الأمن الرقمي العالمي ضحية غياب التعاون الدولي

  • 2021-08-17
  • 12:20

الأمن الرقمي العالمي ضحية غياب التعاون الدولي

  • إياد ديراني

 

ملف الأمن الرقمي وتأثيراته وانعكاساته تتسع كل يوم نتيجة التطورات الكبيرة التي شهدها قطاع الاتصالات والتكنولوجيا العالمي، وآخرها انتشار الجيل الخامس من شبكات الاتصالات النقالة وانترنت الأشياء. لكن في حين تتوقع الأسواق من الدول التكنولوجية العُظمى التعاون من أجل التنظيم ووضع المقاييس الموحّدة للحدّ من الجرائم الرقمية المتمادية، يشهد العالم انقساماً تكنولوجياً عامودياً على خلفيات سياسية واقتصادية ما يُهدّد بعرقلة تقدم الثورة الصناعية الرابعة من جهة، وتوسّع الفجوة الرقمية والتكنولوجية بين الدول الثرية والفقيرة من جهة أخرى. وبينما ينتظر العالم تعاوناً دولياً لتوفير الأمن الرقمي للجميع، ارتفعت فاتورة خسائر الهجمات الرقمية إلى 6 تريليونات دولار سنوياً بحسب الاتحاد الدولي للاتصالات.  

ولرسم صورة أكثر وضوحاً حول مخاطر غياب التعاون في مجال الأمن الرقمي، تكفي مراقبة الأجهزة المتصلة بشبكات الاتصالات أو ما يُعرف باسم "انترنت الأشياء" IoT، التي تتزايد بشكل هائل حول العالم معتمدة على الانتشار المتزايد لشبكات الجيل الخامس، ودخول الذكاء الاصطناعي بنداً آخر مقلقاً بسبب غياب القوانين الناظمة. بعض المصادر مثل شركة الأبحاث "جونيبر" تتوقع وصول العدد الإجمالي لاشتراكات انترنت الأشياء في نهاية السنة الحالية إلى 46 ملياراً. هذه الأجهزة هي كل ما يمكن وصله بشبكة اتصالات والتحكم بها من خلال برامج وتطبيقات، كالمصانع والسيارة وثلاجة المطبخ وكاميرا المراقبة وحتى مقلاة البطاطا الكهربائية، لكن هذا النمو الذي يفتح الباب واسعاً أمام مرحلة الثورة الصناعية الرابعة أو "الثورة الرقمية"، كشف عن عالم من التحديات الخطيرة التي فرضها ملف الأمن الرقمي والاختراقات والإرهاب الرقمي والاحتيال وانتهاك خصوصية المستخدمين الذين باتوا يعيشون وسط ما يشبه غابة رقمية.

من يضمن أمننا الرقمي؟

ويقول الأب الروحي لإنترنت الأشياء كيفن أشتون إن لا حدود أمام انترنت الأشياء، وهي تشكل الخطوة الأولى لتمهيد الطريق أمام الثورة الصناعية الرابعة. ولكن ما لم يقله أشتون، هو أن الانتشار الكبير للأجهزة المتصلة بشبكات الاتصالات، يستدعي أولاً وضع تشريعات وقوانين لتنفيذ تنظيم عقلاني خلال هذا التطور التاريخي الذي سيغيّر عالمنا إلى الأبد. فمن يضمن عدم استخدام الكاميرا التي وضعتها لمراقبة منزلك وحمايته، من أجل سرقته، واستخدام كاميرا التلفاز لمراقبتك؟ ومن يضمن عدم تكرار انقطاع البنزين ووقود الطائرات عن نحو 50 مليون مستهلك في الولايات المتحدة، كما حصل مع شركة "كولونيال بايب لاين" بعد تعرّضها لهجوم وقرصنة الكترونية في أيار/مايو الماضي؟ 

في المقابل، ثمة فرصة للتعامل مع مخاطر الأمن الرقمي بشكل استباقي في هذا العالم الجديد الذي يولد اليوم، بينما تنتشر شبكات الاتصالات من الجيل الخامس وقبله الجيل الرابع. الكلمة السحرية لتحقيق مستوى أمني متقدم في هذا الميدان هي التعاون بالإضافة طبعاً إلى قدر كاف من الشفافية بين الحكومات والدول الكُبرى المؤثرة على عملية وضع التشريعات والقوانين الناظمة وتوحيد المعايير التقنية في مجتمع شركات التكنولوجيا والاتصالات، بالإضافة إلى هيئات واتحادات وجمعيات المقاييس الدولية. ويقول الأمين العام للاتحاد الدولي للاتصالات هولين جاو، إنه "في هذه الأوقات الغامرة بالتحديات، ثمة تعويل غير مسبوق على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتوجيه المجتمع والاقتصاد والصناعات، بهدف تأمين الفضاء السيبراني وبناء الثقة في ما بين مستخدميه".

الأحادية بمواجهة التعددية

لكن، ما هي فرص حصول هذا للتعاون؟ الظاهر حتى اليوم أن عالمنا يشهد انقساماً عامودياً إزاء تنظيم معظم التكنولوجيات بما في ذلك الجيل الخامس وانترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي كما كل التقنيات التي باتت أجزاءً رئيسية مكوّنة للثورة الصناعية الرابعة، كتحليل البيانات الكبيرة والطائرات المسيَرة وغيرها. الولايات المتحدة تجهد لبناء تحالفات عالمية لمواجهة التكنولوجيا الصينية، بدأت أولى تباشيرها مع الناتو في شقها العسكري ومع تحالف "الأعين الخمسة" على المستوى الاستخباراتي، وهو يضم أستراليا وكندا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. لهذا، فإن التطورات حتى الساعة لا تزال غير مشجعة لجهة تكريس التعاون بين كُبرى الدول التكنولوجية، وتسود روح العمل الأحادي بمواجهة العمل التعددي أو التشاركي، وأية مواجهة على المستوى التكنولوجي بين بكين وواشنطن قد تتوسع ارتداداتها مستقبلاً لتشمل الاقتصاد والتجارة والصناعة، وربما تصل تأثيراتها إلى المجال العسكري. 

في الصين، تتابع هواوي كما باقي الشركات التكنولوجية تحقيق تقدم كبير على مستوى توفير كل متطلبات الأمن الرقمي، إلا أنها كباقي الشركات التكنولوجية الكُبرى حول العالم، تتوقع حصول تعاون وشفافية في التعاطي مع مسائل المقاييس والقوانين الناظمة التي يُفترض وضعها بشكل مشترك على المستوى العالمي. وبحسب رئيس قسم الأمن الرقمي في هواوي ألوسيوس شيانغ، فإن عالمنا الجديد يولد اليوم، وبالتحديد نحن أمام نظام عالمي جديد ينهض من بين الابتكارات التكنولوجية، لكننا بحاجة إلى جعل العالم الرقمي "أكثر ديمقراطية، إلا أن هذا يتطلب بناء نظام رقمي عالمي متعدد الأطراف، ويعتبر أن عملية وضع قوانين دولية لهذا العالم الجديد "يجب ألا تكون مدفوعة بأجندات سياسية وإحلال الأولويات التقنية كخريطة عمل، حيث يمكن للأمم المتحدة لعب دور مفصلي، وحماية الدول الضعيفة من تأثيرات أي قرارات تُمليها الدول القوية، من خلال قوانين عادلة ومُنصفة".

الإمارات تقود

التجارب الدولية

ويضرب مثالاً حول تجربة الإمارات في هذا الميدان، ويقول إنها تلعب دوراً رائداً على مستوى التحوّل الرقمي والأمن الرقمي في آن معاً، ما يجعلها في مقعد الريادة على هذا الصعيد إقليمياً ودولياً، ويشرح قائلاً: "لقد اندفعت الامارات بتنظيم ملفات الأمن الرقمي والتحوّل الرقمي، إيماناً منها بأن القوانين الناظمة تصنع النجاح في أي مجال، فكيف الأمر بملف الأمن الرقمي الذي يساهم في تحصين الاقتصاد والناس ومؤسسات الدولة؟". ويضيف: "لقد سجلنا صفر حوادث على مستوى الأمن الرقمي في شبكاتنا المنتشرة حول العالم، وهذا لم يحصل بشكل عفوي، بل لأننا نحرص على تحصين شبكاتنا. التعاون هو الأساس في ثقافتنا التكنولوجية، لأننا شركة تأسست على التعاون والشفافية". 

وكانت هواوي افتتحت أخيراً "مركز الشفافية العالمي للأمن السيبراني وحماية خصوصية المستخدم" في مدينة دونغ غوان الصينية، استكمالاً لسياسة الأبواب المفتوحة التي يعتبرها رئيس مجلس الإدارة الدوري لشركة هواوي كين هو "مساراً أساسياً للتعاون الدولي وبناء القدرات المشتركة بين جميع الأطراف لتعزيز الحوكمة وضمان الشفافية في قطاع الاتصالات والتكنولوجيا"، كما كشفت هواوي خلال الإعلان عن مركز الأمن الرقمي عن وثيقة "المبادئ الأساسية لأمن المنتجات" المتعلقة بجوانب الأمن الرقمي الخاصة، ودعت كل الشركاء والدول وأصحاب المصلحة إلى الاستفادة من المركز الجديد. 

لكن في حين تدرس الدول والشركات كيفية مقاربتها لملف الأمن الرقمي بشكل تشاركي وبنّاء، يستمر انتشار اشتراكات انترنت الأشياء بتسجيل معدلات نمو "صاروخية، إذ بلغت نسبة النمو ما بين العامين 2016 و 2021 نحو 200 في المئة". وبحسب أحدث التقارير سيشهد العام 2021 زيادة كبيرة في تأسيس اشتراكات انترنت الأشياء، وقد يصل عددها إلى 35 مليار اشتراك جديد. ووصل متوسط عدد اشتراكات انترنت الأشياء في كل منزل العام 2020 إلى نحو 10 على المستوى العالمي، مع هيمنة غوغل على نحو 48 في المئة (إحصاءات 2020) من هذه السوق عبر جهازها "غوغل هوم" Google Home.