التجاذب الأميركي – الصيني في ساحات الشرق الأوسط

  • 2020-05-18
  • 10:04

التجاذب الأميركي – الصيني في ساحات الشرق الأوسط

  • د. خطار أبو دياب - باريس

"عندما تستيقظ الصين يرتجف العالم"، هذه المعادلة التي توقعها نابليون الأول، تبدو في طور التحقق من ناحية الصعود الاقتصادي والاستراتيجي المدوي للصين الشعبية، لكن هذا الاهتزاز في أسس العلاقات الدولية الذي ارتسم إثر الاعتراف الأميركي ببكين في بداية سبعينات القرن الماضي (التعبير لـ شو آن لاي بحسب ما ورد في كتاب هنري كيسينجر عن الصين، نيويورك، 2011)، لم يحصل عملياً إلا في السنوات الأخيرة مع انتقال الصين إلى التنافس حول الموقع العالمي الأول.

 لم تعد الصين، كما وصفها البروفسور جوزف ناي في 1990، القوة الناعمة سوفت باور فقط، بل ركزت بكين منذ نهاية الحرب الباردة على المرونة والنهوض غير الصدامي، وذلك لتحقيق النجاح في السياسة العالمية ولمواكبة صعودها،، لكن الآن، يكشّر التنين الأصفر عن أنيابه في أكثر من مكان خصوصاً في محيطه القريب ولا يتفادى الاقتراب كثيراً من لهيب الشرق الأوسط.

ترتكز الاستراتيجية الصينية على ما تسميه الأدبيات الرسمية بالمنطق الدفاعي في وجه توسع الإمبريالية الأميركية، ويلاحظ المراقب أنه في خضمّ تشكّل النظام الدولي المتعدد الاقطاب، فرضت الصين نفسها، ليس لأنها تمثل خمس الإنسانية فحسب، بل لأن هذا العملاق الآسيوي نجح حيث فشل غريمه الاتحاد السوفياتي المنحل، إذ إن تطوير نموذجه الاقتصادي أتاح له نموّاً بالغ السرعة وقدرة تنافسية غير محدودة، مع طفرة تكنولوجية وسلطوية تؤمن الاستقرار الداخلي على المدى المتوسط.

في موازاة إطلاق "مبادرة الحزام والطريق" (طرق الحرير الجديدة) في 2015، برز الدور الصيني إنطلاقاً من المحيط الجيوسياسي الصغير: الخلاف مع اليابان، النزاعات حول بحر الصين والمواقف من كوريا الشمالية أو باكستان، إلى القارة الافريقية والشرق الأوسط، إلّا أن الكلام عن ساعة الصين ولحظتها التاريخية يبقى مرتبطاً بتحمّل هذا العملاق لمسؤولياته في موازاة تأمين حاجاته الاقتصادية ولعب دور أكثر نشاطاً ومسؤولية في العالم.

في مسارح الشرق الأوسط، كلمة السر المشتركة للمواقف الصينية هي في حماية المنفعة الاقتصادية والتمركز الاستراتيجي بشكل تدريجي: من جيبوتي حيث أنشأت أول قاعدة عسكرية بحرية في الخارج، إلى إيران والخليج العربي (أبرز مصدر للطاقة إلى الصين)، وإسرائيل (حيث تعطي الصين الانطباع أنها تتبع خط الحياد في المسألة الفلسطينية خصوصاً مع تنامي شرائها التكنولوجيا المتقدمة من إسرائيل)، وفي مصر يجري توطيد الصلة التاريخية لأن القاهرة في حقبة جمال عبد الناصر كانت أول من اعترف بالصين الشعبية، ويمتد الاهتمام إلى جنوب السودان مراعاة للمصالح النفطية.

هذه الأمثلة، تبين لنا أن الصين تتمهل ولا تستعجل لعب أدوار كبيرة في ساحات معقدة، وما يهمها في الطليعة هو استمرار تدفق الطاقة إليها، مستفيدة من صراعات الآخرين كي تعزز مواقعها.

 مع تمركز إدارة دونالد ترامب وإمساك شي جين بينغ للسلطة بشكل إمبراطوري، إنتقلت التنافسية الأميركية - الصينية في الفترة الأخيرة إلى حلبة المجابهة الاستراتيجية، إذ برزت ردة الفعل الصينية السلبية إزاء خطة واشنطن، صيف 2019، نشر صواريخ متوسطة المدى في منطقة آسيا-المحيط الهادئ، وتفاقمت الحرب التجارية والتكنولوجية والرقمية. ويترجم التوتر بين الجانبين على شاكلة اختبارات قوة حول النزاعات الدائرة من الملف الإيراني إلى كشمير وهونغ كونغ وتايوان، وصولاً إلى شبه الجزيرة الكورية، وحالياً على خلفية أزمة كورونا يحتدم الصراع وينذر بالأسوأ إلى حدّ أن زيارة وزير الخارجية الأميركي أخيراً إلى إسرائيل تركزت على كبح التعاون الصيني – الإسرائيلي، وليس سراً أن واشنطن لا تنظر بعين الرضا إلى تطور العلاقة السعودية – الصينية.

ومن الواضح اننا أمام نظرتين للعالم ورؤيتين إيديولوجيتين تتجابهان ولا تتقاسمان في المدى المنظور أي مخرج مشترك لتنظيم العولمة أو إعادة تشكيل النظام الدولي، والأدهى أن المشهد العالمي يتخبط باضطراب متصاعد مع عودة سباق التسلح بين الدول الكبرى والقوى الإقليمية ومن دون وجود حوكمة وضوابط في تنافسية لا ترحم.

على دروب "طرق الحرير الجديدة" توجد ملفات ساخنة متعددة لها صلة بالشرق الأوسط: الهند – باكستان، افغانستان، الملف الإيراني، الصراع على الطاقة والصراع العربي – الإسرائيلي والملف السوري، ونظراً إلى الثقل الأميركي يدلل الاختراق الصيني وكذلك الوجود الروسي على الترابط عملياً بين هذه الملفات لجهة صراعات الكبار ومحاولة تمرير مصالحهم .

في الماضي غير القريب نصح المنظر الأميركي الاستراتيجي الراحل زبيغنيو بريجيتسكي بوجوب قبول الولايات المتحدة لشراكات موضعية مع كل من روسيا والصين للحفاظ على موقع القوة العظمى الوحيدة بأسلوب مرن، لكن تصدع العولمة واحتدام التنافسية يقودان الى التشكيك بسيناريو كهذا إيجابي حصراً وخصوصاً في الشرق الأوسط الملتهب.