شكيب أبو زيد: أسواق تأمين عربية حققت قفزة وأخرى تراجعت

  • 2021-01-03
  • 08:30

شكيب أبو زيد: أسواق تأمين عربية حققت قفزة وأخرى تراجعت

"أولاً- الاقتصاد والأعمال" يحاور الأمين العام للاتحاد العام العربي للتأمين حول واقع وتحديات القطاع في ظل كوفيد- 19

  • برت دكاش

في حديث خاص وشامل مع "أولاً- الاقتصاد والأعمال"، يفنّد الأمين العام للاتحاد العام العربي للتأمين شكيب أبوزيد قطاع التأمين في العالم العربي. قطاع لا يجوز، بحسب أبوزيد، الكلام عنه كسوق واحدة متجانسة، إنما مقسمة إلى أسواق يتفاوت في ما بينها واقع القطاع سواء من ناحية حجم شركات التأمين العاملة في كل سوق، أو من الناحية التشريعية التنظيمية، أو ازدهار فرع أكثر من سواه.

أبوزيد تطرق إلى أزمة "كوفيد-19" وتداعياته على القطاع، والدمج والاستحواذ، منطلقاً من أحدث عملية حصلت في المنطقة وهي استحواذ مجموعة الخليج للتأمين في الكويت على عمليات أكسا في المنطقة، بالإضافة إلى قطاع إعادة التأمين العربي وخروج بعض المعيدين العرب من السوق وآخرهم المجموعة العربية للتأمين "أريج"، وأسباب عدم قدرة القطاع على منافسة مجموعات الإعادة العالمية. وبنظرة تفاؤلية، يستشرف أمين عام الاتحاد العام العربي للتأمين مستقبل القطاع والفرص الواعدة فيه لتكبير حجم السوق.

سوق غير متجانسة

يستهل أبوزيد الحوار لافتاً النظر إلى أنه لدى الكلام عن واقع قطاع التأمين العربي يجب تقسيم المنطقة إلى أكثر من قسم، إذ هنالك أسواق مثل الإمارات، فهي في نهاية أيلول/سبتمبر الماضي تجاوز معدل النمو فيها 4 في المئة على الرغم من "كوفيد-19" والإغلاق، وكذا في السعودية، فيما حافظت الأقساط على مستوياتها إلى حدّ ما كما في العام الماضي في بعض الأسواق الأخرى مثل المغرب وتونس. أما الأسواق التي قد تأثر فيها أداء سوق التأمين، فليس على الأرجح بسبب وباء "كوفيد-19" بقدر ما هو نتيجة تأثرها بالأزمة الاقتصادية التي تعانيها دولها، و"كوفيد- 19" زاد من حدة الأزمة مثل العراق وسورية ولبنان منذ 17 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وأزمة العملة والدولار بالإضافة إلى المشكلة السياسية فيه، إلى جانب اليمن والسودان، فهذه الدول تعيش في ظروف جيو- سياسية واقتصادية صعبة".

أزمة اقتصادية وليس أزمة "كوفيد-19"

ويتابع شارحاً: "على صعيد آخر، قد تكون بعض الفروع تأثرت بالوباء، إذ من المعروف أن التأمين في منطقتنا مقسم إلى قسمين، قسم وهو كبير هو تأمين السيارات، إذ تشكل أقساطه نحو 40 في المئة كمتوسط، في حين قد تتجاوز هذه النسبة بكثير، وفي دول ولاسيما الخليج، يزدهر التأمين الطبي، ولم نشهد انخفاضاً كبيراً على مستوى هذين الفرعين". ويكمل موضحاً: "لكن بعض الفروع قد تكون تأثرت بشكل غير مباشر مثل التأمين على السفر نتيجة تأثر قطاعات أخرى مثل القطاع السياحي وقطاع الطيران". ويعيد ويشدّد على أن قطاع التأمين العربي، على الرغم من أزمة "كوفيد-19" صامد لكن المشكلة الفعلية ناجمة عن الأزمة الاقتصادية، وذلك منذ انهيار أسعار البترول العام 2015 إذ تأثرت الدول النفطية بشكل كبير لأنه، كما هو معلوم، هناك علاقة قوية بين أسعار البترول، والإنفاق الحكومي وبالتالي الإنفاق على التأمين".

حجم السوق

يبلغ حجم سوق التأمين في العالم العربي 41 مليار دولار وفق أبوزيد الذي يتابع: "هنالك أسواق حققت قفزة قوية على سبيل المثال سوق التأمين في السعودية والتي توازي تقريباً 10 مليارات دولار، والإمارات نحو 12 مليار دولار والمغرب نحو 4 مليارات دولار، كذلك تألقت أسواق إلى حد ما، فيما تراجعت أخرى للأسف لأسباب تتصل بتقلب سعر العملة مثل مصر لدى حصول التعويم، والجزائر، وتونس ولبنان وغيرها".

لكن، وعلى الرغم من ذلك، يبدي أبوزيد تفاؤلاً إزاء ازدهار القطاع "في أسواق تنعم بالاستقرار السياسي مثل مصر التي تسجل نمواً مضطرداً في الطلب على التأمين منذ نحو عام ونصف العام، وكذلك نمو أسواق مثل المغرب"، ويستطرد متأسفاً "على ما وصلت إليه سوق التأمين في لبنان "الذي كان يحل في المركز الثاني في المنطقة لناحية انتشار التأمين"، مشيراً إلى "ضبابية الصورة الآن، ومن الصعب معرفة ما سيؤول إليه القطاع إذ لا شك أن الناتج المحلي في العام الأخير تراجع بسبب الأزمة الاقتصادية"، ويضيف أنه "بالإجمال، يمكن إيجاز الواقع كالتالي،  بعض الدول سجل إنجازات وكذلك بعض المجموعات التأمينية".

وفي هذا السياق، يتطرق أمين عام الاتحاد العام العربي للتأمين إلى استحواذ مجموعة الخليج للتأمين في الكويت GIG أخيراً على عمليات أكسا في المنطقة، منوهاً بإمكانات الشركات الوطنية والإقليمية على الصمود أمام الشركات الأجنبية. فشركة أكسا من أولى الشركات التي دخلت المنطقة، وهي الآن في صدد الخروج منها لتحل محلها GIG. وكذلك شركة Orient التي تملك 6 أو 7 شركات في العالم العربي وفي تركيا وسريلانكا وغيرها من الدول. وشركة وفا للتأمين في المغرب والشركات اللبنانية مثل فيدليتي أو سواها على سبيل المثال"، ويعبّر أبوزيد عن قناعة لديه "بتوفر إمكانات لتحقيق الشمول التأميني في الفروع كافة؛ أي التأمين الطبي، والمايكرو إنشورنس وتأمين المشروعات الصغيرة والمحلات الصغيرة وغيرها من التأمينات، إذ إن الطلب على التأمين موجود دائماً وبالتالي فإن للقطاع مستقبلاً واعداً".

صعوبة ودقة التخصص

لكن ماذا عن التخصص في نشاط تأميني واحد؟ يجيب أبوزيد، موضحاً أن "عدد الشركات المتخصصة في التأمين في المنطقة ضئيل؛ والقوانين في عدد من الدول تميّزت بين نشاطي التأمين على الحياة والتأمينات العامة"، ويضيف: "صحيح أن التخصص ممتاز، غير إنه لدينا في المنطقة عدد محدود جداً من الشركات المتخصصة كما ذكرت، منها واحدة متخصصة في التأمين الطبي هي بوبا في السعودية، ولا مانع من وجود شركات مماثلة، إلا أن التجربة في العالم العربي برهنت أن فرع التأمين الطبي من أصعب الفروع التأمينية، وما لم يُدر جيداً وتراقب فيه المطالبات ويمسك من جوانبه كافة، قد يؤدي إلى كوارث، وهنالك شواهد على ذلك".

وعن المعوقات التي تحول دون نمو بعض الفروع، يفيد أبوزيد: "غياب إلزامية التأمين التي أدى لدى إقرارها في دول الخليج مثلاً إلى إحداث طفرة في فرع التأمين الطبي. وأعتقد أن إلزام المنشآت الحكومية والشركات والأفراد بالتأمين على ممتلكاتهم ضد الزلازل في دول مثل الأردن ولبنان والجزائر المعرضة لخطر الزلازل، يصبّ في مصلحة الجميع. وصحيح أن ما أصاب بيروت أخيراً كان انفجاراً وليس زلزالاً، لكن حجم الخسائر التي نجمت عنه بلغت 7.5 مليارات دولار قيمة المؤمن منها 1.5 مليار دولار فقط، وبالتالي هنالك 6 مليارات دولار سيتكبدها المواطنون".

أهمية إلزامية التأمين

إلى ذلك، يضيف أبوزيد أن إلزامية التأمين تؤدي إلى تحقيق الشمول التأميني والذي بات حاجة للحكومات في ظل انتشار "كوفيد-19" والأزمة الاقتصادية التي تواجهها معظم بلدان المنطقة. وهذا التأمين الإلزامي يساهم في تكبير حجم السوق من خلال انتشار التأمين، وإعلان مصر التغطية الصحية الشاملة أمر ممتاز على الرغم من عدم فتحها بعد المجال أمام الشركات الخاصة لتكون طرفاً فيه، وإذا ما فعلت ذلك لا شك سيتحقق نمو في السوق. وكذلك الأمر في المغرب حيث إن أحد بنود موازنة المملكة للعام 2021 هو التأمين الطبي الشامل. هذه من المؤشرات الإيجابية لكنها غير كافية، إذ علينا كأسواق عربية أن ننظر إلى تجارب دول كثيرة منها مثلاً ماليزيا أو تركيا حيث يتجاوز فيهما معدل انتشار التأمين نسبة 5 في المئة، وكدول عربية يمكن أن يصل لدينا إلى 3 في المئة، مما يعني حجم أقساط بقيمة 120 مليار دولار وتقليص الفجوة الحمائية الموجودة والكبيرة جداً حالياً".

ويتطرق في هذا السياق إلى "فرع أساسي جداً لا يلقى اهتماماً وعناية هو التأمين الزراعي. فإذا أخذنا مثلاً البلدان الزراعية مثل المغرب وتونس والجزائر ومصر والأردن إلى حدّ ما ولبنان وكذلك العراق، فحجم التأمين الزراعي فيها ضئيل جداً أو معدوم، في حين برهنت بعض التجارب في المغرب نجاحاً في هذا المجال. فإذا استطعنا أن نستفيد من تجربة المغرب ونطبّقها في بلدان أخرى، وذلك بالتعاون بين القطاعين العام والخاص، فإن هذا الفرع سيؤدي إلى زيادة حجم سوق التأمين بدوره".

عوائق الدمج

ماذا عن توقعات أمين عام الاتحاد العام العربي للتأمين بشأن تسريع وباء "كوفيد-19" عمليات الدمج في المنطقة؟ ينطلق أبوزيد من اندماج دار تكافل ونور تكافل أخيراً في الإمارات، وعمليات أخرى مماثلة في الأمارات أيضاً والسعودية والمغرب، ليلفت الانتباه إلى صعوبة حصولها في المنطقة وهي مسألة تثار منذ ما يربو على 15 عاماً، ويعّلل ذلك "بكون معظم الشركات عائلية أو ان كبار المساهمين فيها ينتمون إلى عائلة واحدة، مما يعزز نزعة الـ "أنا" Ego لدى كبار المسؤولين في الشركة ويثير إشكالية حول لمن ستؤول رئاسة مجلس إدارتها أو إدارتها التنفيذية، وهذا هو أحد المعوقات الذي يحول دون حصول اندماجات. لكن ربما يفرض الوضع الاقتصادي وأزمة "كوفيد-19" على الشركات الاندماج، وأعتقد أنه سينعكس إيجاباً على السوق لأنه إذا أردنا الدخول في مرحلة الرقمنة في التأمين أي الـ Insurtech، فإن ما من شركة منفردة قادرة على استثمار 5 أو 10 ملايين أو 15 مليون دولار في هذا المجال ما لم تكن تملك الإمكانات، وبالتالي لا بدّ من وجود كيانات أكبر قادرة على ذلك".

ويضيف: "في أسواق مثل السعودية والإمارات، نلاحظ أن أول خمس شركات تستحوذ على أكثر من نصف السوق أو ثلثيها تقريباً مقابل شركات تملك 1 في المئة فقط من السوق. وعلى الرغم من كونها تحقق أرباحاً لكنها تبقى شركة صغيرة. ويستحسن أن تكون لدى الشركات إستراتيجية واضحة وهندسة مالية تسمح بخفض التكاليف، والاستثمار في مشاريع مستقبلية والتوسع خارج المنطقة، من هنا أعتقد أن الاندماج آت، ربما ليس بسرعة، لكنه آتٍ لا محالة".  

وعن دور الحكومات والقوانين الراعية بهذا الشأن، يلفت أبوزيد الانتباه إلى أن الدولة أو المشرع أو هيئة التأمين يمكنهم فرض رأس مال عالياً على الشركات لإلزامها بالاندماج، لكنني أعتقد أن الاندماجات تفرضها الضرورة الاقتصادية بالدرجة الأولى".

السير في الرقمنة وإلا...

وفي موضوع الرقمنة يضيف أبوزيد أن "الرقمنة ستفرض نفسها، وقطار الرقمنة سيمرّ، وأحد العناصر الإيجابية لـ "كوفيد-19" أنه اجبر الناس على العمل عن بعد وبسرعة ووضع خطط لضمان استمرارية العمل. الرقمنة فرضت نفسها مع أزمة "كوفيد-19" وستفرض نفسها في المستقبل، ولم يعد جائزاً القول إن الشركة تريد العمل فقط بالنموذج التقليدي وبالتأمين عبر المصارف فحسب، إنما كذلك كل الخدمات الممكنة عبر الإنترنت. من هنا الحديث عن ضرورة أن تكون لدينا كيانات كبيرة يمكنها أن تستثمر في الإنترنت أو التطبيقات والبيانات الكبرى لمحاربة الغش في تأمين السيارات وغيرها، على الشركات شراء البيانات الكبرى وتحليلها والتعاون مع خبراء أكتواريين، وهذا يحتاج إلى استثمار، والشركات التي لن تسير في الرقمنة سيفوتها القطار".

إعادة التأمين وأزمة الشركات الإقليمية

وماذا عن نشاط إعادة التأمين في المنطقة؟ يوضح أبوزيد أن "المنطقة تمثل جزءاً ضئيلاً من حجم اكتتابات المعيدين الإقليميين، وشهد القطاع انتكاسات تمثلت بخروج شركات إعادة من السوق آخرها خروج المجموعة العربية للتأمين "أريج" والذي يشكل ضربة للمنطقة، لأنه لدى تأسيس الشركة العام 1982 كانت تعتبر لويدز الشرق الأوسط، ووُصفت بأيقونة إعادة التأمين في المنطقة العربية. لذلك، عندما تتوقف "أريج" عن العمل، وقبلها بثلاث سنوات Emirates Re وبخمس سنوات تكافل ري وشركات أخرى إنما صغيرة لم يحدث خروجها صدى كبيراً وBest re العام 2013، فهذا يرسل إشارة خطرة لشركات التأمين المباشر التي تشك بمدى قدرة المعيد الإقليمي على الاستمرار والبقاء في السوق بعد سنوات وينعكس سالباً على المعيدين الحاليين".  

ويعقب: "لكن في المقابل، لدي قناعة أن المعيدين الموجودين حالياً في السوق محترمون، وتصنيفهم جيد وكذلك أداؤهم؛ فنتائج Saudi Re جيدة، وكذلك Kuwait Re، وCCR  في الجزائر وSCR في المغرب وتونس ري إلى حد ما. أما شركة Arab Re فتأثرت كثيراً بالأزمة في لبنان وتأثر لديها العائد على الاستثمار. وشركة عمان ري، على الرغم من كونها شركة ناشئة، إلا أن نتائجها ليست بسلبية جداً، مع العلم بأن المعيدين في الأعوام الأخيرة تأثروا بنتائج الاستثمار".

وماذا على صعيد الأرباح؟ يقول أبوزيد إنه "على مستوى شركات التأمين المباشر لا توجد مشكلة كونها تحقق الأرباح وإن لم تكن أرباحها الاستثمارية مرتفعة، وقد لاحظنا مثلاً أن أرباح الشركات الإماراتية بعضها أفضل من الأعوام السابقة. أما على مستوى إعادة التأمين، فنتائج الاكتتاب لديها غير مرضية، فالمعيد العربي أو الإقليمي لا يلعب غالباً دور المعيد الرائد بل يكتتب "حصة التابع" Follower share وهذه كلفتها أعلى من كلفة الرائد، وبالتالي لا يمكنه أن ينتقي الاتفاقات الممتازة، وليس بالضرورة أن يخرج رابحاً في نهاية المطاف. فالشركات تعاني من هذه المشكلة وأرباحها الفنية بالتالي تصبح خسائر فنية، ما عدا الشركات التابعة للدولة أو الدولة شريك فيها أو تعمل مع شركات محلية تؤمن لها إسناداً كبيراً".

ضرورة تغيير نموذج العمل

ويتابع موضحاً: "هنالك إشكالية في نموذج عمل شركات الإعادة العربية. غالبيتها شركات تابعة، بمعنى تأخذ حصصاً صغيرة ونموذج عملها يركز على أعمال الاتفاقية والأعمال الاختيارية تكون بمستويات خفيفة جداً تتراوح ما بين 5 أو 10 أو 15 في المئة، والأخطار الخاصة قليلة. هنالك ضرورة لإعادة التفكير في نموذج العمل والعمل على تغيير أو تحسين تصنيف الشركات، علماً بأن شركة مثل إعادة التأمين العربية Arab Re لم تتخلف مرة واحدة عن دفع التزاماتها، تكمن مشكلتها في التصنيف لأن سقفها محدود ولا يمكنها اختراقه كونه مرتبط بتصنيف لبنان، لذا، هنالك ضرورة للبحث عن حلول بديلة مثلاً التسجيل في دول أخرى يمكنها من الحصول على تصنيف أعلى".

ومن المشاكل الأخرى تتعلق بالمهارات الفنية للعاملين في قطاع الإعادة، هناك حاجة للاستثمار في الأشخاص الذين يعملون كفنيين إذ تعاني المنطقة نقصاً في هذا المجال وهناك حاجة لرفع مستواهم".

ويختم أبوزيد مؤكداً دور الاتحاد في هذا الخصوص لكنه دور لا يستمر إلا بدعم الشركات".