كورونا يقلّص فرص مصر في الاستفادة من انهيار أسعار النفط

  • 2020-04-29
  • 12:54

كورونا يقلّص فرص مصر في الاستفادة من انهيار أسعار النفط

  • القاهرة - "أوّلاً - الاقتصاد والأعمال"

لا شكّ أن انخفاض أسعار النفط كان ليشكّل متنفساً للاقتصاد المصري لو لم يكن متزامناً مع جائحة كورونا التي شلّت القطاعات الاقتصادية الحيوية حول العالم. فـ "الانهيار التاريخي" للأسعار هو سلاح ذو حدين بالنسبة إلى مصر التي كان يمكن لها أن تستفيد منه في موازنتها العامة بشكل مؤثر، لكن ذلك يبدو صعب التحقق حالياً خصوصاً في ظل الانعكاسات السلبية على إيرادات قناة السويس، وتراجع قيمة الصادرات من المواد البترولية وانخفاض إيرادات الدولة من قطاع البترول، وكل هذه، عوامل ضغط من شأنها أن تقلص هامش الفوائد المتوقعة.

الفوائد أو الآثار الايجابية

في قراءة للآثار الإيجابية، فإن انخفاض برميل البترول بنحو دولار يوفّر نحو 2.3 مليار جنيه، وبالتالي فإنه وفقاً للأسعار الحالية لخام برنت (21 دولاراً للبرميل)، فإن ذلك سيوفر للموازنة نحو مئة مليار جنيه (6.34 مليارات دولار) سنوياً، كذلك فإن انخفاض البرميل إلى مستوى 20 دولاراً وما دون سيوفر هامشاً كبيراً من الدعم ويمنح الحكومة فرصة تخفيض دعم المواد البترولية في الموازنة العامة وتحرير موازنتها من هذا العبء من دون أن يؤدي ذلك إلى تحميل المواطنين والمستثمرين أي أعباء جديدة، علماً أن تقديرات موازنة العام 2019/ 2020 لبرميل النفط حددت بـ 68 دولاراً قبل تعديله إلى 64 دولاراً للبرميل، وتقديرات موازنة العام 2020/ 2021 هي 61 دولاراً للبرميل.

كما إن انخفاض الأسعار سيحقق زيادة إنتاجية القطاعات الصناعية المستخدمة للبترول، إذ ستنخفض تكاليف إنتاج السلع والخدمات في هذه القطاعات ما سيساعد على خفض أسعارها وهو ما يكسبها ميزة تنافسية مثل قطاعات الحديد والإسمنت والأسمدة، كذلك سيستفيد القطاع الزراعي من انخفاض أسعار الوقود والمبيدات والأسمدة ما سيعزز الإنتاج ويساعد على خفض أسعار المواد الغذائية والأعلاف. وبطبيعة الحال، فإن هذه التطورات قد تقود إلى تراجع تأثير التضخم المستورد وانخفاض تكلفة النقل والمنتجات التي يمثل الوقود مدخلاً أساسياً لها، ومن ثم انخفاض أسعارها نسبياً في السوق المحلية، ويضاف إلى ما سبق ما يتعلق بانخفاض قيمة الواردات من المواد البترولية، ولكن ذلك سيقتصر على التعاقدات الجديدة لتوريد المواد البترولية.

قناة السويس تفقد بعضاً من ايراداتها ومزاياها

وفي المقابل، يمكن الإشارة إلى ان تداعيات فيروس كورونا قد تحدّ من الآثار الإيجابية المتوقعة على التضخم بسبب توقع بطء وتيرة الإنتاج، وكذلك توقعات الاستهلاك والمتمثلة فى سيناريوهين، الأول حدوث بطء في نمو الاستهلاك في ظل رغبة المستهلكين في الاحتفاظ بالسيولة إزاء عدم التيقن بالأحوال المستقبلية وفي هذه الحالة سينخفض التضخم، والثاني اندفاع المستهلكين إلى شراء السلع لتخزينها وفي هذه الحالة سيرتفع التضخم.

وهنا يمكن تسجيل الآثار السلبية التي ستطال أولاً قناة السويس لناحية فقدانها الميزة في ظل تعريفتها مقابل سعر البترول المنخفض بالإضافة إلى عامل الوقت الذي لم يعد مجدياً لدى معظم الأسواق، إذ إن هناك تراجعاً غير مسبوق من الدول كافة على كل السلع، ومن ثم تفضيل السفن التي لا تقوم بعمليات تشغيل في موانئ البحر الأحمر والخليج العبور من رأس الرجاء الصالح لأن عامل الوقت لم يعد مهماً مع انهيار أسعار البترول، وبالتالي يُتوقع أن تنخفض إيرادات قناة السويس والتي تعتبر من المصادر الرئيسية للعملة الأجنبية للاقتصاد المصري.

وإذا، كان المطلوب اتخاذ إدارة القناة قرارات للحدّ من هذه التداعيات كخفض رسوم المرور، أو منح المزيد من الحوافز لناقلات النفط، فإن الآثار السلبية ستتمثل ايضاً في تراجع قيمة الصادرات من المواد البترولية ومن ثم انخفاض تدفقات النقد الأجنبي، كذلك انخفاض إيرادات الدولة من قطاع البترول والمتمثلة في الإيرادات الضريبية وإيراداتها من الهيئة العامة للبترول.

تراجع الاستثمار

ولعلّ من السلبيات البارزة في هذا السياق، انخفاض حجم الاستثمارات المحلية والأجنبية في مشروعات الطاقة في مصر سواء الاستخراجية أو الطاقة المتجددة لارتفاع التكلفة الاستثمارية، وكذلك انخفاض استثمارات شركات البترول العالمية في مصر، علماً بأنها تمثل ثلثي الاستثمار الأجنبي المباشر لمصر بسبب تقليص الشركات العالمية لميزانياتها الاستثمارية، والأثر السلبي على نشاط شركات التكرير وتصنيع المنتجات البترولية والبتروكيماوية في حال الاعتماد على الخام المحلي، وقد يعوض ذلك جزئياً الاعتماد المتزايد على الاستيراد، وتباطؤ نمو قطاع تكرير البترول والمنتجات البترولية والبتروكيماوية مدفوعاً بالركود الاقتصادي العالمي، ويضاف إلى ذلك انخفاض الاستثمار الأجنبي فى أدوات الدين العام بسبب لجوء بعض الشركات الى البيع لتوفير سيولة لتعويض خسائرها في الأسواق العالمية، وانخفاض تدفقات الاستثمارات ورؤوس الأموال خصوصاً من الدول المصدرة للنفط.

انخفاض تحويلات العاملين في الخارج

ومن الانعكاسات السلبية ايضاً، انخفاض تحويلات المصريين العاملين بالخارج والتي تعتبر احد المصادر الرئيسية للعملة الأجنبية لمصر وتحديداً في دول الخليج العربي نتيجة تضررها من تدهور أسعار النفط، ما يدفعها إلى تقليص موازناتها ما قد يؤدي إلى الاستغناء عن بعض العمالة الاجنبية بما فيها المصرية أو تخفيض الرواتب. وبالتالي فإن هناك توقعات بعدم الوصول الى مستوى التحويلات المحقق في العام 2019 والذي بلغ نحو 25 مليار دولار، كذلك التأثير سلباً على العمالة المصرية وإمكانية الاستغناء عن بعضها خلال الفترة المقبلة مع عدم وجود مؤشرات للتعافي قريباً بسبب تخمة المعروض من البترول عالمياً وتوقف العديد من الأنشطة بسبب تفشي جائحة كورونا.

ومن المتوقع حدوث انخفاض شديد فى إيرادات النقل الجوي والسياحة الوافدة وذلك على الرغم من انخفاض تكلفة السفر نتيجة تراجع أسعار الوقود، إلا أن هذا الأثر سيتلاشى فى ظل القيود المفروضة على حركة الطيران بسبب انتشار فيروس كورونا.