سوق الإعلان في المنطقة يتراجع بأكثر من 50 في المئة

  • 2020-11-12
  • 14:48

سوق الإعلان في المنطقة يتراجع بأكثر من 50 في المئة

  • برت دكاش

ليس رئيس مجلس إدارة مجموعة ميماك أوجلفي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا السابق والخبير المخضرم في صناعة الإعلان إدمون مطران وحده الذي يتمنى قلب صفحة العام 2020، لكن صاحب الخبرة الممتدة إلى أكثر من 45 عاماً في صناعة الإعلان، يصف "العام الحالي بالسيئ جداً على جميع الأصعدة، وخصوصاً على قطاع الإعلانات في المنطقة الذي يعاني أصلاً منذ أكثر من ثلاثة أعوام".

وفي حديث خاص إلى "أولاً- الاقتصاد والأعمال" يعزو مطران تدهور سوق الإعلانات بشكل أساسي إلى "ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وازدهارها، مقابل عدم فهم عميق من جانب المعلنين لتطوّر وعي المشاهدين أو المستهدفين من الإعلان، وماذا يشاهد هؤلاء، وهل لا يزالون يشاهدون وسائل الإعلام التقليدية وعلى رأسهم التلفزيون كما في السابق".    

الإنفاق الرقمي وتراجع الموازنات

ويوضح مطران أن "التحول من وسائل الإعلام التقليدية المعروفة مثل الراديو، والتلفزيون والمطبوعات واللوحات الخارجية إلى الوسائل الرقمية أدى إلى استمرار تراجع الإنفاق الإعلاني وبالتالي انخفاض حجم السوق، كون الإعلان الرقمي أقل كلفة"، مشيراً إلى أن "كلفة بث إعلان تلفزيوني واحد تساوي ثلاثة أو أربعة أضعاف كلفة بث الإعلان الرقمي. وعوضاً عن إنفاق المعلنين لموازنتهم الإعلانية كلها على الإعلان الرقمي، اكتفوا بصرف جزء منها فقط، ما ساهم في تراجع سوق الإعلانات في الأعوام الأربعة الأخيرة بنسبة تجاوزت الـ 50 في المئة.

ويضيف: "ومع ظهور وباء كورونا وانتشاره عالمياً خلال العام الحالي، إلى جانب المشاكل الاقتصادية التي شهدها العالم العربي، تدهور وضع السوق بشكل دراماتيكي"، متوقعاً "استمرار تراجع حجم السوق هذا العام بنسبة تتجاوز الـ50 في المئة، ولاسيما أن نتائج الربع الثالث لم تكن أفضل من الربعين الأول والثاني"، ويلفت في هذا السياق إلى أن "البقاء والحالة هذه للأقوى ولمن يملك الخبرة التي سينشدها العملاء، إذ مثلاً، إذا أراد معلن تسويق منتج معين، لا بدّ لشركة الإعلان امتلاك خبرة وافية في تسويق هذا النوع من المنتجات"، مشيراً إلى أن "الشركات الكبرى ستكون  الرابح في هذه "المعركة" إذ تملك معظمها الكفاءات والخبرات، علماً بأن هذه الشركات تتمتع كذلك بملاءة مالية عالية تمكنها من تجاوز المرحلة ومواجهة عام عصيب على مستوى الأداء"، ويحذّر مطران من الخطر المحتمل على الشركات الصغيرة "التي ستكون من أكثر المتضرّرين من استمرار الوضع المتردي".

بعض الشركات الصغيرة ينتظر من يشتريها

ورداً على سؤال عن إمكانية حصول عمليات دمج،  يجيب مطران: "عمليات الدمج والشراء سبق أن حصلت، ولم يعد هنالك من شركة لبنانية لم تبع حصة من أسهمها أو غالبيتها لشركة أجنبية. وعلى المستوى الشخصي، بعت غالبية أسهم شركتي منذ سبعة أعوام والآن أحتفظ بنسبة 40 في المئة منها فقط، وآخرون عملوا بالمثل. أما الشركات الصغيرة، فبعضها ينتظر من يشتريها وبعضها لا يريد أن يبيع، علماً بأن عدد هذه الشركات ليس بالصغير وأداء عدد لا بأس به جيد جداً".

وهل سيصار إلى التخصص؟ "التخصص حاصل أيضاً خصوصاً في المجال الرقمي. صحيح أن شركتنا تقدم جميع خدمات الإعلان لكن هنالك شركات متخصصة بالإعلان الرقمي فقط، وأخرى يقتصر عملها على الإعلان التقليدي فحسب، فعلى الرغم من أن الزبون يفضّل التعاون مع شركة منخرطة في مختلف المجالات أكثر من المتخصصة في مجال محدد" يفيد مطران.  

وإزاء ما فرضه الإعلان الرقمي من تحول في النص والرسالة الإعلانية، فهل نحن أمام السيناريو نفسه والذي يفرضه هذه المرة وباء كورونا وتداعياته؟ "نعم، نحن أمام السيناريو نفسه لناحية التحول في النص الإعلاني"، يحسم مطران. ويوضح: "نظراً الى وضع السوق الضعيف، فإن أي حملة إعلانية يجب أن تكون هادفة، إذ إن المعلن ينشد مردوداً من الحملة التي يطلقها".

تفاؤل بالعام 2021

لكن مقابل الصورة القاتمة المسيطرة على السوق، يحتفظ مطران بمنسوب من التفاؤل إذ يتوقع "تحسن السوق  بعد القضاء على كورونا، وعلى مستوى الوسائل الإعلامية كافة، نظراً الى وجود قناعة أن حملة رقمية وحدها غير كافية لإحداث الزخم المطلوب والنتائج المرجوة". ويشرح: "انطلاقاً من خبرتي في هذا المجال، من البديهي أن تكون لدي الحشرية لمشاهدة إعلان على الإنترنت، لكن، ما يحدث هو عكس ذلك تماماً، إذ أنتظر، كما الغالبية العظمى ما لم يكن الجميع، مرور الثواني الأربع أو الخمس للضغط على رابط تخطي الإعلان. وأعتقد أن المعلن أضاع ماله، لأن المشاهد لم ير الإعلان بل عداد الوقت لتخطي الإعلان، وهذا مؤشر على مدى تأثير الإعلان على المستهلك من عدمه". ويتابع: "على عكس التلفزيون، إذا اعتبرنا أن مدة الإعلان هي نصف دقيقة، وهنالك ثلاثة إعلانات، فإن الفرد لن يغادر الغرفة للقيام بأي شيء في دقيقة ونصف الدقيقة، بل إنه يبارح مكانه ويشاهد الإعلانات".

دبي مركز الإنتاج الإعلاني في المنطقة

وإذ اعتبر مطران أن الإعلانات لم تتراجع في أوروبا كما في المنطقة، نوّه بمكانة دبي "كمركز إنتاج للإعلان في المنطقة"، مشيراً إلى أن "المبدعين اللبنانيين الذين برعوا في هذا المجال ولا يزالون أصبحوا خارج البلاد، لذلك لم يعد لبنان هو المركز كما في السابق"، وهو يتوقع كذلك "تعافي دبي بسرعة مقارنة بدول أخرى في المنطقة لما يتمتع به حكامها من مرونة وسرعة في اتخاذ القرارات ومركزيتها".

وعن مدى ارتباط فكرة الإعلان بموازنته، يقول مطران إنه "لا يمكن الفصل بينهما"، موضحاً: "تفكر شركة الإعلان بأمرين، كلفة إنتاج الإعلان، والمبلغ الذي سينفق لبثه أو نشره، وعليه، تطلع الشركة الزبون على الفكرة التي قد يتطلب تنفيذها إنتاج فيلم معين ليحدث الأثر المطلوب لدى المستهلكين ويحقق الإعلان هدفه، ألا وهو زيادة المبيعات. لكن لهذا الفيلم كلفته أيضاً، وغالباً ما يقبل الزبائن بدفع كلفة الشريط المصور إذ هم يدركون كما شركة الإعلان أن الإعلان المبتكر سيحدث أثراً في الجمهور الذي لا شك سيقتنع بتجربة المنتج"، وينبّه في هذا السياق، إلى أنه "قد يحصل أن يضر الإعلان بمنتج ما، لكن المسؤولية حينئذ تقع على عاتق الزبون لمجرد موافقته على الإعلان".

وعن ظاهرة المؤثرين Influencers يقول مطران إنهم "أصبحوا جزءاً مهماً من العمل الإعلاني لأن لديهم شعبية ويتمتعون بالمصداقية لدى متابعيهم. فعندما يبدي مؤثر ما رأيه بمنتج معين، فإنه يؤثر بمتابعيه"، لكن مطران يعود ويقول إن هذه "الظاهرة في شكلها الحالي ستنتهي، لأن حقل المعرفة كبير ومتغير وقد نشهد مستقبلاً ظهور مؤثرين متخصصين في مجال محدد، كالتصميم أو الموضة أو السيارات وغيرها، على عكس ما هو شائع اليوم".

لمؤتمر يناقش واقع القطاع والحلول

ويختم مطران مستغرباً عدم التداعي إلى عقد مؤتمر يناقش واقع قطاع الإعلان في لبنان ومحاولة إيجاد حلول للخروج من الوضع المتردي، خصوصاً في ظل إقفال مؤسسات إعلامية وشركات إعلان. ويقول: "لسنا البلد الوحيد في العالم الذي تراجعت فيه الإعلانات بشكل دراماتيكي، بل هنالك دول كثيرة واجهت الواقع نفسه وأكثر من مرة في تاريخها. لكن المشكلة في كوننا لم نتعلم من تجارب هذه الدول والحلول التي انتجتها للخروج من أزماتها". وإذ نوه بحملة "أنا أعلن" مشيراً إلى أنها "كانت جيدة"، ذكر "أننا لا نعلم بعد الأثر الذي خلفته ونتيجتها مع العلم بأن الخوف وعدم اليقين يحدان من الإنفاق الإعلاني، وطالما هنالك خوف في السوق فإننا لن نرى موازنات إعلانية حقيقية".