لا يزال الذهب ملاذاً آمناً

  • 2020-03-21
  • 07:06

لا يزال الذهب ملاذاً آمناً

  • كريم الحسنية

 

شهدت السلعة المفضلة لدى المستثمرين في وقت الأزمات المالية والاقتصادية، أوقاتاً صعبة في الأيام العشرة الماضية (حتى يوم الجمعة الماضي)، فتراجعت أسعار الذهب بنحو 13 في المئة بعد أن وصلت الى أعلى مستويات منذ أواخر سنة 2012 عند قرابة 1,700 دولار للأونصة.

وكان الذهب قد حقق أرباحاً ملحوظة خلال السنة الأخيرة بعد أن اجتمعت عوامل ساعدت المعدن الثمين على الصعود، كان أبرزها الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وعمليات الشراء المكثفة من مصارف مركزية مثل المصرف الروسي والتركي وغيرها على مرّ العامين السابقين.

 

 

توقيت مستغرب

هنا يمكن طرح السؤال المنطقي عن سبب هذه التراجعات في سعر الذهب، والتي أتت في وقت تشتدّ فيه تداعيات فيروس كورونا على المشهد الاقتصادي العالمي الذي دخل رسمياً، إن صح القول، في أزمة لن تكون سهلة، وركود لا يستطيع أحد، على الأقل في الوقت الراهن، أن يتكهّن مدّته وامتداده وأثره على أسواق المال. والمعروف أن الذهب هو ملاذ آمن، تعتمد عليه المصارف المركزية لكونه احتياطاً استراتيجياً لأوقات الطوارئ الاقتصادية، ويلجأ إليه المستثمرون كنوع من التحوط، وبغية الحفاظ على قيمة الاستثمار في الأوقات التي تخصر فيها باقي الأدوات المالية الكثير من قيمتها. فلماذا تراجع الذهب؟

حاجة ماسة إلى السيولة

الجواب هو السيولة، فبعد الهبوط الحاد لمؤشرات أسواق المال حول العالم، خصوصاً في البورصات الأساسية، تهافت المستثمرون، اضطرارياً، على تأمين ما أمكن من سيولة لتدعيم مراكزهم المكشوفة، الأمر الذي يحصل في أوقات البيع الكثيف وهبوط الأسعار الحاد. ويأتي الذهب في هذه الحالات كوسيلة من وسائل تأمين السيولة اللازمة لصمود مراكز المستثمرين قدر الامكان، فتشهد هذه السلعة عمليات بيع ضاغطة وتتراجع الأسعار.  وكانت الأزمة المالية العالمية في العقد الماضي قد شهدت الأمر ذاته، ما أثّر أيضاً على سعر الذهب الذي خسر وقتها أكثر من 30 في المئة من قيمته في الستة أشهر التي تلت آذار/مارس 2008.

سيعود ويبرق من جديد

تشير تجربة أزمة 2008 إلى أنها مسألة وقت حتى يعود الذهب إلى الارتفاع، فحينها مثلاً، تراجع الذهب مسرعاً إلى القاع خلال ستة أشهر فقط، ثمّ عاد للتسارع صعوداً، في وقت كانت فيه الأسهم بعيدة عن وقف نزيفها. أمّا اليوم، وعندما يؤمن المستثمرون حاجتهم من السيولة وعندما تحل الأزمة بمظهرها النهائي والكامل، لن يكون هناك سبيل سوى التحوط وإعادة ترتيب المحافظ وتوزيع الاستثمارات بما يناسب الأزمة الواقعة، أي سيتم الاتجاه نحو تقليل منسوب المخاطر الاستثمارية، ومن المرجح أن تعود الاستثمارات لتتدفق الى السلعة الآمنة، إلّا أن هذه العودة ليست من الضروري أن تكون في المدى القريب.

 

 

من المهم أيضاً أخذ اجراءات المصارف المركزية في الاعتبار، وهي التي لم تتوان عن بدء عمليات تحفيز الأسواق عن طريق ضخ السيولة عبر آليات مختلفة مثل شراء السندات وإقراض المصارف وتخفيض أسعار الفائدة الى مستويات قياسية. ولهذه الاجراءات أيضاً دور في محاولة فهم مصير الذهب، فمن ناحية، سوف تقوم الأسواق بردة فعل عكسية في حال لم تكن محفزات المصارف المركزية كافية لمعالجة الوضع، خصوصاً أن هذه المصارف تقترب من نفاذ الوسائل والحلول. من ناحية أخرى، يمكن قراءة إجراءات المصارف على أنها ذات "طابع تضخمي"، ومن الممكن أن تنجح برفع معدلات التضخم كما حدث في السنوات القليلة التي تبعت أزمة 2008-2009 (وصلت نسبة التضخم سنة 2011 الى 3.2 في المئة قبل أن تعود وتنخفض ويتراجع معها سعر الذهب). كلتا الحالتان ستخدمان الذهب وتدفعانه صعوداً، الأولى لأنه ملاذ آمن والثانية كونه سلعة تحوّط من آثار التضخم.