هل مبادرة تعليق خدمة الدين للدول الفقيرة كافية؟

  • 2020-04-22
  • 20:00

هل مبادرة تعليق خدمة الدين للدول الفقيرة كافية؟

  • حنين سلّوم

منذ بداية العام الحالي ألقى وباء كورونا بثقله على اقتصادات العالم أجمع وقد كانت تداعياته ولا تزال موجعة، فاقتصادات العالم الأكثر متانة واجهت صعوبات عدّة في محاولة إيقاف انتشاره، وتوقّفت الشركات والمصانع وخسر عدد كبير من الأفراد وظائفه فما كان من الحكومات إلّا أن قامت بإطلاق حزم تحفيزيّة لدعم الأفراد والشركات وشتّى القطاعات. وإذا كانت التداعيات ثقيلة على اقتصادات الدول الأكثر تقدّماً وكلّفتها مبالغ طائلة، فكيف ستكون حال الدول الأكثر فقراً التي تعاني أصلاً من دون انتشار الفيروس والذي جاء ليزيد من حدّة معاناتها؟

يزداد الأمر سوءاً على الدول الأكثر فقراً وذلك بسبب الديون وخدمة الدين المستحّقة للعام 2020 والتي كان من المفترض أن تسدّدها خلال العام الحالي. ففي 13 نيسان / أبريل، أعلن صندوق النقد الدولي عن موافقة مجلس إدارته على هبة بقيمة 500 مليون دولار في إطار Catastrophe Containment and Relief Trust لـ 25 من أفقر دول العالم لدعم مدفوعات خدمة الديون المستحقة عليها إلى صندوق النقد الدولي.

ثمّ سارعت مجموعة الدول الصناعية السبع (G7) للاجتماع في 14 من نيسان/أبريل والتوصل إلى مبادرة لمساعدة هذه الدول في أسرع وقت ممكن، فقرّرت تعليق دفع خدمة الدين حتّى نهاية العام الحالي وقد اجتمعت في ما بعد دول مجموعة العشرين (G20) ووافقت على هذا القرار. فهل هذه الخطوة كافية وما هي تفاصيل هذا القرار؟

الدول التي شملها القرار

شملت مبادرة تعليق خدمة الدين Debt Service Suspension Initiative –DSSI 77 دولة منها 59 من أشدّ بلدان العالم فقراً تنتمي إلى مؤسسة التنمية الدولية IDA  و 17 دولة تنتمي إلى البنك الدولي للإنشاء والتعمير IBRD، ودولة أنغولا التي صنّفتها الأمم المتحدة كواحدة من أقل البلدان نمواً في العالم. 

وفي التفاصيل، تنص المبادرة على تعليق دفع خدمة الدين المستحقّة إلى القطاع العام لهذه الدول عند الطلب منذ شهر أيّار/مايو وحتّى نهاية العام الحالي على أن تعطى هذه الدول فترة سماح لمدّة سنة واحدة وأن يتم جدولة الدفعات لمدّة ثلاث سنوات. وكان اللافت للانتباه في القرار، أنّ صافي القيمة الحاليّة للدين NPV-neutral لن تتغير، بالإضافة إلى ذلك، دعت مجموعة العشرين الدائنين من القطاع الخاص، الذين يعملون من خلال معهد التمويل الدولي (IFF) للمشاركة في المبادرة بشروط مشابهة، وقد ورد في أحد تقارير المعهد أن مبلغ 140 مليار دولار من خدمة دين خارجي يستحق هذا العام للبلدان التي شملتها المبادرة.

أهميّة مساعدة هذه الدول

إنّ خدمة دين هذه الدول في العملات الأجنبية، غالباً الدولار الأميركي، ونتيجة تفشّي الوباء، توقّفت أو اضطربت عمليّات الاستيراد والتصدير، أي أنّ هذه الدول قد خسرت أحد مصادر، أو ربمّا المصدر الوحيد، لتوريد الدولار وبالتالي فإنّ تسديد خدمة الدين حاليّاً سيكون ذا تكلفة أعلى، إذ إن الدول المعنية كانت ستضطر إلى شراء الدولار بحسب سعر الصرف الأمر الذي سيفقدها سيولة هي في أمس الحاجة إليها اليوم لمواجهة تداعيات كورونا الصحية والاقتصادية.

من جهة أخرى، تشكّل هذه البلدان أبرز أسواق الاستهلاك لصادرات الدول المتقدّمة، وعليه إنّ عدم مساعدتها الآن سينعكس بشكل سلبي في ما بعد على الطلب وعلى قدرة هذه الدول على الاستيراد فتكسد نتيجة ذلك بضائع ومنتجات البلدان المتقدّمة.

فضلاً عن ذلك، يرى محللون أنّ تأجيل تسديد خدمة الدين قد يكون غير كاف خصوصاً في ظل الركود الاقتصادي وتفشّي الوباء وأنّ الدول الدائنة قد تضطر إلى إعفاء بعض الدول المديونة كونها لن تتمكّن من تسديد هذه المبالغ، كذلك يعبّرون عن اعتقادهم بأن إعفاء جزء من أساس الدين مع تخفيض الفائدة هو الحل الحقيقي الذي سيمكن هذه الدول من تحرير جزء أكبر من مواردها للاستثمار في القطاعات الأساسية مثل الصحة والتعليم والبنى التحتية وخلق فرص عمل جديدة وبالتالي مكافحة الفقر بفعالية أكبر.

هل أفريقيا بحاجة إلى دعم أكبر؟

وفقاً لفيرا سونغوي، السكرتيرة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا، فإنّ القارة السمراء بحاجة إلى دعم أكبر ذلك أن 25 في المئة فقط من الاقتصاد الأفريقي يشمله قرار تأجيل تسديد خدمة الدين ويبقى 75 في المئة من الاقتصاد بحاجة ماسّة إلى الدعم، كما أشارت أنّه على الرغم من عدم شدّة تفشّي الوباء في أفريقيا، فإنه أدّى إلى شبه شلل في قطاع الخدمات، إذ إن نحو 51 في المئة من الاقتصاد الأفريقي يعتمد على قطاع الخدمات بما فيه السياحة والنقل والمطارات وغيرها، وهو الآن يعاني.  

فمصر على سبيل المثال، التي ما زالت تتعافى من أزمتها الاقتصاديّة بدعم من صندوق النقد الدولي، تعتمد على قطاع السياحة بشكل أساسي، ومع انتشار الوباء توقّفت جميع أشكال السياحة أي أنّها خسرت جزءاً كبير من مدخولها، يشير ذلك إلى ضرورة إعادة النظر بالدول التي سوف تحصل على الدعم كون البلدان التي كانت بخير قبل الأزمة هي أيضاً من بين المتضرّرين.

عدم التخلف قد يكون الخيار الأفضل لبعض الدول

خلال أحد الاجتماعات الافتراضيّة التي عقدها معهد التمويل الدولي في الأسبوع الماضي حول مبادرة تعليق خدمة الدين، قال ديفيد لوفينجر، المدير الإداري لمجموعة الأسواق الناشئة Emerging Markets group، TCW، إنّ هناك بعض البلدان التي شملتها المبادرة قد تكون بحال أفضل إذا قرّرت عدم الاستفادة من المبادرة وتابعت تسديد خدمة الدين لأنّ ذلك سيكون في مصلحتها على المدى البعيد لأنّ التخلف عن التسديد قد يحرم البلاد من اللجوء إلى الأسواق الماليّة والى دائني القطاع الخاص في المستقبل.

وقد أتى على ذكر منغوليا في الجلسة نفسها كأحد البلدان التي يكون من الأفضل لها عدم التخلف عن تسديد خدمة الدين، فمنغوليا مثلاً تصدّر نحو 90 في المئة من صادراتها إلى الصين، التي بخلاف العالم أجمع، بدأت تتعافى الآن وتعود إلى نشاطها السابق بشكل تدريجي، لكن في المقابل يبقى على منغوليا أخذ القرار الصائب بالتسديد لكي لا تحرم من الاستدانة في السنوات المقبلة وذلك لكونها تستطيع الإيفاء بالتزاماتها.