الشتاء المخيف على الابواب مع برميل نفط بـ 100 دولار؟

  • 2021-10-10
  • 12:45

الشتاء المخيف على الابواب مع برميل نفط بـ 100 دولار؟

  • أحمد عياش

بعد أسبوع من الغضب الذي اجتاح العالم الغربي بسبب ارتفاع سعر النفط متخطياً عتبة الـ 80 دولاراً للبرميل، بدأ اسبوع آخر من تمالك الاعصاب والبحث عن وسائل ناجعة لتلبية الحاجة الى مصادر الطاقة التقليدية التي لم يعد هناك من مفر للجوء اليها بعد تبين عجز مصادر الطاقة البديلة عن توفير مظلة الامان المنشودة.

 

إقرأ أيضاً:
ماذا يعني اعتلاء النفط عرش 100 دولار للبرميل؟

 

لم يتردد توماس فريدمان في مقاله الأسبوعي الاخير في النيويورك تايمز في الخامس من الشهر الجاري من الكتابة تحت عنوان "شتاء الطاقة مخيف قادم. لا تلوم الخضر"، في إشارة الى أن الحاجة الى مصادر الطاقة تخطت حدود السياسات البيئية التي تنطلق من الطاقة النظيفة. وفي سياق متصل، أوردت وكالة رويترز ان مخزونات النفط الخام والبنزين ارتفعت في الولايات المتحدة الاسبوع الماضي مع انتعاش الانتاج المرتبط بعودة المزيد من منشآت البترول البحرية الى العمل إثر توقف قسري ناجم عن العواصف الشهر الماضي، وفقاً لما ذكرته إدارة معلومات الطاقة الاميركية. تضيف الوكالة ان مخزونات النفط الخام ارتفعت بمقدار 2.3 مليون برميل في الأسبوع حتى 1 أكتوبر تشرين الاول الحالي إلى 420.9 مليون برميل، كذلك بلغ حجم المنتجات التي قدمتها المصافي، وهي وكيل للطلب على الوقود، 20.7 مليون برميل يومياً على مدى الأسابيع الأربعة الماضية، وهو ما يتماشى تقريباً مع مستويات الطلب قبل جائحة كورونا.

هل تتوقف قصة هذا الارتفاع المثير في الطلب على النفط عند هذا الحدّ، ما اعاد سعره الى مستويات غير مسبوقة منذ العام 2014 عندما تخطى سعر البرميل سقف الـ 100 دولار؟

أحد الاجوبة الفورية على هذا السؤال تحمله أسعار الغاز في أوروبا التي سجلت ارتفاعاً كبيراً في الأيام الأخيرة فبلغت أعلى مستوياتها على الإطلاق في دول التكتل الذي يضم 27 دولة، وفي الوقت نفسه تزامن انتعاش الطلب مع واردات الغاز المحدودة من روسيا والنرويج، وسط توقعات باستمرار تكاليف الطاقة في الارتفاع في الأشهر المقبلة مع دخول أوروبا في موسم الحاجة إلى التدفئة. وقد يكون من باب المفارقات ان ارتفاع الأسعار أتى في الوقت الذي بدأ فيه الاتحاد الأوروبي سنّ إصلاح شامل للحدّ من الانبعاثات، بما يعني تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة. وسجلت السوق الأوروبية المرجعية Title Transfer Facility(تايتل ترانسفر فاسيليتي) الهولندية ارتفاعاً نسبته 25.14 في المئة إلى 145.19 يورو لكل ميغاواط/ ساعة، بينما ارتفع سعر الغاز البريطاني تسليم الشهر المقبل بنسبة 25.13 في المئة إلى 367.78 بنس لكل وحدة حرارية..

قد يهمك:
السوق السعودية تستعد لطرح "تداول" للاكتتاب العام

وما فاقم من أزمة الطاقة في أوروبا عدم هبوب الرياح الكافية لمحطات التوربينات، والإغلاق التدريجي لمناجم الفحم وسط تدابير حكومية مراعية للمناخ. وبدت بريطانيا معرّضة بشكل خاص لأزمة طاقة بسبب اعتمادها على الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء. وقد تعهد الاتحاد الأوروبي برد سريع لمنع أزمة الطاقة غير المسبوقة من خنق التعافي الاقتصادي وتقويض الدعم العام من أجل إصلاح أخضر طموح.

ويجتمع وزراء الاقتصاد والمالية في منطقة اليورو منذ الاثنين في الرابع من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي في لوكسمبورغ لمناقشة ارتفاع أسعار الطاقة على وجه الخصوص. وقال الوزراء إنه يتعيّن على دول الاتحاد الأوروبي التركيز أيضاً على تنويع إمداداتها من الطاقة وتقليل الاعتماد الأوروبي على الدول المصدرة للغاز في أسرع وقت ممكن.

وتنوي المفوضية الأوروبية النظر في شكاوى من بعض دول الاتحاد بأن روسيا تستخدم وضعها بصفتها موّرداً رئيسياً لإذكاء زيادة حادة في سعر الغاز في أوروبا.
وتنفذ شركة الغاز الروسية "غازبروم" التزاماتها للمبيعات بموجب عقود طويلة الأجل؛ لكنها لا تضيف المزيد. وروسيا هي أكبر موّرد للغاز إلى أوروبا، وبلغت حصتها 43 في المئة من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز العام الماضي. في المقابل، حمّل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أوروبا المسؤولية عن أزمة الطاقة الحالية، وصرّح  خلال لقاء نقلته القنوات التلفزيونية مع قادة قطاع الطاقة الروسي، بأن الأوروبيين "ارتكبوا أخطاء"، لكنه عاد واكد استعداد روسيا للمساهمة في اراحة السوق بالامدادات الكافية للجم الاسعار.

الصورة الشاملة التي تأخذ في الاعتبار العنصر المستجد المتصل بسعر الغاز هي ان نظام الطاقة أصبح فجأة في أزمة في جميع أنحاء العالم حيث ارتفعت تكلفة النفط والغاز الطبيعي والفحم بسرعة في الأشهر الأخيرة. في الصين وبريطانيا وأماكن أخرى، أدى نقص الوقود وشراء الذعر إلى انقطاع التيار الكهربائي والطوابير الطويلة في محطات التعبئة .

في مقال مشترك كتبه كليفورد كراوس وبيتر إيفيس  في النيويورك تايمز انه "إذا لم يقم عمال الحفر بزيادة الإنتاج، فقد تظل أسعار الوقود مرتفعة بل وترتفع، ومن شأن ذلك أن يمثل مشكلة سياسية للرئيس الاميركي جو بايدن، إذ إن العديد من الأميركيين، وبخاصة الأسر ذات الدخل المنخفض، معرضون لتقلبات كبيرة في أسعار النفط والغاز، وفي حين أن استخدام الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية آخذ في الازدياد، إلا أنه لا يزال صغيراً جداً بحيث لا يمكن تعويضه بشكل مفيد عن آلام ارتفاع أسعار البنزين والغاز الطبيعي." من هنا يقول محللو غولدمان ساكس إن إمدادات الطاقة قد تزيد من التشدد، ما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط بمقدار 10 دولارات قبل نهاية العام الحالي.

أين منظمة (اوبك) مما يجري؟ فقد اتفقت (أوبك+)، يوم الاثنين في الرابع من الشهر الجاري، على الالتزام باتفاق يوليو تموز الماضي لزيادة الإنتاج 400 ألف برميل يومياً كل شهر حتى أبريل نيسان 2022 على الأقل، لتتخلى تدريجاً عن تخفيضات تبلغ حالياً 5.8 ملايين برميل يومياً . ورأى محللون ان زيادة (أوبك+) أقل بكثير مما كانت تتوقعه السوق، وذلك بالنظر إلى مأزق الطاقة في أنحاء العالم، وليس من المفاجئ أن تكون هناك تكهنات بأن (أوبك+) ستضطر إلى التحرك قبل الاجتماع المقرر المقبل إذا استمر الطلب في الارتفاع.

بالعودة الى مقال توماس فريدمان في النيويورك تايمز المشار اليه آنفاً فهو كتب يقول:"هذا الشتاء - الناس سوف يموتون من البرد. ومع ارتفاع أسعار الطاقة، ستقع التكاليف بشكل غير متناسب على أفقر الناس في المجتمع، وسوف تتعرض التفاوتات في الدخل بشكل كبير لأن الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع تواجه خياراً صارخاً: الحرارة أو تناول الطعام. ... هذا الشتاء من المرجح أن تكون المملكة المتحدة على ركبتيها، وتتسول الطاقة من أي مكان انها متاحة. وسوف تكون أوروبا في  القدر نفسه  من المتاعب. سيفرض الشرق الأوسط كل ما يمكن أن يفلتوا به، والقدرة على التسليم محدودة. ... وفلاديمير بوتين لا يستطيع الانتظار. ... وسوف يدعو كل زعيم أوروبي إلى الدفاع عن قضيته بشكل فردي، ويسأل كل زعيم بتهديد لماذا يتعين عليه فتح صنابير الغاز لأمتهم على وجه التحديد. ... لا تخطئوا، هذا الشتاء سيكون صادماً!"

قد نتفق مع ما ذهب اليه فريدمان او لا نتفق، لكن الكلمة في النهاية ستكون لأسواق الطاقة التي ستحدد أسعار المشتقات الجواب على كل المخاوف التي تجتاح الغرب حالياً. أما نحن في هذه المنطقة من العالم ، فقد عدنا وللمرة الأولى منذ سبعة أعوام تقريباً نسمع دعوات لزيادة الإنتاج في حقول الطاقة. انه عشق غربي أطل فجأة الى نفط الشرق.