ما الذي يحكم صناعة الألماس؟

  • 2020-10-03
  • 11:03

ما الذي يحكم صناعة الألماس؟

  • برت دكاش

قيل في الألماس الكثير وذُكر أكثر. كتب عنه في الفلسفة، والفكر، والأدب، وصولاً إلى الفن. أقوال خُلدت مثل خلود هذا الحجر الدفين الذي يحتاج اكتماله إلى ملايين، وأحياناً مليارات السنين.

مصدر اسم حجر الألماس كلمة Adamas اليونانية وتعني الذي لا يُقهر. ويصفه عالم الطبيعة الروماني بيليني في القرن الأول قبل الميلاد بالقول إن "الألماس ليس أغلى الأحجار الكريمة وحسب، إنما هو أغلى شيء في العالم". ويستعين المفكر الفرنسي الشهير فيكتور هوغو بالألماس ليبرهن أحقية الحقيقة وذلك في مقولته: "مثلما يوجد الألماس في ظلمة الأرض، كذلك الحقيقة في ظلمة العقل". وفي أحد السيناريوهات التي كتبت لمسرح برودواي كتب ليو روبن: "الألماس هو صديق الفتاة المفضل"، عبارة سرعان ما تحوّلت إلى قول شعبي بعد أن صدر عن لسان النجمة مارلين مونرو في فيلم Gentlemen Prefer Blondes.

 

استثمار مدفوع بالشغف

 

ويقول أحد الحراس الشركاء (co-guardians) في دار Mouawad- التي إلى جانب إنتاجها المجوهرات الراقية منخرطة في صناعة الألماس عبر تحالف Premier Diamond Alliance- فريد معوض في حديث خاص إلى "أولاً الاقتصاد والأعمال" إن "الألماس مصدر سعادة المرأة، سواء كان هدية أم اشترته بنفسها"، وذلك في معرض حديثه عن الدوافع خلف استثمار الناس بالألماس، ويلفت إلى أنه سواء كان الاستثمار بغرض التجارة أو الاقتناء الشخصي، لا بدّ أن يكون مدفوعاً بداية بالشغف بالألماس". وينطلق معوض من تجربته الشخصية في هذا المجال ليضيف: "أنا أؤمن أن الاستثمار في الألماس ينبع من الشغف الذي يتحوّل لاحقاً إلى أعمال، وهو ضروري لضمان استمرارية الأعمال وازدهارها"، ويوضح: "نحن نشتري الألماس ونبيعه لنتمكن من مواصلة الشراء، إنها عجلة، تحتاج للاستمرار في الدوران، إلى حب جانبين هما: توفر ألماسة نادرة وتسليمها إلى أحد زبائننا. ويمثّل الجانبان بالنسبة إلينا، مكافأة على عملنا خلال رحلتنا في صناعة الألماس، خصوصاً وأنه من خلال بيع الألماس لزبائننا، نتشارك وإياهم شغفنا به".

 

 

"طريق الألماس"

و"طريق الألماس" من مهد انطلاقته إلى انتشاره طويل، بطول تاريخ اكتشافه، إذ يقدّر بعض المؤرخين، وفق المعهد الأميركي لعلم الأحجار Gemology Institute of America أن الألماس اكتشف في الهند في القرن الرابع قبل الميلاد، وكان يجمع من الأنهار ومجاري المياه، وقد أنتجت البلاد منه، في البدايات، كميات محدودة تلبي حاجات سوق محدودة أيضاً اقتصرت على الطبقات الفاحشة الثراء في الهند. وعبر العصور، أخذت الأمور تتبدّل، حتى وجد ألماس الهند طريقه إلى أوروبا الغربية في العربات المسافرة إلى أسواق البندقية خلال القرون الوسطى، وقد راج الألماس في القرن الخامس عشر كأكسسوار بين أفراد النخبة الأوروبية.

مطلع القرن الثامن عشر، بدأت موارد الهند من الألماس تشح، فبرزت البرازيل كمصدر مهم له، وقد اكتشف في بلاد الأمازون بأغوار مناجم الذهب لدى الانتقال للبحث عنه تحت حصى الأنهار المحلية، وعند بلوغ البرازيل طاقتها الإنتاجية القصوى، فرضت سيطرتها على سوق الألماس لأكثر من 150 عاماً.

 

اقرأ ايضاً:

BOUCHERON: رحلة "تأمّل" بين الإبداع والأعمال

 

ما الذي يحكم صناعة الألماس؟

 

مرّ الألماس، عبر الزمن، بحقب ذهبية، وأخرى خفّ فيها بريقه. فإلى تبدّل مصادره بفعل مرور الوقت، تراجع استهلاك الطبقات الحاكمة القديمة، وهي أكبر مستهلك للألماس، في نهاية القرن الثامن عشر بسبب الاضطرابات السياسية بشكل رئيسي، نتيجة تغيير الأنظمة مثل الثورة الفرنسية التي قادت إلى تغيير في توزيع الثروات.

ويوضح معوّض أن عوامل عدّة تحكم صناعة الألماس إذ "تتأثر أسعاره مثلاً بالدورات الاقتصادية، وفي توفّره النسبي وطلب السوق عليه". ويكمل عن تأثير وباء كورونا على الألماس أخيراً، فيقول: "مع الإغلاق الذي فرضه الفيروس، تباطأت حركة تجارة الألماس بشكل ملحوظ، إنما قيمة المصقول منه لم تنخفض. وفي الواقع، هنالك نقص في أحجام معينة في السوق أدت في المقابل إلى زيادة في أسعارها"، معرباً عن ثقته "من أن الأسعار ستحافظ على استقرارها ما لم ترتفع بمجرد السيطرة على الفيروس".

 

 

 

 

جنوب أفريقيا وبداية عصر جديد

 

ثقة معوّض مستقاة من خبرته أولاً، ومن التجارب السابقة ثانياً. فبعد خفوت نجم الصناعة في القرن الثامن عشر، أعاد اكتشاف أولى رواسب دفينة له في جنوب أفريقيا، وتحديداً في كيمبرلي العام 1866 للألماس رونقه، بالتزامن مع توسع الطلب عليه. وبدأ بذلك عهد جديد لصناعة الألماس وتجارته. فبعد 22 عاماً على هذا الاكتشاف، أسس رجل الأعمال سيسيل رودس مجموعة مناجم دي بيرز De Beers Consolidated Mines Limited  والتي أحكمت في نهاية القرن ومطلع القرن التاسع عشر، من خلال مناجمها في جنوب أفريقيا، سيطرتها على نحو 90 في المئة من الإنتاج العالمي للألماس الخام.

وكان لموارد جنوب أفريقيا تأثير على قطاعات عدة ذات صلة بصناعة الألماس، إذ انتقل البحث عنه من السطح إلى الأعماق، وترافق ذلك مع تطوير تقنيات استخراج أكثر فعالية لتخفيض الكلفة وزيادة الإنتاج وتسويق أفضل، مما أدى إلى تطوير صقل الألماس وتقطيعه وتعزيز مظهره، ومع الوقت، ظهرت أشكال متعدّدة للألماس أصبحت من الأكثر شعبية بما فيها التقطيع الدائري، والبيضاوي، وماركيز، والمربّع Princess والمستطيل Emerald.

 

إنتاج بالملايين

 

وهكذا، زاد إنتاج الخام في نهاية سبعينات القرن التاسع عشر، من أقل من مليون قيراط، إلى نحو 3 ملايين في عشرينات القرن العشرين، في حين لامس الإنتاج السنوي في السبعينات نحو 50 مليون قيراط، ليتجاوز الـ100 مليون قيراط سنوياً في تسعينات القرن الماضي  و140 مليوناً العام 2019 وفق إحصاءات موقع Statista بعد أن لامس العام 2005 الـ177 مليوناً،  قبل أن يهبط إلى الـ120 مليوناً العام 2009 نتيجة الأزمة المالية العالمية العام 2008.

وعلى الرغم من استمرار سيطرة مجموعة صغيرة من المنتجين على إنتاج الألماس الخام لغاية اليوم، إلا أن دور مجموعة أيضاً De Beers كـ "قيّم" على توريد الألماس وفق إحدى التوصيفات انتهى، "لكن الحصول على اعتماد De Beers Sightholder يعدّ امتيازاً كونه يتيح الوصول إلى الألماس الخام الخالي من النزاعات"، وفق ما يؤكد معوّض، مضيفاً أن "حصولنا على هذه التسمية كان مهماً جداً في مسيرة الدار".

وتجدر الإشارة إلى أن استخراج الألماس توسع عالمياً بشكل دراماتيكي مع اكتشاف مصادر له في أستراليا العام 1985 ورواسب له العام 2000 في شمال كندا. وتعدّ روسيا، أكبر مصدر للألماس الخام في العالم اليوم، تليها بوستوانا في أفريقيا، وجهورية الكونغو الديمقراطية، وأستراليا وكندا.  

 

 

الولايات المتحدة: نصف الاستهلاك العالمي من الألماس

 

وفق تقديرات Bain & Co، فإن حجم سوق المجوهرات في العالم لامس الـ80 مليار دولار العام 2019، وأن نحو نصف الطلب على الألماس (49 في المئة) مصدره الولايات المتحدة. وعلى الرغم من تأثر القطاع بتداعيات وباء "كوفيد-19"، كما يذكر معوض، إلا أن "الاستثمار في الألماس هو استثمار جيد على المدى البعيد، كونه مورداً طبيعياً محدوداً، فضلاً عن كونه جميلاً، مدهشاً، ونادراً. إنه نوع من الأصول التي يمكن ارتداؤها وتتمتع بقيمة عاطفية، ثم إن الألماس لا يفنى وقيمته عالية ويعكس وضعاً  اجتماعياً معيناً، ويمكن تخزينه في مكان صغير، وقد تزيد قيمته مع مرور الوقت. باختصار، يتمتع الألماس بصفات فريدة تجعله مرغوباً بقوة".

 

السرّ في الـ "Flour Cs"

 

وعن كيفية تقييم الألماس، يوضح معوض أنه يعتمد على ما يُعرف بالـ Four Cs، أي تقطيعه Cut، زنته بالقيراط Carat، لونه Color ونقاوته Clarity التي تظهر ما إذا كانت قطعة الألماس تشوبها أية عيوب"، ويضيف: "كلما كانت قطعة الألماس كبيرة، ودرجة لونها ونقاوتها أعلى، ارتفعت قيمتها، علماً بأن الأسعار مرتبطة أيضاً بندرة قطعة الألماس، فمثلاً قطعة زنتها 5 قراريط أندر من ألماسة زنتها قيراط واحد وإن تساوتا بالجودة".

 

اقرأ ايضاً:

"غلف كرافت": نبني شركة جديدة للـ40 سنة المقبلة

 

تنافس على تملّك الألماس

 

ندرة الألماس تجعل كبرى المجموعات المنتجة له أو للمجوهرات الراقية تتسابق على تملّك أندره. ففي هذا السياق، يروي معوض عن امتلاك Mouawad لقطع من الألماس النادرة "تقدّر قيمتها بمليارات الدولارات". ويتابع شارحاً: "بدأ والدي بشراء ألماسات تاريخية عدة شهيرة تتجاوز زنتها الـ100 قيراط، مثل الـ Jubilée، وهي ألماسة رائعة بلا لون بتقطيع الوسادة زنتها 245.35 قيراط، ومصنفة سادس أكبر ألماسة في العالم. وقطعة الألماس Star of Stnley Ho, Grand Lisboa, Macau، وهي أكبر ألماسة نقية بتقطيع الوسادة في العالم زنتها 218.08 قيراط. واستمرينا نحن في هذا التوجّه، من خلال شراء ألماس خام سجل بعض الأرقام القياسية مثل Mouawad Dragon، وهي ألماسة بتقطيع بريانت دائرية، صفراء Fancy Vivid، وتعد أكبر ألماسة تصنف لغاية اليوم من قبل المعهد الأميركي للأحجار، وMouawad Kimberley Star، وهي ألماسة زنتها 111.11 قيراط قُطعت على يد كبار قاطعي الألماس في الدار من ألماسة خام مهمة تزيد زنتها على 160 قيراطاً، مما يجعلها أكبر ألماسة صفراء Fancy Vivid بتقطيع الإجاصة، وفق المعهد الأميركي للأحجار. 

إلى Mouawad، أخبار كثيرة عن تنافس مجموعات وحتى أفراد من هواة جمع الألماس على شراء قطع ألماس نادرة، تصدرت المزادات العالمية مثل الألماسة الزرقاء Blue Moon of Josephine وزنتها 12.03 قيراط، اكتشفت في جنوب أفريقيا العام 2014 واشتراها الملياردير جوزف لاو لوين-هونغ من هونغ كونغ في مزاد لدار سوزبي في جنيف العام 2015 بسعر قياسي بلغ 48.4 مليون دولار، وذلك هدية لابنته جوزفين البالغة من العمر سبعة أعوام آنذاك، وقد أطلق عليها اسم جوزفين تيمناً باسمها. وقبل ذلك بيوم واحد، اشترى لوين-هونغ في مزاد لدار كريستيز ألماسة زهرية اللون زنتها 16.08 قيراط مقابل 28.5 مليون دولار وأطلق عليها اسم Sweet Josephine. وكان اشترى العام 2009 من أحد التجار ألماسة زرقاء أخرى بقيمة 9.5 ملايين دولار وأطق عليها اسم Star of Josephine.

وفي العام 2014 اشترت دار Harry Winston في مزاد لدار كريستيز ألماسة زرقاء بتقطيع الإجاصة زنتها 13.22 قيراط بقيمة 24 مليون دولار، وأطلقت عليها اسم  Winston Blue، سبقها العام 2013 شراء الدار قطعة ألماس بلا لون بتقطيع الإجاصة زنتها 101.73 قيراط مقابل 27 مليون دولار، وأسمتها Winston Legacy.

وفي كانون الثاني/ يناير الماضي أعلنت دار الموضة الفرنسة Louis Vuitton عن شراء أكبر ثاني ألماسة خام في العالم واسمها Sewelo بزنة 1758 قيراطاً اكتشفت في بوتسوانا في نيسان/ أبريل 2019، علماً بأن أكبر ألماسة خام في العالم تدعى Cullinan وزنتها 3100 قيراط، وقد استخرجت العام 1905 من جنوب أفريقيا.

 

 

رحلة في باطن الأرض

 

هذا التهافت المدفوع بداية بالشغف، يحفّزه وجود قصة خلف كل قطعة ألماس تبدأ بلحظة تكوّنها في باطن الأرض لحين تربّعها على قطعة الحلي. ويقول معوض: "الألماسة نادرة جداً، ونحب أن نروي قصة ندرتها من خلال الشفافية حول رحلتها من حيث استخرجت الخامة، إلى كيفية صقلها من قبل قاطعي الألماس لدينا، وصولاً إلى كيفية تصميمها وتصنيعها في قطعة مجوهرات". ويضيف: "تحتاج قطعة الألماس الخام إلى مليارات السنين لتتكوّن في باطن الأرض، ويحتاج تحويلها إلى ألماسة مصقولة إلى الكثير من البراعة الفنية، وكلما زادت معرفة الناس بهذه العملية، قدروا عنصر الندرة والفن في صناعة استثنائية".

 

جاذبية "الطبيعي" لا تضاهيه جاذبية

 

من هنا، يكمل معوض متناولاً "الألماس المصنع في المختبرات Lab diamonds الذي يمكن إنتاجه بكميات كبيرة، لكن الأمر يجعله من دون قيمة حقيقية، بل يمكن اعتباره قطع "موضة مغالٍ في ثمنها، في حين أنه لدى Mouawad، نؤمن فقط بالطبيعي والنادر كأساس في صناعة المجوهرات القيّمة. وجمال ألماسة طبيعية يكمن في اتصالها بالأرض، وفي رحلتها التي تحتاج إلى ملايين أو مليارات السنين لتتكون كما ذكرت، مما يعطي الألماس الطبيعي جاذبية لا يمكن إنجازها في الألماس الصناعي".

 

اقرأ أيضاً:

الصين تنجد صناعة الرفاهية.. ولا تنقذها

 

حضور عالمي

 

قد تكون دار Mouawad العلامة الوحيدة في المنطقة من صانعي المجوهرات المدمجة عمودياً، وفق ما يذكر معوض. ويضيف: "حضورنا في الشرق الأوسط متسم بانتشار متاجرنا في أنحاء المنطقة، في حين أن إنتاجنا للألماس يتم في آسيا، والولايات المتحدة وأفريقيا".

ويختم قائلاً إنه "إلى جانب كوننا صانع مجوهرات العائلات المالكة، نحن اليوم صانع ألماس رفيع جداً، ونملك خبرة في جوانب سلسلة التصنيع كافة، مما يمكننا من توفير الأرقى لزبائننا بقيمة جيدة"، لافتاً إلى أن الدار "تقدم مع عدد كبير من ألماساتها تقرير Mouawad Crafted Authenticity  الذي يرصد عملية إنتاج قطعة الألماس من حالتها الخام وصولاً إلى قطعة المجوهرات"، ويؤكّد أن "خبرتنا، وشفافيتنا، ونوعية مجوهراتنا، وسمعتنا الطويلة هي التي تخلق هذه الثقة مع عملائنا".