بايدن: هذا ما ينتظر الشرق الاوسط منه

  • 2020-12-22
  • 08:05

بايدن: هذا ما ينتظر الشرق الاوسط منه

  • أحمد عياش

إنها فترة أقل من خمسة أسابيع ويدخل الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن الى البيت الابيض. المكان ليس غريباً عن الرئيس السادس والاربعين  للولايات المتحدة الاميركية، فهو عاش فيه نائباً للرئيس في عهد الرئيس باراك اوباما على مدى ولايتيّن متتاليتيّن (2009-2017 )، وبالتالي فهو على معرفة كاملة بملفات الدولة العظمى داخلياً وخارجياً. من هنا، يجمع المراقبون على ان ملف الشرق الاوسط  لن يتطلب من الرئيس الاميركي الجديد قراءة بقدر ما يتطلب منه قرارات.

قبل أيام، كتب ديفيد إغناطيوس مقالاً في صحيفة الواشنطن بوست جاء فيه :"أحياناً في الحياة، أفضل شيء يمكن فعله حيال مشكلة هو عدم القيام بشيء، أقلّه في مرحلة اولى، وربما هذه هي أفضل نصيحة يمكن إسداؤها في ما يتعلق بالشرق الاوسط الى الرئيس المنتخب جو بايدن الذي يتحضّر لتسلم منصبه". فالى أي مدى يمكن إعتبار هذه النصيحة في محلها؟

الابتعاد عن ملف الشرق الاوسط، لم يكن منذ عقود متاحاً لدى الرؤساء الاميركيين، وعندما قرر الرئيس اوباما القيام بهذه الخطوة من منطلق إستراتيجي يركّز على اولوية التوجه نحو آسيا، وجد نفسه مجبراً على البقاء في الشرق الاوسط منغمساً في اتفاق نووي مع إيران لم يؤد الى إنهاء التوترات في المنطقة، بل فاقمها الى حدّ سمح لخلفه الرئيس ترامب ان يستخدم الاتفاق نقطة قوة له، عندما تعهد ونفذ تعهده، بالانسحاب من هذا الاتفاق.

ذهب بعض المحللين الى القول، إن الرئيس الاميركي المنتخب، سيعود الى مربع سياسة الرئيس اوباما في الشرق الاوسط، إنطلاقاً من أنهما ينتميان الى الحزب الديمقراطي، لكن هذا التوجه من التحليل، يقابله توجه آخر يقيم إعتباراً لمرحلة عمرها ثمانية اعوام حدثت خلالها تطورات لا يمكن القفز من فوقها، وفي مقدمة هذه التطورات، وهم الاعتقاد بأن الاتفاق النووي المبرم مع إيران العام 2015 سينشر الهدوء في المنطقة بعد إعادة الجمهورية الاسلامية الى حظيرة المجتمع الدولي، فتبين انه  لم يكن في محله. فبدلاً من الهدوء المنشود في هذا الاتفاق، كانت هناك نزاعات واضطرابات وحروب على امتداد المنطقة من اليمن الى شواطئ المتوسط.

 

إدارة ترامب لا تزال تمارس

سياساتها العقابية ضد النظام الإيراني

 

على الرغم من ان بضعة اسابيع تفصلنا عن موعد التسليم والتسلم لمقاليد السلطة في البيت الابيض، ما زالت إدارة الرئيس ترامب تمارس سياستها العقابية ضد النظام الايراني.  ففي 17 كانون الأول/ ديسمبر الجاري فرضت عقوبات على أربع شركات تساهم في تصدير المنتجات البتروكيماوية الإيرانية في تحدٍ للضغوط الأميركية على طهران في الأيام الأخيرة من ولاية الرئيس الحالي. وقال وزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوشين، إن "قطاع البتروكيماويات والنفط الإيرانيان هما مصدران أساسيان لتمويل النظام الإيراني لدعم أجندته الداخلية والخارجية"، وتوقع المراقبون ان تتسارع الخطوات بشكل شبه يومي في فرض عقوبات تستهدف إيران والجهات التي تعمل معها خلال الأسابيع القليلة المتبقية من ولاية الرئيس ترامب.

في موازاة ذلك، حاول موقّعو الاتفاق النووي الإيراني تهدئة الأمور بانتظار إدارة أميركية جديدة، خلال اجتماع إفتراضي للجنة المشتركة في الاتفاق النووي بسبب وباء "كوفيد – 19"، لكن طهران ما زالت تبتعد عن التزاماتها بالنص، وخصوصاً بعد اغتيال نائب وزير الدفاع الإيراني لشؤون الأبحاث والتطوير، محسن فخري زاده في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
من ناحيته، لم يتأخر الرئيس الاميركي المنتخب عن  الدخول المبكر على خط الاتفاق النووي بطريقة اوحت ان عقارب الزمن لن تعود الى العام 2015، تاريخ إبرام الاتفاق، فوجّه رسالة إلى إيران عبر صحيفة "نيويورك تايمز" أكد فيها استعداده للعودة إلى الاتفاق النووي، ووضع لذلك شروطاً.

 

أخطر أربع نقاط في رسالة بايدن

 

وقد عددت مصادر إعلامية قريبة من طهران ما وصفته بـ "أخطر اربع نقاط " في رسالة بايدن، وفي مقدمة ذلك، تأكيد بايدن على أن العودة للمفاوضات ستتناول كذلك "تفكيك برامج الصّواريخ الباليستيّة الإيرانيّة"، والنقطة الثّانية، هي "إشراك دول أُخرى في المفاوضات" مثل السعوديّة والإمارات، ما يعني "وضع إيران وبرامجها النوويّة تحت وصاية إقليميّة بعد الوِصاية الدوليّة"، والنقطة الثالثة، هي "تمديد فترة القيود على أنشطة إيران لإنتاج المواد الانشطاريّة التي قد تستخدم لصنع أسلحة نوويّة، وهذا يعني إطالة المدّة الزمنيّة للاتّفاق النووي إلى أكثر من عشر سنوات"، أما النقطة الرابعة، فهي "الحصول على التزام إيراني بوقف كل الدعم السياسي والعسكري والمالي للأذرع العسكرية الحليفة في اليمن، ولبنان، وسورية، والعراق، وفلسطين المحتلّة".

ويؤكد فاروق يوسف في موقع ميدل إيست أونلاين اللندني أن "ما بدأه ترامب سيكمله بايدن لكن بأسلوب مختلف ومزاج آخر، غير إن الأهداف تظل واحدة".

وفي مقاربة مماثلة، يقول سفير لبنان السابق في واشنطن د. رياض طبارة لموقع "أولاً-الاقتصاد والاعمال" ان ما سيميّز إدارة الرئيس الديمقراطي الجديد عن إدارة الرئيس الجمهوري الحالي، ان الاخير يريد ان يفرض شروطه عنوة، في حين ان الرئيس المقبل، سيسعى بالديبلوماسية الى انتزاع التنازلات من طهران بدلاً من انتهاج سياسة العقوبات.

 

المطلوب إنهاء الفوضى العارمة في المنطقة

 

في تبسيط للأمور في الشرق الاوسط، على الرغم من شدة تعقيداتها الآن، هناك مثل شعبي يقول "أكل العنب وليس قتل الناطور"، أي ان المطلوب هو إنهاء الفوضى العارمة في المنطقة بإحلال سلوك يحترم القانون الدولي وسيادة الدول وعدم التدخل في شؤون الآخرين، وهي قواعد يجب ان تراعيها طهران قبل سواها.

الى ذلك، نشر مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط مقالاً عن أبرز الإجراءات التي تعهد بها بايدن تجاه الشرق الأوسط، تشمل إلغاء قرار حظر دخول مواطني إيران والصومال وسورية واليمن إلى الولايات المتحدة الذي أقرّه ترامب العام 2017، كما تعهد بايدن بقبول 125 ألف لاجئ في العام الأول من رئاسته، وقبول 95 ألف لاجئ سنوياً على الأقل.

لكن ما لم يتعهد به بايدن حتى الآن، هو كيف ستكون مقاربته لما انجزته إدارة ترامب في مد جسور العلاقات بين إسرائيل وعدد من الاقطار العربية، وما لم تنجزه في شأن تسوية النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين وإنهاء ملفيّ الاحتلال الاسرائيلي على الحدود مع لبنان وسورية.

كل هذه العناوين تمثل مطالب المنطقة التي تنتظر من الرئيس الاميركي الجديد ان يلبيها. وعلى الرغم من التجارب المريرة التي خبرتها المنطقة مع هذه المطالب، فإنها تتطلع بإهتمام الى ما يمكن ان ينجزه بايدن حيث لم ينجزه اسلافه، على الرغم من ان الخبراء يقولون إن هؤلاء الاسلاف، وبخاصة ترامب قد بنوا معظم السلم الذي بإمكان خلفهم  الصعود عليه بكل ثقة.