مصر: الجائحة تكشف صلابة الإصلاحات

  • 2020-06-29
  • 16:00

مصر: الجائحة تكشف صلابة الإصلاحات

ست سنوات من الإصلاحات هل كانت كافية لمواجهة أزمة استثنائية مثل كورونا؟

  • القاهرة- مها أبو ودن

 6 سنوات مضت على الإصلاح الاقتصادي المصري، الذي بدأ فعلياً في العام 2014، بترشيد دعم الطاقة بشقيه "الكهرباء والبنزين"، تبعها برنامج إصلاح اقتصادي شامل بالتعاون مع صندوق النقد الدولي ضمن اتفاق تمويل يبلغ 12 مليار دولار على 3 سنوات، ليلي ذلك إجراءات طارئة لجأت إليها الحكومة المصرية خلال العام الحالي لمكافحة تداعيات جائحة كورونا، وهي إجراءات من خارج الإصلاحات المتبعة، فهل نجح البرنامج المذكور والإجراءات الاستثنائية في التصدي لأزمة استثنائية كأزمة كورونا؟

قبل الإجابة يمكن استعراض التحريكات الخمس في أسعار الوقود التي رفعت سعر لتر بنزين 92، الأوسع استخداماً في مصر، من 185 قرشاً إلى نحو 8 جنيهات حالياً، والتحريكات الست المثيلة في أسعار الكهرباء والتي شملت شرائح الاستهلاك كافة من الضعيفة حتى العالية، ثمّ الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2016 على تمويل لبرنامج إصلاح اقتصادي شمل تحرير سعر الصرف، وتطبيق قانون الضريبة على القيمة المضافة، واستكمال خطوات ترشيد دعم الطاقة بشقيه، ما دفع معدلات التضخم للوصول الى معدلات غير مسبوقة وصلت الى 35 في المئة أثرت على مداخيل الأفراد.

 

الإصلاح يسرّع معدلات النمو

 

 

وفي هذا السياق، يقول نائب وزير المالية السابق لشؤون الضرائب عمرو المنير إنه لم يكن هناك بديل عن الإصلاح الاقتصادي في ظل تردي الوضع المالي والنقدي، وقد نتج عن هذا الاصلاح تسارع في معدلات النمو ظهرت جلية في موازنات الأعوام الستة.

كذلك، فإن اختلاف معدلات النمو والتضخم وعجز الموازنات كانت مختلفة بين مرحلة ما قبل الإصلاحات وما بعدها، وعليه يعلق المنير أنه على الرغم من أن الاصلاح الاقتصادي كان ضرورة ملحة بسبب التراجع الشديد في معدلات النمو الاقتصادي، فإن توزيع مكتسبات هذا الاصلاح على القطاعات والأنشطة الاقتصادية كان فى حاجة الى قدر أكبر من التنوع، فمعظم الوفر تمّ ضخه في مشروعات سكنية ومشروعات بنية تحتية وهي قطاعات كثيفة العمالة بالفعل لكن معظم عمالتها مؤقتة.

ويضيف المنير: كان ينبغي الاستثمار ايضاً وجنباً إلى جنب في المشروعات الانتاجية الزراعية والصناعية، لكن في كل الأحوال مكّن الاصلاح الاقتصادي مصر من الصمود أمام الأزمة الطاحنة التي سببتها جائحة كورونا، ولولاه ما كان من الممكن أن تحقق مصر حالياً نمواً موجباً في ضوء تحقيق معظم دول العالم نمواً بالسالب.

 

 

لولا تحقيق الزيادة في الاحتياط النقدي وتحقيق الفائض الأولي

لما تمكنت مصر من تحقيق معدل نمو

 

ومن خلال رصد الوضع الاقتصادي قبل تفشي فيروس كورونا وفي المرحلة الحالية، يؤكد المنير أن أزمة كورونا كشفت مدى صلابة الاصلاحات الاقتصادية التي أجرتها مصر، فلولا تحقيق الزيادة في الاحتياط النقدي، وتحقيق الفائض الأولي لما تمكنت مصر من تحقيق معدل نمو في الوقت الذي توقعت فيه عدد من المؤسسات الدولية أن يحقق معظم دول العالم معدل نمو بشكل سالب.

وكان نائب وزير المالية أحمد كجوك، قال في تصريحات صحافية منذ أيام، إن مؤسسات التصنيف الائتماني الثلاث الكبرى، منذ أول آذار/مارس الماضي، غيَّرت تقييمها لنحو 47 دولة من الدول الناشئة، بينما تمّ الإبقاء على التصنيف الائتماني لـ 12 دولة فقط بينها مصر، لتصبح مصر إحدى دولتين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتم الإبقاء على تصنيفها الائتماني.

و في ما يخص تقييم الوضع الحالي، فقد وضعت الحكومة 3 سيناريوهات للتعامل مع أزمة كورونا بحسب تصريحات وزير المالية المصري محمد معيط وهي كالتالي: من المتوقع زيادة العجز الكلي من 6.3 في المئة إلى 7.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتراجع الفائض الأولي من 2 في المئة إلى 0.7 في المئة، وفي حال استمرار الوباء حتى نهاية العام 2020، يرتفع العجز الكلي إلى 8.4 في المئة وتحقيق عجز أولي بنسبة 0.1 في المئة، وإذا امتدت الجائحة حتى حزيران/ يونيو 2021 يرتفع العجز الكلي إلى 9 في المئة والعجز الأولي الى 0.7 في المئة.

 

إجراءات مكافحة كورونا

 

أما عن أبرز الاجراءات التي لجأت اليها مصر خلال هذا العام بشكل عاجل فهي تخصيص نحو 100 مليار جنيه ضمن خطة تمويلية لمكافحة التداعيات الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا، صرفت منها حتى اللحظة نحو 64 مليار جنيه، نتيجة ضغط نفقات تمويل القطاع الصحي، فضلاً عن منحة بقيمة 500 جنيه للعمالة المؤقتة، وكذلك تأجيل سداد بعض أنواع الضرائب عن القطاع السياحي والصناعي لمدة 6 أشهر.

وقد حصلت مصر بناءً على طلبها على قرض بقيمة 2.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي قبل أسابيع، ضمن آلية التمويل السريع، كما حصلت على موافقة من الصندوق على مستوى الخبراء على اتفاق تمويلي يسمى اتفاق الاستعداد الائتماني بقيمة 5.2 مليارات دولار لمدة عام واحد ومن المتوقع أن تتم الموافقة على صرف القرض يوم الجمعة المقبل.

 

سعي إلى دعم الاحتياط النقدي

 

وفي إطار سعيها إلى دعم الاحتياط النقدي الذي تأثر كثيراً بسبب تراجع الموارد الدولارية المتأثرة بجائحة كورونا، طرحت مصر الشهر الماضي سندات دولية بنحو 5 مليارات دولار على ثلاث شرائح ( 4 -12- 30 سنة) وبقيم مصدرة تبلغ 1.25 مليار دولار، و 1.75 مليار دولار، وملياري دولار على التوالي.

ويعلّق عمرو المنير على قرض الـ 5.2 مليارات بالقول إن هذا القرض يسهم في دعم الموارد الدولارية التي تأثرت بكل أنواعها بسبب جائحة كورونا .

ويشير المنير إلى أن معظم دول العالم لجأت إلى الاقتراض سواء من مؤسسات دولية، أو طرحت سندات محلية او دولية للحصول على أموال لتعويض أضرار فيروس كورونا ..

ويقترح المنير أن تقوم مصر بقيادة مبادرة بالتعاون مع الدول ذات الوضع الاقتصادي المشابه للضغط على المجتمع الدولي من أجل الاعفاء من الديون الخارجية أو جزء منها أو إعادة جدولتها.

وفي تعليقه على هذا الأمر، يقول كبير الباحثين الاقتصاديين في المجموعة المالية هيرمس محمد أبو باشا إن الاصلاح الاقتصادي كان ضرورة ملحة لتحقيق الاستقرار في السياسات المالية والنقدية، بعد سنوات من تردي الأحوال.

 

الاستقرار لحل الأزمات بينها العملة ونقص الكهرباء

 

 

ويضيف أن الفترة ما بين العامين 2014 و 2016 شهدت عدداً كبيراً من الأزمات منها نقص الكهرباء والعملة، وكان هدف الاصلاح الاقتصادي تحقيق الاستقرار الرامي إلى حل تلك الأزمات، ونتيجة لتطبيق برنامج الاصلاح المصري شهدنا تسارع وتيرة النمو الاقتصادي معتمداً على قطاعات محددة فقط كالبنية التحتية لكن هناك عدداً من القطاعات التي لم تشهد أي نمو او كانت وتيرة النمو فيها أقل.

ويشير أبو باشا إلى أن معدلات التضخم الناتجة عن الاصلاحات كبيرة، أثرت على النمو الاستهلاكي، ولكن مع استمرار الاصلاح بدأنا نشهد انخفاض أسعار الفائدة، ومعدلات التضخم شيئاً فشيئاً، إلا أن أزمة كورونا لاحت في الافق لتعصف بمعظم تلك الاصلاحات فينخفض الاحتياط نتيجة توقف النشاط الاقتصادي، وتراجع القطاع السياحي، لكن هذا الاصلاح مكن مصر من الصمود في وجه عاصفة كورونا على الاقل رغم تراجع المؤشرات، ولولاه ما كان يمكن الصمود من الأساس.

ويخلص أبو باشا إلى القول إن معظم دول العالم تعلمت الدرس من كورونا، ففي وقت الرخاء لا بدّ من توزيع مكتسبات النمو على القطاعات الاقتصادية كلها، ولاسيما القطاع الصحي الذي كشفت أزمة كورونا عوار التعامل معه على المستوى العالمي ككل.