النفط ناخب مهم في الانتخابات الأميركية

  • 2024-04-01
  • 15:01

النفط ناخب مهم في الانتخابات الأميركية

  • أحمد عياش

 

عندما يذهب الاميركيون إلى صناديق الاقتراع في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل لاختيار الرئيس الجديد لبلادهم سيكون سعر غالون البنزين من بين اولوياتهم. وإذا فاز في هذه الانتخابات الرئيس الحالي جون بايدن او الرئيس السابق دونالد ترامب، سيكون ذلك لأسباب شتى، بينها تقييم الاميركيين كل منهما على مستوى ادارتهم لقطاع الطاقة في الولايات المتحدة الأميركية. 

قبل سبعة أشهر من حلول الانتخابات الرئاسية الأميركية، قاربت وكالة "رويترز" هذا الحدث، بالسؤال: "كيف ازدهر الوقود الأحفوري على الرغم من سياسات المناخ في البيت الأبيض؟"، واتى الجواب مسهباً في تقرير أعده أربعة من كتاب الوكالة. وما جاء في التقرير "ان طفرة الوقود الأحفوري في عهد بايدن تعكس حقيقة محرجة لمؤيديه ومنتقديه على حد سواء قبل انتخابات تشرين الثاني نوفمبر المقبل"، ورأى التقرير أن هذا الامر، "يثبت أن ما يحدث في الأسواق المترابطة عالمياً مثل النفط والغاز غالباً ما يكون خارج السيطرة المباشرة للشخص في البيت الأبيض".

في حالة بايدن، دفع غزو روسيا لأوكرانيا أسعار النفط والغاز إلى الارتفاع لدرجة أن العديد من المنتجين في جميع أنحاء العالم حققوا أرباحاً قياسية، وليس فقط في الولايات المتحدة، كما أدى الانتعاش الاقتصادي العالمي الذي أعقب أحلك أيام جائحة COVID إلى زيادة الطلب على الوقود الأحفوري بسرعة.

وبلغت أرباح أكبر خمس شركات نفط متداولة علناً، على سبيل المثال - BP و Shell و Exxon و Chevron و TotalEnergies - 410 مليارات دولار خلال السنوات الثلاث الأولى من إدارة بايدن، بزيادة 100 في المئة عن السنوات الثلاث الأولى من رئاسة دونالد ترامب، وفقاً للبيانات التي جمعتها "رويترز"، كما تجاوز نمو الوظائف في الوقود الأحفوري في الولايات المتحدة بكثير نمو الوظائف في صناعات الطاقة المتجددة التي يروج لها بايدن لمكافحة تغيّر المناخ، وفقاً للبيانات.

في المقابل، يستخدم ترامب المنافس الجمهوري لبايدن، سياسة الأخير في مجال الطاقة كي يعد بـ "استعادة استقلال أميركا في مجال الطاقة عندما يعود إلى البيت الأبيض - حتى مع تعزيز الولايات المتحدة لمكانتها كقوة عظمى للوقود الأحفوري".

بيد ان هذا الازدهار لقطاع الوقود الاحفوري في الولايات المتحدة، لا يعني نهاية المطاف في الجدل الدائر حول مستقبل القطاع. لذا، نادراً ما يروج أنصار بايدن للأداء الناجح للنفط والغاز، وهم يركزون بدلاً من ذلك على اقتصاد أخضر من خلال حزم الدعم المربحة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح والسيارات الكهربائية وغيرها من تقنيات الطاقة النظيفة التي أثارت مشاريع تصنيع جديدة في جميع أنحاء البلاد.

ويقول إد هيرز، خبير اقتصادي في مجال الطاقة في جامعة هيوستن:"لو كان ترامب رئيساً، لكان يتحدث عن الطفرة النفطية الكبيرة في الولايات المتحدة، والاستقلال الكبير في مجال الطاقة، وينسب إليه الفضل في أسعار الغاز المنخفضة نسبياً".

في المقابل، قال البيت الأبيض لـ "رويترز" إن ارتفاع إنتاج الولايات المتحدة من النفط والغاز يساعد ولا يضر بالجهود الأميركية لإزالة الكربون من الاقتصاد لأنه يضمن إمدادات طاقة ثابتة في هذه الأثناء.

ويخشى داستن ماير، نائب الرئيس الأول للسياسة والاقتصاد والشؤون التنظيمية في معهد البترول الأميركي، أكبر مجموعة تجارية للنفط والغاز في الولايات المتحدة، أن تضر خيارات بايدن السياسية بالنفط والغاز في السنوات المقبلة، حتى لو كان لها تأثير ضئيل الآن. وقال: "هناك الكثير الذي يمكن أن تفعله إدارة أي من الحزبيّن على المدى القريب للتأثير على العرض أو الطلب". 

 

وظائف الوقود الأحفوري تتوسع خلال رئاسة بايدن

 

في أي حال، توسعت وظائف الوقود الأحفوري بسرعة أكبر من وظائف الطاقة النظيفة خلال رئاسة بايدن، فقد ارتفع عدد الوظائف الأميركية في النفط والغاز والفحم بنسبة 11.3 في المئة خلال العامين الأولين من رئاسة بايدن، متجاوزاً النمو بنسبة 8.8 في المئة المسجل في وظائف الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وفقاً للأرقام التي جمعتها BW Research، وكان التناقض أكبر من حيث إجمالي الوظائف، حيث نما الوقود الأحفوري بنحو 80،000 مقارنة بما يزيد قليلاً على 38،000 للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وفقاً لأرقام BW، ولم يتم بعد إصدار بيانات العام 2023.

في المقابل، وخلال رئاسة ترامب بين عاميّ 2016 و2020، تقلصت وظائف الوقود الأحفوري، مدفوعة بشكل أساسي بالانكماش الاقتصادي الناجم عن جائحة COVID.

سجل إنتاج النفط الأميركي مستويات قياسية في عهد بايدن، واستمر في التفوق على منافسيه المملكة العربية السعودية وروسيا، وتنتج الولايات المتحدة أيضاً المزيد من الغاز الطبيعي أكثر من أي وقت مضى، حيث تسحب كميات قياسية من الآبار التي تنتشر من تكساس إلى بنسلفانيا. ونتيجة لذلك، ترسل الموانئ الأميركية كميات قياسية من كليهما إلى الخارج، بما في ذلك إلى الحلفاء في أوروبا الذين يبتعدون عن روسيا للحصول على إمدادات الطاقة.

كل هذا كان جيداً للشركات ومساهميها. فبالإضافة إلى ارتفاع أسعار الأسهم، بلغت مدفوعات الأرباح وإعادة شراء الأسهم من قبل أكبر خمس شركات نفط 111 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الأولى من إدارة بايدن، بزيادة قدرها 57 في المئة عن السنوات الثلاث الأولى من رئاسة ترامب، وفقاً للبيانات.

وليس بعيداً عن السياق، أوردت بلومبيرغ في تقرير لها نهاية الشهر الماضي ان موردي النفط الأميركيون يدخلون أسواق أوبك+ في جميع أنحاء العالم. فالهند مثلاً، التي كانت المشتري الرئيسي للنفط غير المشروع، كما يصنّف النفط الروسي، تحولت إلى الخام الأميركي، وخلص التقرير الى القول إن الولايات المتحدة اصبحت أكبر مصدر للنفط الخام منذ بدء حرب أوكرانيا.

 

أهمية قرارات "أوبك" لاستقرار أسعار النفط

 

وسط هذه الحقائق النفطية، شدّد الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) هيثم الغيص على أهمية القرارات التي تتخذها المنظمة في استقرار صناعة النفط العالمية، مجدِّداً التأكيد على حاجة العالم للنفط التي ستستمر لسنوات وعقود عدة.

وأشار إلى أن كثيراً من الجهات الرسمية والعالمية، إضافة إلى عدد كبير من الجهات الاستشارية المتخصصة في صناعتي الطاقة والنفط، أشادت مؤخراً بدور منظمة "أوبك" البنّاء، سواء عبر قراراتها الاستباقية الموضوعية والفعّالة التي تهدف إلى دعم توازن واستقرار أسواق النفط، مما يعيد بالنفع على تحفيز نمو الاقتصاد العالمي، أو من خلال دراستها وتقاريرها المبنية على أسس علمية مدعمة بالبيانات والحقائق الدقيقة والموثوقة. وقال الغيص: "لا أحد يستطيع أن يشكك في دور النفط وآثاره الإيجابية والبنّاءة على الاقتصاد العالمي، وتطور البشرية، وتقدم المجتمعات، والازدهار الذي نعيش فيه في وقتنا الحالي، فعلى مر التاريخ نرى أن النفط يقوم بأدوار عدة مختلفة ذات أهمية بالغة، فمنها ما يتركز حول توليد الطاقة التي تحتاجها جميع الدول والشعوب، ومنها ما يتمحور حول إنتاج سلع وتقديم خدمات لا يمكننا تخيل الاستغناء عنها تحت أي ظرف أو في أي حال".

وتسأل فيليسيتي برادستوك في موقع "اويل برايس" الالكتروني: "هل حان الوقت للتخلي عن فكرة التخلص التدريجي من النفط والغاز"؟ وتجيب: "على الرغم من التظاهر بالاهتمام، لا يزال يبدو أن شركات النفط الكبرى تعارض التحول الأخضر العالمي ويمكن أن تقف في طريقها. في الوقت الذي يدين فيه رئيس شركة النفط الحكومية السعودية التحول الأخضر ويدعو إلى إنتاج النفط على المدى الطويل، يعبر اللاعبون الرئيسيون الآخرون في الصناعة عن شكوكهم حول الطاقة المتجددة والتكنولوجيا النظيفة. على الرغم من الاستثمارات الكبيرة في مشاريع الطاقة الخضراء وخفض الكربون من العديد من شركات النفط والغاز الكبرى، لا يزال يبدو أن شركات النفط الكبرى تفضل بشدة إنتاج الوقود الأحفوري".

في سياق متصل، قال الرئيس التنفيذي لشركة النفط السعودية المملوكة للدولة أرامكو أمين ناصر، إن تحول الطاقة قد فشل، ودعا صناع السياسة إلى التخلي عن "خيال" التخلص التدريجي من النفط والغاز، مع توقع استمرار الطلب على الوقود الأحفوري في النمو في السنوات المقبلة. خلال مقابلة في مؤتمر الطاقة S&P Global في هيوستن CERAWeek، صرح الناصر: "في العالم الحقيقي، تفشل استراتيجية الانتقال الحالية بشكل واضح على معظم الجبهات لأنها تصطدم بخمس حقائق صعبة". وتابع قائلاً: "هناك حاجة ماسة إلى إعادة ضبط استراتيجية انتقالية، واقتراحي هو: يجب أن نتخلى عن وهم التخلص التدريجي من النفط والغاز ونستثمر فيهما بدلاً من ذلك بشكل كاف مما يعكس افتراضات الطلب الواقعية". 

ولا يعتقد الرئيس التنفيذي لأكبر منتج للنفط في العالم أنه سيتم طرح مصادر الطاقة البديلة على النطاق المطلوب لتحل محل الهيدروكربونات على المدى القصير إلى المتوسط، على الرغم من المستويات الهائلة من الاستثمار في القطاع في العقود الأخيرة. وفي الوقت الحاضر، تساهم طاقة الرياح والطاقة الشمسية بنسبة ثلاثة في المئة فقط من إمدادات الطاقة العالمية، في حين يبلغ معدل انتشار السيارات الكهربائية نحو ثلاثة في المئة، كما أكد ناصر. في المقابل، لا تزال الهيدروكربونات تمثل نحو 80 في المئة من إمدادات الطاقة في العالم، حيث انخفضت بنسبة ثلاثة في المئة فقط في الربع الأخير من القرن، في حين أنه من المتوقع أن ينخفض الطلب على الفحم، سيتم استبدال هذا إلى حد كبير بارتفاع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي - الوقود الأحفوري "الأنظف". يعتقد ناصر أن الحكومات في حالة إنكار وأن التحول إلى البيئة الخضراء لن يوفر طاقة كافية لتلبية الطلب العالمي المتزايد.

 

الحاجة الى الاستثمار في النفط والغاز

 

وردد مسؤولون تنفيذيون آخرون في قطاع النفط والغاز وجهات نظر الناصر حول الحاجة إلى المزيد من الاستثمار في النفط والغاز. وسلط الرئيس التنفيذي لشركة شل، وائل صوان، الضوء على الصعوبات التي تواجهها صناعة الطاقة بسبب البيروقراطية الحكومية في أوروبا، والتي كانت تبطئ طرح مشاريع الطاقة المتجددة. وفي الوقت نفسه، أكد الرئيس التنفيذي لشركة إكسون موبيل دارين وودز على استمرار ارتفاع الطلب على المنتجات البترولية. وقال: "أعتقد أن أحد الأشياء التي ركزت عليها السياسة حتى الآن والكثير من السرد بشكل كبير هو جانب العرض من المعادلة ولم يعالج جانب الطلب من المعادلة. وتأثير هذا السعر على الطلب". وأوضح: "في الوقت نفسه، فإن تكلفة التحول والانتقال إلى مجتمع منخفض الكربون إذا كانت هذه التكلفة مرتفعة للغاية بحيث لا يتحملها المستهلكون، فلن يدفعوا. وقد رأينا ذلك يحدث في أوروبا، مع بعض الاحتجاجات الزراعية واحتجاجات السترات الصفراء قبل عام أو نحو ذلك". 

بالعودة الى الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، ما هو مؤكد الآن، ان الشخص الذي سيدخل الى البيت الأبيض في الأعوام الاربعة المقبلة هو من يثبت انه قادر على التوفيق بين مشاريع الطاقة البديلة والطاقة الاحفورية التي تمد العالم ولعقود مقبلة بالقدرة على الحركة.