لماذا تستثمر دول الخليج في الأندية الأوروبية؟

  • 2020-02-03
  • 14:20

لماذا تستثمر دول الخليج في الأندية الأوروبية؟

  • عاصم البعيني

تسارعت خلال السنوات القليلة الماضية وتيرة استثمارات دول الخليج في الأندية الأوروبية لكرة القدم، سواء عبر صناديق سيادية أو أموال عائدة للأسر الحاكمة، تجلّت في شراء جهاز قطر للاستثمار لنادي باريس سان جرمان، واستحواذ الشيخ  منصور بن زايد آل نهيان على نادي مانشستر سيتي، ورئيس المجلس الأعلى للرياضة والشباب في البحرين الشيخ ناصر بن حمد بن عيسى آل خليفة على نادي قرطبة الإسباني عبر شركة البحرين إنفينتي كابيتال.

وفيما تمت مجموعة من الاستثمارات الفردية، ويجري صندوق الاستثمارات العامة في السعودية مفاوضات حول نادي نيوكاسل يونايتد. فإن تساؤلات عدة تطرح حول الأسباب الكامنة وراء توجه دول الخليج إلى الاستثمار في الأندية الأوروبية، انطلاقاً من محورين الأول، جدواه من الناحية المالية لجهة تحقيق العائدات على المبالغ الموظفة، والثاني، حول القيمة المضافة التي جنتها الدول من هذه الاستثمارات؟

 

بين الاستثمار والترف

سجل الإقبال الخليجي على الاستثمار في الأندية الرياضية الانتقال من مرحلة توظيف أموال عن طريق رعاية المنشآت الرياضية أو الزي الرسمي للنادي، إلى الاستحواذ على الأندية بشكل كامل. تزامن ذلك مع تبني الدول الخليجية خططاً طموحة للتنويع الاقتصادي والترويج لنفسها كوجهات سياحية وجذب فعاليات رياضية عالمية متنوعة إليها. وبرزت السعودية أخيراً في استضافة أحداث متنوعة من بينها الحصول على حق استضافة الأدوار النهائية من كأس السوبر لثلاث مواسم بين 38 و45 مليون دولار، بالإضافة إلى الرياضيات الميكانيكية كرالي داكار، وهي تستعد للالتحاق بكل من البحرين وإمارة أبوظبي في تنظيم جائزة كبرى للفورمولا واحد في العام المقبل.

 

وتتجاوز نظرة الدول الخليجية للاستثمار في الأندية الأوروبية مجرد حسابات الربح والخسارة بالمفاهيم المحاسبية، ومع ذلك فقد حظي استثمار الشيخ منصور بن زايد آل نهيان في نادي مانشستر سيتي باهتمام واسع. ومع ذلك فإن للاستثمار في الأندية الرياضية مخاطر وليس بالضرورة تحقيق عوائد مالية منه. ومع ذلك فقد حظي استثمار الشيخ منصور بن زايد آل نهيان في نادي مانشستر سيتي باهتمام واسع. فمن الناحية المالية، تحول النادي من خسائر بلغت قيمتها بنحو 197 مليون جنيه (258.5 مليون دولار) في العام 2010/2011 بالتزامن مع الاستحواذ والانفاق على شراء لاعبين جدد، حتى أصبح النادي في المرتبة السادسة بين عمالقة كرة القدم في أوروبا من حيث إجمالي الإيرادات مسجلاً عائدات قياسية بلغت نحو 702.4 مليون دولار (535.2 مليون جنيه) خلال العام المالي المنتهي في حزيران/يونيو 2019، وبلغت أرباحه نحو 10.1 مليون جنيه. وعلى مدى 10 سنوات، بلغ إجمالي الانفاق على النادي نحو 1.9 مليار دولار، منها نحو 198 مليون دولار فقط بدل الاستحواذ، وهو أعلى إنفاق مقارنة بالأندية الأخرى إذ يأتي نادي تشلسي في المرتبة الثانية مع نفقات بلغت نحو 1.5 مليار دولار بين العامين 2003 وحتى العام 2017 من قبل مالكه الروسي رومان إبراموفيتش. وفي ضوء هذا الاستثمار، حصلت مجموعة سيتي لكرة القدم (CFG) المالكة للنادي خلال العام الماضي على تقييم هو الأعلى عالمياً بين أندية كرة القدم بلغ نحو 4.8 مليار دولار، مع ضخ صندوق للملكيات الخاصة التابع لشركة "سيلفر لييك" نحو 500 مليون دولار في النادي واستحواذه بالمقابل على 10 في المئة من أسهم الشركة الأم.

من جهته،  بلغ إجمالي استثمارات جهاز قطر للاستثمار في نادي باريس سان جيرمان نحو 1.17 مليار دولار منذ الاستحواذ عليه في العام 2011 مقابل نحو 46.6 مليون دولار. وحطم النادي الأرقام القياسية في صفقات شراء اللاعبين حيث تعاقد مع كالين مابي من جاره موناكو مقابل نحو 158 مليون دولار، فيما دفع نحو 245 مليون دولار مقابل التعاقد مع البرازيلي نيمار. ونتيجة لهذه الاستثمارات أصبح الناديان في قائمة أكبر 10 أندية أوروبية من حيث إجمالي الإيرادات، ويحتل النادي الباريسي المرتبة الخامسة بإجمالي إيرادات تبلغ نحو 705.5 مليون دولار متقدماً بفارق طفيف على مانشستر ستي بإجمالي إيرادات تبلغ نحو 677.4 مليون دولار. ويلاحظ بالمقابل أن هذه الاستثمارات رغم ضخامتها بقيت محدودة الأثر في الارتقاء بالرياضات المحلية داخل هذه الدول، وذلك عبر مد الأندية المحلية بالخبرات سواء في الجانب الإداري أو الفني.

استراتيجية القوة الناعمة

وبعيداً عن لغة الأرقام وحساباتها فإن دول الخليج تسعى من خلال استثماراتها هذه إلى تكريس استراتيجية القوة الناعمة والترويج لنفسها لدى الدول المستثمر فيها وشعوبها وتحسين علاقاتها بها. 

وبرز ذلك بشكل واضح من خلال توسيع الشيخ منصور بن زايد مروحة استثماراته في أندية عدة حول العالم بحيث لن تقتصر على مانشستر ستي، وشملت نادي ملبورن في استراليا وكذلك نيويورك سيتي في العام 2013 واستقطب إليه أسماء عدة مرموقة في عالم المستديرة من بينها الاسباني ديفد فيا، بالإضافة إلى حصص أقلية في عدة أندية في اليابان، والاوروغواي، وإسبانيا، والصين. وهذا التوجه ليس بعيداً عن استراتيجية إمارة أبوظبي الاستثمارية في الخارج ممثلة بشركة مبادلة للاستثمار الناشطة في عدة قطاعات، إذ لم يكن من قبيل الصدفة أن يجري اختيار الرئيس التنفيذي للشركة خلدون المبارك لتولي رئاسة مجلس إدارة نادي مانشستر ستي. كما أن مالكه اقتفى بذلك المسار الذي اشتهر مالك نادي مانشستر يونايتد الأميركي مالكوم غليزر المستثمر في الرياضات الأميركية بما فيها كرة القدم والذي سبق أن استحوذ على النادي الإنكليزي الشهير في العام 2005 مقابل 1.47 مليار دولار.  

قيود صارمة

في المقابل فإن الانفاق الخليجي السخي خصوصا الأسعار المرتفعة التي عرضت للاعبين من نجوم الكرة فتحت أعين الاتحاد الأوروبي لكرة القدم UEFAعلى الظاهرة ودفعته لاستعجال إصدار قواعد اللعب النظيف (FFP) منذ العام 2011،

مع فرض رقابة صارمة على تحقيق توزان بين المصاريف والأرباح وفرض قيود على إبرام صفقات جديدة تتخطى قيمة أرباح النادي أو لا تتوفر لها سيولة وإيرادات في ميزانيات النادي، وهو ما حد من طموحات هذه الأندية من تحقيق الأهداف التي رسمتها لنفسها، خصوصاً لجهة فوزها ببطولة دوري أبطال أوروبا، إذ خرج النادي الباريسي من دور الـ 16 في البطولة، فيما بلغ مانشستر سيتي الدور الربع النهائي. وتجدر الإشارة إلى أن باريس سان جيرمان جاء في المرتبة الثالثة بين أندية كرة القدم الأوروبية من حيث بدلات رواتب الاعبين بنحو 374 مليون دولار، ويأتي مانشستر سيتي في المرتبة السادسة بنحو 348.4 مليون دولار، كما أن الناديين يحتلان المراتب نفسها لجهة نسبة الرواتب إلى الإيرادات، وتبلغ لدى الأول نحو 53 في المئة من الإيرادات نحو 51.4 في المئة، علماً أن المرتبة الأولى يحتلها نادي برشلونة عند نحو 63 في المئة.         

استثمارات فردية 

يضاف إلى الاستثمارات الحكومية الخليجية، أخرى أتمتها شخصيات عامة ومجموعة من رجال الأعمال العرب، ولكنها بقيت حتى الآن بعيدة عن تحقيق أي بصمة في تحقيق البطولات، وكان آخرها استحواذ رئيس الحرس الملكي البحريني الشيخ ناصر بن عيسى آل خليفة على نادي قرطبة الاسباني المشارك في دوري الدرجة الثانية. وسبقه إلى ذلك في خطوة مماثلة رئيس الهيئة العامة للترفيه في السعودية تركي آل الشيخ مع نادي ألميريا الاسباني، وأنفق عليه نحو 55 مليون دولار.

وتشمل الاستثمارات الخليجية في الأندية الاسبانية كل من نادي ملقا المملوك من قبل الشيخ عبد الله بن ناصر الأحمد آل ثاني الذي كان يلعب في الدوري الاسباني قبل أن يهبط إلى الدرجة، وكذلك نادي خيتافي الذي استحوذ عليه الشيخ بطي بن سهيل آل مكتوم.  

بدورها كانت الملاعب الإنكليزية عنواناً لعدة استثمارات عربية وخليجية كان أشهرها وأقدمها مع رجل الأعمال المصري محمد الفايد المالك السابق لنادي فولهام. بدوره يملك رجال الأعمال السعودي علي الفراج 90 في المئة من أسهم نادي بورتسموث بعد أن اشتراه من رجال الأعمال الإماراتي سليمان الفهيم، فيما لم يحتفظ رجال الاعمال الكويتي بملكيته في نادي نوتنغهام فورست لوقت طويل.