صناعة الرفاهية: الشرق الأوسط من الأقل تأثراً بـ كوفيد-19

  • 2021-01-22
  • 09:06

صناعة الرفاهية: الشرق الأوسط من الأقل تأثراً بـ كوفيد-19

  • برت دكاش

في حديث سابق خاص إلى "أولاً- الاقتصاد والأعمال" يقول رئيس مجلس إدارة مجموعة TBWA/RAAD رمزي رعد إن "ما قبل كورونا على أهميته أصبح من الماضي، وما يهم الآن هو المستقبل".

كلام رعد ليس تغريداً خارج السرب، بل يعكس صورة عالم اليوم الذي، وبحسب الخبراء والمختصين، يعيش أزمة غير مسبوقة في العصر الحديث، ويظهر حالة عدم اليقين تجاه المستقبل، أقلّه القريب، وهو أمر تدلّ عليه الدراسات والأرقام على الرغم من إجماعها وإجماع قادة الأعمال على أن العالم دخل مرحلة جديدة من تاريخه، وبداية نموذج أعمال وعيش جديد New Normal لم تكتمل ملامحه بعد.

نقاش حول مستقبل صناعة الرفاهية

حالة الارتباك المسيطرة على العالم، قد يعكسها ما جاء في تقرير أخير لشركة ديلويت تحت عنوان Global Power of Luxury Good 2020- The New Age of Fashion and Luxury، عن صناعة الرفاهية في العالم، وترتيب المئة شركة وأول عشر شركات رفاهية في العالم مبني على أرقام العام 2019. ففي كلمتها في مستهل التقرير، تقول رئيسة ديلويت في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا باتريسيا أرزينتي "إنه في الوقت الذي نكتب فيه التقرير، يحصد "كوفيد-19 " الخسائر في الأرواح، ويتسبب في خسائر اجتماعية واقتصادية جمة"، مضيفة ان هذا الوضع المضطرب الطويل، يؤدي إلى تغيير عميق في سلوك المستهلك وفي كيفية استجابة الشركات لهذه التغيرات، وإلى نقاش حول مستقبل صناعة الموضة والرفاهية. هنالك شعور عام حول الرفاهية وتوجيهها في اتجاهات جديدة، مع الأخذ في الاعتبار أن أياً من نماذج العمل المجدية والموثوقة يصلح في إطار المرحلة الجديدة أو النموذج الجديد المقبلين عليه".

وتتابع: "التقليد والاستجابة اللذان لطالما ميزا شركات الرفاهية، سيواجهان تحديات عظيمة في بيئة مرحلة ما بعد "كوفيد-19"، إذ نرى أن الوباء ينقسم بين الطريقة القديمة في ممارسة الأعمال والسيناريو الجديد قيد التشكّل، محكوماً بتغير سلوك المستهلك".

اقرأ أيضاً:
Hublot تحتفل بـ 40 عاماً من الابتكار

 

تراجع حركة السفر أثرت على قطاع التجزئة

على عكس المستقبل المبهم، تأتي صورة الواقع لتظهر تأثر صانعي منتجات الرفاهية بشدة بتداعيات الوباء، وبالهبوط الحاد في حركة السفر والسياحة العالمية خلال فترات الإغلاق، مما أدى إلى تراجع كبير في أعمال التجزئة التقليدية وعلى مستوى الأسواق الحرة، ولاسيما في المطارات. ووفق تقرير ديلويت، تأثرت أعمال الأخيرة سلباً بنسبة كبيرة، وذكرت أن أكبر شركة تجزئة سفر في العالم Dufry سجلت في آب/ أغسطس الماضي تراجعاً عضوياً في حجم أعمالها بلغت نسبته 60.6 في المئة على أساس سنوي".

يلتقي تقرير ديلويت مع دراسة لشركة الاستشارات بين آند كومباني في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي تؤكد تأثر صناعة الرفاهية جداً بأزمة "كوفيد-19" في العام 2020. وبحسب الدراسة، تقلصت سوق منتجات الرفاهية الأساسية للمرة الأولى منذ العام 2009، متراجعة بنسبة 23 في المئة لتصل إلى ما قيمته 217 مليار يورو، ووصفت الشركة هذا التراجع، بالأكبر منذ بدئها برصد صناعة الرفاهية، ذاكرة أن إجمالي سوق الرفاهية بشقي المنتجات والتجارب تقلص بالوتيرة نفسها، وتقدر قيمة تراجعها بنحو تريليون دولار.

وتعتبر الدراسة أن العام الماضي شهد تغييراً عالمياً كبيراً في طريقة العيش، والتسوق والأشياء التي يقيمها الأفراد. وتشرح أن السياح لازموا منازلهم، مغيرين كيف، ومتى ولماذا يشترون منتجات الرفاهية. وقد سجل التسوق أونلاين للمنتجات الفاخرة قفزة كبيرة، مضاعفاً حصته من السوق لتصل إلى 23 في المئة  مقابل 12 في المئة العام 2019. وتذكر الدراسة أن أزمة "كوفيد-19" شكلت حافزاً للتغيير في صناعة الرفاهية. ووفق تقرير ديلويت، زادت مبيعات التجزئة أونلاين في النصف الأول من العام الماضي لتصل إلى ذروتها في نيسان/ أبريل بزيادة أكثر من 209 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام 2019.

وتقول الشريكة في بين آند كومباني وإحدى المشاركات الرئيسيات في كتابة الدراسة كلوديا داربيزيو: "شهدنا عاماً صعباً تخللته تغيرات غير متوقعة وسريعة لم تخرج منها صناعة الرفاهية سالمة".

وتتابع أن "حالة عدم اليقين ستبقى مخيمة على الصناعة للبضعة أشهر المقبلة، والأمر يعتمد إلى حد كبير على تطور "كوفيد-19" في المستقبل والقيود الإضافية التي قد تفرضها الحكومات. ووفق سيناريوهاتها للعام 2021، وتوقعاتها بشأن النمو، فإنها تتوقع أن يتراوح ما بين 10 أو12 في المئة و17 و19 في المئة، وذلك تبعاً للظروف الماكرو-اقتصادية وتطور الوباء وسرعة عودة حركة السفر العالمي، بالإضافة إلى مرونة الصناعة وثقة الزبائن المحليين".

الإيرادات والربحية

واعتبرت الدراسة أن تراجع الإيرادات يؤثر على الربحية، متوقعة تراجعاً في الأرباح التشغيلية بنسبة 60 في المئة العام 2020 مقارنة بالعام 2019. وبحسب الدراسة، من المتوقع تعافي خسائر العام 2020 بنسبة 50 في المئة هذا العام، لكنها تبقى عند مستوى أقل من العام 2019. ذاكرة أن ذلك مرتبط بمواصلة الإنفاق، وأحياناً زيادة الاستثمار في التسويق، وقنوات الأونلاين والمتاجر على الرغم من انخفاض المبيعات.

أما عودة السوق إلى مستويات العام 2019، فتتوقعها بين آند كومباني في نهاية العام 2022 أو مطلع العام 2023. وتلفت داربيزيو إلى "أنه وفي حين عانت الصناعة من توقف حركة السفر العالمية ومن الإغلاق المستمر، نؤمن أنها تملك المرونة لعبور الأزمة، ونؤمن بقدرتها على تحويل عملياتها وإعادة تحديد هدفها في تلبية طلبات العملاء، والمحافظة على أهميتها خصوصاً للأجيال الشابة".

اقرأ أيضاً:
قطاع الرفاهية: هل تنبئ نتائج الربع الثالث بنهاية عام سعيدة؟

الصين تنفرد بالنمو

وكما منذ النصف الثاني من العام، تبدو الصين وكأنها تسير في اتجاه والعالم في اتجاه آخر. وبحسب دراسة بين آند كومباني، تعدّ الصين المنطقة الوحيدة عالمياً تنهي العام 2020 بنتائج إيجابية مع نمو نسبته 45 في المئة ليصل إلى 44 مليار يورو، مع قفزة الاستهلاك المحلي على مستوى جميع قنوات البيع والتوزيع، والفئات، والأجيال ومستويات الأسعار.

وبعد الصين، يعتبر الشرق الأوسط من الأقل تأثراً بسبب مدة الإغلاق القصيرة، والإنفاق المحلي الذي كان سابقاً يتم في الخارج، علماً بأن نسبة التراجع تختلف بين دولة وأخرى في المنطقة.

وذكرت الدراسة أن أوروبا تحملت وزر انهيار السياحة العالمية، إذ وعلى الرغم من استمرار الاستهلاك المحلي، هبط الاستهلاك الناجم عن حركة السياحة بنسبة 36 في المئة إلى 57 مليار يورو.

أما الأسواق الأميركية فقد كانت وطأة تداعيات الفيروس أخف وانخفضت السوق بنسبة 27 في المئة إلى 62 مليار يورو، في ظل تبدل وجهات تسوق الأفراد والابتعاد عن مراكز المدن.

وحققت اليابان أداءً اختلف بين علامات وأخرى مع مرونة أعلى بالنسبة إلى تلك التي تعتبر بمثابة استثمار طويل الأمد، وقد سجلت المنطقة تقلصاً بنسبة 24 في المئة إلى 18 مليار يورو.

وبالنسبة إلى باقي آسيا فعانت بدورها والأسوأ أداءً بينها كانت هونغ كونغ وماكاو، وقد تراجعت المنطقة بنسبة 35 في المئة لتصل إلى 27 مليار يورو.

وفي أستراليا، زاد تراجع حركة السياحة من تباطؤ السوق نتيجة الحرائق التي استمرت لأيام، أما باقي أنحاء العالم، فشهد تقلصاً بنسبة 21 في المئة إلى 9 مليارات يورو.

الأونلاين وجد ليبقى

في ظل تراجع حركة السفر العالمي، سُجل تسارع في عملية إعادة تشكيل خريطة الشراء الفاخر الذي أصبح محلياً، وقد وصلت حصته إلى 80-85 في المئة العام الماضي، وهذا الاتجاه مستمر وفق بين آند كومباني كما تقرير ديلويت والبيانات المجمعة من قبل شركة Finria.it التي تتوقع أن يصل إنفاق مستهلكي الرفاهية أونلاين إلى 14 في المئة من إجمالي الإنفاق على هذه المنتجات العام 2023 من 11 في المئة العام 2020.

ووفقاً لدراسة بين آند كومباني، فإن التغيير الذي أحدثه "كوفيد-19" زاد حضور الأونلاين في كل مظهر من مظاهر الحياة. وفي سوق الرفاهية، بلغت قيمة مبيعات الأونلاين 49 مليار يورو من 33 ملياراً العام 2019، ومن المتوقع أن يصبح البيع أونلاين القناة الرائدة لشراء الرفاهية في العام 2025.

في المقابل، تتوقع الشركة تراجعاً محتملاً في شبكات متاجر العلامات العام الحالي، ذاكرة أنه على العلامات أن تعيد تموضعها على خريطة شراء المنتجات الفاخرة الجديدة، وتطوير دور المتجر وبيئات العمل، وزيادة تجربة العملاء إلى حدها الأقصى، وتشير إلى تأثير موجة التحول على توزيع الجملة أيضاً، إذ سيتقلص عدد الموزعين ويدخل لاعبون جدد، مما سيقود العلامات الفاخرة إلى إمساكها بهذه القنوات.

اقرأ أيضاً:
ما الذي يحكم صناعة الألماس؟

 

استقرار المجوهرات وتراجع الساعات والألبسة

على مستوى فئات منتجات الرفاهية الشخصية، فقد شهدت تراجعاً العام الماضي، في حين سجلت المجوهرات استقراراً في الطلب في آسيا خصوصاً واستفادت من البيع أونلاين. أما الساعات والألبسة الفاخرة فتراجعت مبيعاتها بنسبة 30 في المئة. وبالنسبة إلى الساعات، زاد "كوفيد-19" من عمليات التحول ضمن فئات الساعات، بينما سجل الطلب على الملابس الرسمية هبوطاً حاداً وواجه صانعو الملابس منافسة متزايدة من العلامات ذات الحضور القوي على مواقع التواصل الاجتماعي وذات الاتصال المباشر إلى

الزبائن.

وعلى مستوى السعر، ارتفع الطلب على المنتجات الأدنى ثمناً entry-price وتجاوزت مبيعاتها نسبة 50 في المئة من إجمالي المبيعات العام الماضي.

وفي ما يخص التجارب الفاخرة، فتتوقع بين آند كومباني تعافياً أسرع لفئة الفنون الرفيعة، والسيارات الفاخرة، والطائرات الخاصة واليخوت، والمشروبات والمأكولات الفاخرة مقارنة بالمنتجات الشخصية، غير إن تعافيها يعتمد بنسبة كبيرة على السياحة.

التغير في سلوك المستهلكين

ومن الاتجاهات التي أشارت إليها الدراسة، التغير في سلوك المستهلكين خصوصاً الأجيال الشابة التي تطالب الشركات العمل وفق هدف واضح، مع إيلائها أهمية أكبر للتأثير الاجتماعي، وتوقعها أن تثبت العلامات الفاخرة التزاماً حقيقياً ومستداماً للتنويع، والشمولية والاستدامة وقضايا البيئة.

وفي هذا السياق، يبرز اتجاه واضح لدى العلامات الفاخرة للجوء إلى توفير منتجات تستخدم فيها مواد قابلة لإعادة التدوير ومستدامة ولا تؤذي البيئة بل على العكس تحميها.

وفي هذا السياق، يقول الرئيس التنفيذي لدار Breitling جورج كيرن إلى أولاً- الاقتصاد والأعمال إن "هنالك رغبة لدى الناس بالحصول على منتجات مستدامة والتأكد من مصدر هذه المنتجات، وإن المستهلكين ينشدون الاستمتاع بالحياة، لكن من دون تدمير البيئة أو أقله بالمساهمة في الحل. لذلك، سنرى أكثر فأكثر مواد قابلة للتدوير أو صديقة للبيئة تدخل في التغليف والمنتجات والموارد في صناعة الرفاهية".