقت الذي بدأت فيه تنفيذ رؤية طموحة لتطوير قطاع الطاقة المتجددة وتحقيق زيادة كبيرة في نسبة ما تنتجه من هذه الطاقة ولاسيما الطاقة الشمسية والرياح وذلك وصولاً إلى ما يمكن اعتباره الحياد الكربوني عن طريق موازنة انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من المصادر التقليدية بسحب نسبة مماثلة لها من خلال سياسات التشجير وتقنيات حجز غاز الكربون وزيادة مساهمة الطاقة البديلة وغيرها.

 

وبصورة عامة يتوقع تقرير منظمة الطاقة العالمية تعافياً عاماً في قطاع الطاقة العالمي نتيجة احتواء جائحة كورونا وعودة الاقتصاد إلى وتائر النمو خلال العام 2021.

ما يمكن قوله اليوم، إن "الأسباب الخاصة" التي دعت الرئيس الأميركي ولا تزال الى بذل كل الجهود للسيطرة على أسعار الطاقة التقليدية، هي سياسية بإمتياز والتي ترقى الى مستوى صراع البقاء على عرش السلطة في الولايات المتحدة؟