التوترات الجيوسياسية وعاصفة ترامب تلقي بثقلها على التجارة العالمية في 2025
التوترات الجيوسياسية وعاصفة ترامب تلقي بثقلها على التجارة العالمية في 2025
-
سوليكا علاء الدين
في ظل التطورات الاقتصادية العالمية، يُتوقع وفقاً لتحديث مؤتمر التجارة والتنمية للأمم المتحدة "الأونكتاد" في كانون الأول/ديسمبر 2024 أن يشهد العام 2025 تبايناً بارزاً في التوقعات التجارية العالمية. من جهة، يعزز تراجع التضخم والنمو الاقتصادي المستقر التفاؤل بشأن استمرار الزخم الإيجابي، بينما تثير التحولات في السياسة التجارية الأميركية، وزيادة استخدام السياسات الصناعية النشطة، إلى جانب المخاوف من تجدد الحروب التجارية والتوترات الجيوسياسية ولا سيما مع عودة دونالد ترامب الى سدّة الرئاسة الاميركية وما اعلنه عن نيته فرض رسوم جمركية جديدة على المزيد من الواردات الاميركية، قلقاً بشأن احتمال تباطؤ النمو التجاري في المستقبل القريب.
في العام 2024، استمر النمو التدريجي للتجارة العالمية الذي بدأ في النصف الثاني من 2023، حيث تفوقت البلدان النامية على المتقدمة حتى الربع الثالث، ليقود النمو التجاري بعدها الاقتصادات المتقدمة. وفي المقابل، توقف نمو التجارة في منطقة شرق آسيا، مع تراجع بعض الاقتصادات الآسيوية النامية، ورغم استمرار النمو الإيجابي في تجارة السلع والخدمات خلال الربع الثالث، الذي تواصل حتى الربع الرابع، شهدت تجارة الخدمات تراجعاً ملحوظاً في النصف الثاني من العام بعد بداية قوية في أوائل العام.
نمو تجارة السلع والخدمات
من المتوقع أن تواصل التجارة العالمية تعزيز نموها التصاعدي في النصف الثاني من 2024، مدفوعة بزيادة حركة السلع والخدمات. فقد شهدت تجارة السلع نمواً فصلياً بنحو 1.5 في المئة في الربع الثالث، في حين سجلت تجارة الخدمات زيادة بنحو 1 في المئة. وفقاً لتوقعات "الأونكتاد"، يُتوقع استمرار هذا الزخم في الربع الرابع، ما قد يدفع التجارة العالمية لتجاوز مستوياتها القياسية المسجلة في 2022، لتصل إلى نحو 33 تريليون دولار في 2024، كما هو موضح في الرسم البياني الرقم "1". ويعزى هذا النمو إلى زيادة تجارة الخدمات بنسبة 7 في المئة، بينما يُتوقع أن تنمو تجارة السلع بنسبة 2 في المئة، رغم أنها قد تظل دون ذروتها في 2022.
الرسم البياني الرقم "1"
آفاق التجارة في 2025: غموض متزايد
تتعدد العوامل التي تساهم في غموض آفاق التجارة العالمية لعام 2025، ومن المتوقع أن تشهد السياسة التجارية الأميركية تحولاً نحو المزيد من الحمائية، مع فرض تعريفات جمركية جديدة تشمل مجموعة واسعة من السلع، مما قد يؤثر بشكل كبير على الديناميكيات التجارية العالمية، ويتوقع ان يؤثر هذا التوجه على الخصوم الجيو-سياسيين مثل الصين، وكذلك على الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة مثل كندا والمكسيك، خصوصاً الدول التي تتمتع بتعريفات جمركية مرتفعة وفوائض تجارية كبيرة. ومع ترابط الاقتصاد الأميركي العميق مع الاقتصاد العالمي، فإن أي تعديلات في التعريفات الجمركية قد تترتب عليها عواقب اقتصادية كبيرة تؤثر على سلاسل القيمة العالمية.
كذلك، من المتوقع أن تتصاعد القيود التجارية، مما قد يستدعي إجراءات انتقامية من الدول المتأثرة، وبالتالي خلق دائرة من الحواجز التجارية التي قد تشمل أطرافاً ثالثة. هذا، ولا تقتصر آثار التعريفات الجمركية على الدول المستهدفة فقط، بل تمتد لتؤثر على جميع الصناعات والبلدان المتداخلة في سلاسل القيمة العالمية. حتى في غياب الزيادات الفعلية في التعريفات الجمركية، يظل تهديد فرض هذه التعريفات والإجراءات الانتقامية عاملاً مهماً في تقليص قابلية التنبؤ في التجارة العالمية، مما يؤدي إلى تأثيرات سلبية على التجارة الدولية، الاستثمارات، والنمو الاقتصادي بشكل عام.
وفي ظل هذا التوجه، قد تزداد التدابير التقييدية في السياسات التجارية والصناعية، مع تركيز أكبر على الشواغل الوطنية والالتزامات المناخية، ويُتوقع أن تؤدي هذه السياسات التي تدفع نحو دعم إنتاج السلع المستدامة والصديقة للبيئة، إلى تأثيرات سلبية على نمو التجارة الدولية، خصوصاً في القطاعات الاستراتيجية التي تعتمد على التعاون العالمية.
من جهة أخرى، يتوقع أن تؤدي التوترات الجيوسياسية إلى ارتفاع قيمة الدولار الأميركي، بينما قد تسهم التغيرات في السياسة الأميركية، مثل تخفيضات أسعار الفائدة المتوقعة في العام 2025، في ضعف الدولار، وبما أن معظم السلع الأساسية والمعاملات الدولية تُسعَّر بالدولار، فإن التذبذب في قيمته يخلق حالة من عدم اليقين التي تزيد من حالة عدم الاستقرار في التجارة العالمي.
وفي سياق آخر، شهد النصف الثاني من العام 2024 انخفاضاً ملحوظاً في الطلب على الشحن البحري بالحاويات، كما يتضح من تراجع أسعار الشحن في شنغهاي، وعلى الرغم من أن هذه المؤشرات تشير إلى انخفاض في تكاليف الشحن، فإنها أيضاً تعكس تراجعاً في الطلب العالمي على المدخلات الوسيطة والسلع المصنعة، مما يعزز صورة اقتصادية سلبية قد تؤثر على التجارة الدولية في المستقبل.
تجارة مُتباينة في 2024
ظهرت تجارة السلع في الاقتصادات الرئيسية نمطاً مختلطاً في الربع الثالث من 2024، وفقاً لتقرير "الأونكتاد"، حيث شهدت الصين والهند نمواً تجارياً رغم تعرضهما لانكماش في الواردات والصادرات خلال هذا الربع، على الرغم من استمرار النمو الإيجابي على أساس سنوي، كما تراجع نمو التجارة في البرازيل، لكنه ظل إيجابياً، بينما في جمهورية كوريا، تباطأ نمو الصادرات لكنه بقي الأعلى بين الاقتصادات الرئيسية من حيث النمو السنوي. وفي المقابل، تسارعت التجارة في اليابان وجنوب أفريقيا رغم الأداء السنوي السلبي، في حين سجلت الولايات المتحدة نمواً تجارياً قوياً نتيجة الزيادة الكبيرة في الواردات.
أما تجارة الخدمات، فقد استمرت في النمو خلال الربع الثالث من العام 2024، لكن بوتيرة أبطأ مقارنة بالأرقام السنوية، مما يشير إلى أن الاتجاه الإيجابي في تجارة الخدمات قد يكون قد بلغ ذروته في معظم الاقتصادات. وعلى الرغم من ذلك، ظل النمو قوياً في تجارة الخدمات بالنسبة للاتحاد الأوروبي وجمهورية كوريا، وكذلك في واردات البرازيل والاتحاد الروسي، وفي صادرات الصين، ومع ذلك، لوحظ تباطؤ كبير في واردات الخدمات إلى الصين، حيث تحولت إلى السلبية في الربع الثالث من العام 2024.
انتعاش متقدم وتحديات نامية
"الأونكتاد" أشارت إلى أن في الربع الثالث من العام 2024، شهدت الاقتصادات المتقدمة تحسناً ملموساً بعد اتجاه هبوطي سابق، حيث سجّل كل من الواردات والصادرات نمواً قوياً. في المقابل، واجهت الاقتصادات النامية أداءً تجارياً أضعف، إذ تراجع النمو على أساس ربع سنوي مقارنة بالمتوسط السنوي، وتحولت واردات هذه الاقتصادات إلى السلبية. ومع ذلك، تجاوزت التجارة في الاقتصادات النامية بشكل كبير في الاقتصادات المتقدمة على أساس سنوي، كما أدى تراجع أداء التجارة مع منطقة شرق آسيا إلى انكماش التجارة بين بلدان الجنوب-جنوب خلال الربع الثالث من العام 2024، كما يُظهر الرسم البياني الرقم "2".
من ناحية أخرى، سجلت معظم المناطق نمواً تجارياً إيجابياً خلال الربع الثالث من 2024، على الرغم من أن التجارة في منطقتي غرب وجنوب آسيا، وكذلك واردات منطقة المحيط الهادئ، شهدت تراجعاً، كما تباطأ نمو الصادرات في شرق آسيا وأفريقيا، بينما شهدت أميركا الشمالية وأوروبا زيادة في التجارة، وكان نمو التجارة داخل المناطق إيجابياً بشكل عام خلال الربع الثالث من 2024، باستثناء أميركا الشمالية وأفريقيا. على أساس سنوي، كانت مستويات نمو التجارة أقوى في أميركا الشمالية وشرق آسيا، في حين كانت سلبية في أوروبا ومنطقة الاتحاد الروسي ومنطقة المحيط الهادئ.