هل يخدم الوباء تحقيق أهداف 2050 للطاقة المتجددة؟

  • 2020-06-22
  • 09:48

هل يخدم الوباء تحقيق أهداف 2050 للطاقة المتجددة؟

  • حنين سلّوم

سجّلت الطاقة المتجدّدة أرقاماً قياسيّة سنة 2019، فقد ارتفع استهلاك الطاقة من المصادر المتجدّدة بشكل كبير، مصحوباً بارتفاع الطاقة المولّدة من الرياح والشمس، فشكّلت نحو 40 في المئة من نمو الطاقة الأوليّة لسنة 2019. لكن، انتشار وباء كورونا شكل منذ بداية العام الحالي صدمة صحية واقتصادية واجتماعيّة عالميّة، صدمة قد تكون ايجابيّة، إذ ساهمت في تسريع التحول إلى الاستدامة وخلق فرص لتحقيق ذلك. في المقابل، قد تصبح هذه الصدمة سلبيّة إذا انشغل العالم في إيجاد الحلول للأزمة المستجدّة من دون وضع خطط قصيرة الأمد تخدم الأهداف الأساسيّة الطويلة الأمد مثل التغير المناخي.

إنّ العالم أجمع أمام قرار مفصلي، فإمّا أن تكمل الطاقة المتجدّدة تسجيل الأرقام القياسيّة فتدفعنا خطوة إضافيّة نحو هدف 2050 (net-zero carbon emissions)  وإمّا أن تعيدنا أشواط إلى الخلف.

الوباء في خدمة الطاقة المتجدّدة والأخيرة للنهوض منه!

 

أدّى انتشار الوباء إلى توقّف اقتصادات العالم لأشهر وهو ما أعاق أو أرجأ بعض الاستثمارات والمشاريع منها في قطاع الطاقة المتجدّدة، لكن في المقابل أثبتت الطاقة المتجدّدة مدى أهميّتها والدور الأساسي الذي تلعبه في الاستجابة الفوريّة لوباء كورونا، فهي توفر حلول طاقة نظيفة وموثوقة وفعالة من حيث التكلفة خصوصاً للخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية وإمدادات المياه والغذاء التي كانت أساسية في مواجهة الوباء.

من جهة أخرى، تلعب الطاقة المتجددة دوراً أساسياً في الانتعاش الاقتصادي وضمان الاستدامة وأمن الطاقة وخلق فرص العمل وتعزيز الصمود لحماية صحة الناس، لكن لا يمكن لأي صناعة أخرى أن تضاهي مثل هذا التأثير مع تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة في الوقت نفسه، وبالتالي التخفيف من التغير المناخي.

وفي دراسة أجرتها الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)، تبيّن أنّ الطاقة النظيفة تنتج عائداً اقتصادياً أعلى من الاستثمار الأولي بنسبة 3 إلى 8 مرات، علماً أنّها قد تكلّف 19 تريليون دولار أكثر من مشاريع الطاقة الأخرى ولكنها قد تجلب فوائد بقيمة 50 إلى 142 تريليون دولار في حلول سنة 2050 ما قد يزيد الناتج المحلي الإجمالي في العالم بنسبة 2.4 في المئة.

 

ارتفاع استهلاك الطاقة المتجدّدة في العقد الماضي

 

بلغ معدل النمو السنوي المركب (CAGR) للطاقة المتجدّدة 13 في المئة خلال العقد الماضي وقد سجّلت نسبة التغير السنوي الأكبر سنتي 2011 و2017 حيث نما استهلاك الطاقة من المصادر المتجدّدة بنسبة 15 في المئة على أساس سنوي، أمّا سنة 2019، فقد نما استهلاك الطاقة المتجدّدة بنسبة 12 في المئة على أساس سنوي من دون تغيّر يذكر عن نمو سنة 2018.

وارتفعت نسبة استهلاك الطاقة المتجدّدة من إجمالي الطاقة الأوليّة خلال العقد الماضي من نحو 2 في المئة سنة 2010 إلى 5 في المئة سنة 2019 ليكون بذلك معدل النمو السنوي المركب نحو 11 في المئة.

 

تستمد الطاقة المتجدّدة من الموارد الطبيعية التي تتجدد أي أنّها لا تنفد ولا ينتج عنها أي مخلّفات كثنائي أوكسيد الكربون (CO2) أو غازات سامّة وبالتالي لا تزيد من الاحتباس الحراري كما يحدث عند استخدام مصادر أخرى لإنتاج الطاقة مثل النفط الخام والفحم الحجري وغيرهما، وتتنوّع مصادر الطاقة المتجدّدة فمن الممكن انتاجها من الرياح والمياه والشمس، كما يمكن إنتاجها من حركة الأمواج أو من طاقة حرارية أرضية وكذلك من المحاصيل الزراعية والأشجار المنتجة للزيوت وقد شكّلت الرياح والشمس المصدر الأساسي لنمو استهلاك الطاقة المتجدّدة سنة 2019 مشكّلة الإضافة الأكبر للنمو 1.4 و1.2 إكساجول (إكساجول= 10^18جول، جول تمثّل وحدة قياس الطاقة حيث 1 جول=1 واط) على التوالي.

استهلاك الطاقة المتجدّدة وفق المناطق

نما استهلاك الطاقة المتجدّدة بنسبة 12 في المئة على أساس سنوي خلال سنة 2019 فشكّلت الطاقة المتجدّدة 5 في المئة من إجمالي الطاقة الأوليّة المستهلكة بينما في المقابل، كان اللافت للانتباه تراجع استهلاك الفحم الحجري بنسبة 1 في المئة على أساس سنوي ليسجّل 27 في المئة من إجمالي الطاقة الأوليّة المستهلكة سنة 2019 وهي النسبة الأدنى منذ 16 عاماً، ويعود ذلك إلى ارتفاع استخدام الغاز الطبيعي ومصادر الطاقة المتجدّدة خصوصاً لتوليد الكهرباء. فقد ارتفعت نسبة توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجدّدة بنسبة 14 في المئة على أساس سنوي.

 

وقد شكّلت أوروبا المستهلك الأكبر وتلتها أميركا الوسطى والجنوبيّة حيث استهلكت 9.8 و9.5 في المئة على التوالي من الطاقة الأوليّة المستهلكة من مصادر الطاقة المتجدّدة سنة 2019. وكان اللافت للنظر في المقابل تسجيل الشرق الأوسط النمو الأكبر في استهلاك الطاقة المتجدّدة الذي بلغ 71 في المئة على أساس سنوي، علماً أنّها لم تشكّل الطاقة المتجدّدة سوى 0.3 في المئة من إجمالي الطاقة الأوليّة المستهلكة في المنطقة سنة 2019 أي 0.12 اكساجول فقط. أمّا بالنسبة الى اجمالي الطاقة المتجدّدة المستهلكة، فقد استهلكت منطقة آسيا والمحيط الهادئ النسبة الأكبر وهي نحو 37 في المئة أي ما يساوي نحو 11 اكساجول (بلغت إجمالي الطاقة المتجدّدة المستهلكة سنة 2019 نحو 29 اكساجول).

وعلى صعيد الدول، نما استخدام الصين لمصادر الطاقة المتجددة أكثر من أي دولة أخرى، فقد ارتفع بمقدار 0.8 اكساجول (غير إنّ هذا الارتفاع يظل أدنى من معدل النمو القوي الذي شوهد في 2017 و2018 والذي بلغ 1.2 اكساجول)، وساهمت الطاقة الشمسية في نصف هذا النمو في الصين وتلتها الرياح مساهمةً بنحو 40 في المئة. ومن بعد الصين، كانت الولايات المتحدة (0.3 اكساجول) واليابان (0.2 اكساجول) ثاني وثالث أكبر مساهم فردي في نمو استخدام مصادر الطاقة المتجدّدة.

الطاقة المتجدّدة: فرص للإستثمار

وفقاً لـ Goldman Sachs Group، من المتوقّع أن يتخطّى الانفاق على الطاقة المتجدّدة في السنة المقبلة أي 2021، الانفاق على النفط والغاز وذلك للمرّة الأولى في التاريخ، فهناك فرص استثمارات بقيمة 16 تريليون دولار في الطاقة النظيفة حتّى سنة 2030 واحتمال خلق ما بين 15 إلى 20 مليون فرصة عمل، وقد تساهم المؤسسات الماليّة بجذب المستثمرين إلى قطاع الطاقة المتجدّدة من خلال تخفيض تكلفة الإقراض لمشاريع الطاقة النظيفة التي لا تسبب انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون فتعزّز بذلك الحدّ من التغير المناخي، كما قد يلجأ المستثمرون إلى السندات الخضراء أو التمويل الأخضر (green financing).