كورونا يقطِّع أوصال الصناعات التعاقدية ويضرب أرباح الشركات

  • 2020-03-22
  • 15:27

كورونا يقطِّع أوصال الصناعات التعاقدية ويضرب أرباح الشركات

القطاعات الأكثر تضررا هي الألبسة والصناعات العالية التقنية والإلكترونية

  • رشيد حسن

بعد الاختناقات التي تسببت بها الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في الانسياب الطبيعي للسلع وحركة التجارة جاء فيروس كورونا، وما تسبب به من شبه شلل في حركة الطيران والموانئ ودورة إنتاج الصناعات وحركة الأشخاص ووسائل النقل، ليسدد ضربات موجعة للانسياب المعتاد لمختلف السلع الأساسية والوسيطة والنهائية التي يحتاجها الاقتصاد العالمي بإلحاح من أجل تلبية الطلب وتأمين الحركة الطبيعية إلى مختلف العمليات الصناعية أو التجارية.  ويطلق على هذه الحلقات المتوالية التي تدفع الدم في عروق الاقتصاد الدولي مصطلح سلسلة المزوّدين Supply chain،  ويشير مصطلح "السلسلة" بدوره إلى التحول الكبير الذي حصل في العمليات الصناعية في العالم، والتي لم تعد تقوم على إنتاج السلعة كلها في مكان واحد بل على تصنيع مختلف أجزائها في مصانع متعددة وربما في أكثر من بلد، ومع تقسيم عملية التصنيع نفسها يصبح كل مصنع أو مزود بمثابة حلقة في سلسلة وقد يكون بدوره معتمدا على عملية تصنيع سابقة للدور المناط به أو متزامنة معه، وهذا الارتهان التام للعملية النهائية بحسن سير عمليات تصنيع الأجزاء، يصبح بدوره مرتهناً بانتظام شبكات التوصيل وحصول المصنع على مكونات وأجزاء الإنتاج في الوقت المطلوب وبالتالي محافظة المصنع على مخزونه العام من هذه المكونات.

 

 

هذه الشبكة المتكاملة من تدفق الأجزاء والقطع والمنتجات، أصيبت بنوع من الشلل بسبب الإجراءات الوقائية التي اتخذتها مختلف الحكومات بهدف السيطرة على فيروس كورونا، وتضمنت وقف الرحلات الجوية وإغلاق الحدود البرية وحركة الأشخاص والعربات وبصورة عامة أدى الفيروس إلى تقطيع أوصال شبكة التزويد المترامية الأطراف للعملات الصناعية، وأدت القيود الشديدة على حركة البضائع والأشخاص والطائرات إلى تناقص متسارع في مخزون الشركات المصنعة من هذه المكونات وبالتالي احتمال تقطّع عملية الإنتاج واحتمال توقفها أحياناً الأمر الذي يؤثر على التدفقات النقدية للشركة وحصتها من السوق بل قد يجعلها غير قادرة على تسديد ديونها.

يبقى القول إن التأثير المتوقع نتيجة تهاوي حلقات التواصل بين أسواق العالم قد يختلف بين قطاع وقطاع أو بين شركة وشركة، فبحسب دراسة لمجلة Barron’s مثلاً فإن أكثر الشركات تضرراً ستكون تلك المصنِّعة للمنتجات ذات التكنولوجيا الدقيقة والعالية وشركات الألبسة ومصنِّعي القطع الصناعية، وذلك بسبب تقطع الشبكات المزودة بالمكونات والقطع لهذه الشركات.

الضربة الأكبر لسلسلة المزودين للصناعات العالمية جاءت بالطبع من الصين التي أقفلت أبوابها تقريباً خلال الفترة العصيبة لمحاولة احتواء الفيروس، والصين هي "مصنع العالم" وأي اضطراب فيها يؤثر فوراً على السلع المعلّبة المعدّة للمستهلك وعلى صناعة السيارات والألبسة والأزياء والسلع العالية التقنية مثل الهواتف الذكية وغيرها.  لكن الضرر المتوقع لسلسلة المزودين تفاقم الآن بسبب توسع فيروس كورونا إلى أسواق آسيوية مهمة مثل كوريا الجنوبية واليابان ثم تحركه بسرعة نحو الأسواق الأوروبية.

ولإعطاء صورة عن حجم الضرر الناجم عن اختلال شبكات التزويد يكفي القول إن الصين واليابان وكوريا الجنوبية تؤمّن نحو ربع الواردات الأميركية وأكثر من نصف مستوردات الولايات المتحدة من أجهزة الكمبيوتر والمنتجات الإلكترونية.

وتجدر الإشارة إلى أن التوقعات الأولية بنيت على افتراض أن ضرر كورونا سيكون مقتصراً على الصين وأن الفيروس لن يمتد إلى بقية دول العالم. وبناءً على ذلك فقد توقع المحللون أن يتركز الضرر على قطاعات السفر والسياحة وشركات السلع الموجهة للسوق الصينية وقدرت الأضرار الأولية يومها بين 150 مليار و400 مليار دولار، وبالطبع فإن الأرقام الجديدة أعلى بكثير.

أحد الاستثناءات القليلة على الصناعات المتأثرة باضطراب سلسلة المزودين هي صناعة السيارات التي بنت لنفسها مصانع في عدد كبير من الدول بهدف الإنتاج مباشرة إلى السوق، ونظراً إلى التراجع المتوقع في وتيرة الإنتاج بتأثير اضطراب سلسلة المزودين، فقد بدأ بعض الشركات بتحذير مساهميه من أن أزمة كورونا بدأت تؤثر على تزويدهم المنتظم بالمكونات والمنتجات الوسيطة وأن العام 2020 قد يسجل تراجعات كبيرة في الأرباح.