الإمارات: التصدي لكورونا بالعزل التام

  • 2020-03-21
  • 13:30

الإمارات: التصدي لكورونا بالعزل التام

إجراءات تتدرج نحو الحزم مع تفشي الفيروس عالمياً 

  • دبي - سليمان عوده

مع حلول الساعة الأولى من فجر اليوم السبت، زادت الإمارات على سلسلة الإجراءات التي تتخذها تباعاً لمنع تفشي فيروس "كورونا المستجد" أمراً بتعليق دخول مواطني دول مجلس التعاون الخليجي إلى أراضيها حتى إشعار آخر. يمثل هذا الإجراء الاحترازي خطوة حمائية متقدمة، ويأتي في أعقاب قرار سابق اتخذ قبل بضعة أيام، ويقضي بإيقاف إصدار جميع أنواع التأشيرات مؤقتاً، والطلب من جميع المواطنين في الخارج العودة إلى البلاد فوراً. وكانت الإمارات علقت خلال الأسبوع الحالي التنقل باستخدام بطاقة الهوية الوطنية بصفة مؤقتة لمواطنيها ومواطني دول مجلس التعاون الخليجي، كما علقت أيضاً دخول حاملي الإقامات السارية المفعول المتواجدين خارج الدولة لمدة أسبوعين، قابلة للتجديد. 

تتماشى هذه القرارات الجديدة مع الإجراءات الوقائية والاحترازية التي تتخذ تجاوباً مع إعلان فيروس "كورونا المستجد" وباءً عالمياً، ما يجعل السفر في هذه المرحلة، بحسب تأكيد الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية، "على درجة عالية من الخطورة". 

وتعدّ الإمارات من أوائل الدول التي بلغها فيروس "كورونا المستجد"، حيث أعلنت عن أول إصابة بالفيروس في أواخر كانون الثاني/يناير الماضي، بعد ان جرى تشخيص عدد من الإصابات بين أفراد عائلة واحدة مقيمة قدمت من ووهان، البؤرة الأولى للفيروس، حيث أمضت عطلة رأس السنة، وفرض عليها هذا الواقع أن تتخذ إجراءات احترازية عديدة بغية الحدّ من تفشي المرض، فعمدت إلى تعزيز مستوى إجراءاتها في جميع المنافذ الحدودية، وقامت بتفعيل أنظمة الكشف الحراري لرصد المصابين حال وصولهم إلى البلاد، وفعلت أنظمة الإنذار المبكر للحالات الصحية، وأوعزت بتجهيز فرق طبية مؤهلة تعمل على مدار الساعة. 

الأولى عالمياً 

عمدت الإمارات إلى تعزيز قدرات القطاع الصحي، بداية عبر تفعيل نظام التقصي الوبائي، ومن ثم تسريع آليات توفير مخزون استراتيجي من المستلزمات الطبية الأساسية اللازمة للفحص المتقدم لاكتشاف الفيروس، كذلك فرضت تطبيق الحجر والعزل الطبي، وتوفير غرف العزل المجهزة بطريقة تضمن عدم انتقال الفيروسات إلى المناطق المجاورة، وإعداد طواقم طبية متخصصة تعمل على مدار الساعة، والالتزام بالإجراءات الصحية المتّبعة في المطارات. 

وكثفت الإمارات عدد الفحوصات التي تجرى للمشتبه بتعرضهم للفيروس. وحتى تاريخ 17 آذار/مارس 2020، أجرت وزارة الصحة ووقاية المجتمع فحوصات مختبرية لأكثر من 127 ألف حالة للتأكد من خلوها من أعراض "كورونا المستجد"، وإذا قسم هذا الرقم على عدد سكان الإمارات، ويناهز عشرة ملايين، لتبين أنَّ 13 ألف فحص أجري لكل مليون نسمة. بهذه النسبة، تتساوى الإمارات تقريباً مع الكويت، لتحتلا معاً المرتبة الأولى عالمياً على مستوى إجراء الفحوصات مقارنة بعدد السكان. وللمقارنة، كانت تبلغ النسبة في التاريخ نفسه 4800 فحص لكل مليون نسمة في كوريا الجنوبية، و2500 في إيسلندا، و533 في روسيا و100 في فرنسا و42 فحصاً فقط في الولايات المتحدة بحسب البيانات الوطنية لكل دولة. 

وفي سبيل رفع جاهزيتها لمواجهة العدوى، باشرت الإمارات، بعد أيام قليلة من اكتشاف أول إصابة بالفيروس على أراضيها، بتشييد منشأة صحية مخصصة للعزل الطبي، ومزودة بأحدث المعدات والتجهيزات وفق معايير منظمة الصحة العالمية، وكشفت وزارة الصحة ووقاية المجتمع أن المنشأة ستكون مخصصة لاستيعاب مصابي فيروس "كورونا المستجد" في حالة الطوارئ العالمية، وستتضمن عدداً كبيراً من غرف العزل، التي تعدّ جزءاً أساسياً في أي مستشفى يتمتع بالمعايير الصحية والطبية المعتمدة لعلاج “كورونا المستجد”. وتقع المنشأة في مكان بعيد عن المناطق السكنية المأهولة، وهي قادرة على استيعاب أي عدد من المصابين بالفيروس في حال تفشي المرض على نطاق واسع. 

وخصصت الإمارات مراكز اتصال في الجهات الصحية تعمل على مدار الساعة للتقصي والمتابعة، كما أطلقت وزارة الصحة ووقاية المجتمع الطبيب الافتراضي، حيث وظفت الذكاء الاصطناعي في خدمة الجهود المبذولة لمحاصرة الفيروس. ويستكشف هذا الطبيب احتمالات الإصابة بالفيروس لدى من يتقصى حالتهم، قبل أن يحيلهم، عند الاشتباه بوجود إصابة، إلى الجهات المعنية للمتابعة الصحية والطبية. 

تعليق الفعاليات 

وأوقفت الإمارات جميع الأنشطة والفعاليات والمناسبات العامة طوال شهر آذار/مارس، وأعلنت وزارة الثقافة وتنمية المعرفة عن إغلاق جميع المراكز الثقافية التابعة لها وإلغاء جميع الفعاليات الثقافية والأنشطة المسرحية التي تستضيفها مسارح الدولة، كما قررت الإمارات تعليق الصلاة في المساجد ودور العبادة ومرافقها لمدة أربعة أسابيع، ودعت إلى تأجيل إقامة جميع حفلات الأعراس والفعاليات الاجتماعية في صالات الأفراح المخصصة وقاعات المناسبات والضيافة بالفنادق والمنازل لمدة أربعة أسابيع، على أن يتم إعادة التقييم والمراجعة بناء على مستجدات وضع الصحة العامة في حينه. كذلك، أمرت بتأجيل المسابقات الرياضية وإلغاء البعض منها أو تعليق بعضها الآخر حتى إشعار آخر، كما تم وقف أنشطة صالات ألعاب التسلية والترفيه والألعاب الإلكترونية وصالات عروض الأفلام بشكل مؤقت. ووجهت الجهات المعنية في كل إمارة بمنع الشيشة بالمقاهي وإغلاق الحدائق والمتنزهات العامة والشواطئ بشكل مؤقت، وأوعزت بتركيب أجهزة كشف حراري على مداخل جميع مراكز التسوق الكبيرة والجهات العامة التي يقصدها عدد كبير من المراجعين.

عطلة مبكرة

واتخذت الإمارات، تداركاً لاحتمالات تفشي الفيروس بصورة واسعة في المدارس، عدداً من الإجراءات الاحترازية لضمان بيئة تعليمية صحية، فنظمت برنامجاً موسعاً لتعقيم المدارس والجامعات ووسائل نقل الطلاب، واتخذت إجراءات وتدابير داخلية عديدة تصبّ في هذا الاتجاه داخل المنظومة التعليمية. كذلك، قدمت إجازة الربيع لجميع المدارس ومؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة لمدة إسبوعين على أن تباشر، ابتداءً من يوم غد الأحد، بتطبيق نظام التعليم عن بعد. وأعلنت الهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات أنها نسقت مع مزودي الخدمة لتوفير بيانات إنترنت مجانية عبر الهاتف المتحرك للأسر التي لا تمتلك خدمات الإنترنت المنزلي، وذلك لتسهيل حصول تلك الأسر على خدمة التعلم عن بعد لأبنائها الطلاب. وبموجب الخطوة الجديدة، ستعمل "اتصالات" و"دو" على توفير باقة للبيانات اللازمة للدخول إلى خاصية التعلم عن بعد للأسر التي لا تمتلك الإنترنت المنزلي، وذلك بصورة مجانية. 

بالتوازي مع ذلك، عمد مشغلا الاتصالات إلى ترقية بعض باقات الإنترنت بصورة مجانية، كما جرى إتاحة أربعة برامج للاتصال الهاتفي المجاني لجميع سكان الدولة، وكان الوصول إليها يتطلب مقابلاً مادياً. وتأتي الخطوة لدعم مبادرة التعليم عن بعد وتمكين العمل من المنزل في إطار الإجراءات الوقائية لمكافحة فيروس “كورونا المستجد”. 

وحضت وزارة التربية والتعليم الطلاب وأسرهم والعاملين في المنظومة التعليمية على عدم السفر إلى خارج البلاد خلال الإجازة، كما طالبت العائدين من خارج الدولة بالبقاء في منازلهم لمدة 14 يوماً قبل أن يسمح لهم بدخول المنشآت التعليمية، على أن يخضعوا لفحوصات تثبت عدم إصابتهم بالفيروس. ودعت الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث الطلبة الدارسين خارج الدولة إلى ضرورة الالتزام بالعودة إلى دولة الإمارات في حال علقت الدراسة أو استبدلت بالتعليم عن بعد. ودعا التعميم الطلبة الدارسين خارج الدولة والمتواجدين في الإمارات إلى عدم السفر والعودة إلى بلد الدراسة تحت أي ظرف. 

تدابير شاملة 

وأعلنت الهيئة العامة للطيران المدني عن تعليق جميع الرحلات الجوية القادمة والمغادرة إلى عدد من الدول، منها الصين والعراق وتركيا وسوريا ولبنان وإيطاليا وغيرها، حتى إشعار آخر وذلك بناء على دراسة وتقييم الوضع العالمي وانتشار الوباء. وقالت الهيئة إن «قرار تعليق الرحلات جاء بعد دراسة وتقييم الوضع العالمي وانتشاره على معظم دول العالم، حيث إن هناك تنسيقاً وتعاوناً مستمرين مع الجهات المعنية كافة داخل الدولة وخارجها، لمراقبة تطورات الأوضاع للمحافظة على أمن وسلامة الطيران المدني».

وأوقفت العديد من الجهات الحكومية الاتحادية والمحلية الخدمات التي تتطلب الحضور الشخصي للجمهور واستعاضت عنها بالخدمات الذكية عن بعد. وجرى تفعيل نظام "العمل عن بعد" لبعض الفئات من الموظفين في الجهات الاتحادية لمدة أسبوعين ابتداء من 15 آذار /مارس، وهي فترة قابلة للتجديد. وشمل نظام "العمل عن بعد" في الحكومة الاتحادية الموظفات الحوامل، والأمهات اللاتي يعلن أطفالاً من الصف التاسع فما دون ولا تتطلب مهامهن الوظيفية ضرورة تواجدهن في مقر العمل، وأصحاب الهمم، والمصابين بأمراض مزمنة وحالات ضعف المناعة وأعراض تنفسية، بالإضافة إلى الموظفين من الفئة العمرية التي تتجاوز 60 عاماً. 

وحصنّت الإمارات اقتصادها بحزمة أولية تساوي 100 مليار درهم، حيث اعتمد مصرف الإمارات المركزي خطة دعم اقتصادي شاملة بهذه القيمة في مسعى يهدف إلى دعم الاقتصاد، وحماية المستهلكين والشركات. وتتألف خطة الدعم المالي الموجهة من اعتماد مالي يصل إلى 50 مليار درهم، خُصص من أموال المصرف المركزي لمنح قروض وسلف بتكلفة صفرية للبنوك العاملة مغطاة بضمان، إضافة إلى 50 مليار درهم يتم تحريرها من رؤوس الأموال الوقائية الإضافية للبنوك. 

ولم يغب عن الإمارات وجوب المساهمة في إجلاء الطلاب العرب العالقين في مدينة ووهان الصينية، فقامت بإجلائهم من الصين وإدخالهم إلى مستشفياتها للعلاج، قبل أن تيسر عودتهم إلى بلادهم، في خطوة لاقت تقديراً واسعاً.