وكالة الطاقة الدولية واوبك خطان متوازيان لا يلتقيان

  • 2024-02-17
  • 10:39

وكالة الطاقة الدولية واوبك خطان متوازيان لا يلتقيان

  • أحمد عياش
لا تهدأ أسعار النفط صعوداً او هبوطاً ولو ضمن هامش ضيق هذه الأيام. وفي الوقت نفسه، لا تهدأ التباينات في التقديرات بين وكالة الطاقة الدولية ومنظمة أوبك. فهل من مجال لمعرفة أياً منهما ستصيب في توقعاتها؟

من ناحيتها، أفادت وكالة الطاقة الدولية التي تمثل الدول الصناعية، يوم الخميس الماضي، أن نمو الطلب العالمي على النفط يفقد زخمه في الوقت الذي قلصت فيه توقعاتها للنمو في 2024 في تناقض حاد مع وجهة نظر منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).

وبحسب ما نقلته وكالة "رويترز"، توقعت الوكالة أن الطلب على النفط سيبلغ ذروته في حلول العام 2030 مع تحول العالم إلى طاقة أنظف. وفي الوقت نفسه، تتوقع أوبك أن يستمر استخدام النفط في الارتفاع خلال العقدين المقبلين.

وأورد التقرير الشهري لوكالة الطاقة الدولية توقعاتها بنمو الطلب العالمي على النفط بمقدار 1.22 مليون برميل يومياً هذا العام، بانخفاض طفيف عن تقديرات الشهر الماضي، وتمسكت أوبك  بتوقعاتها للنمو الأكثر حدة عند 2.25 مليون برميل يومياً.

من وجهة نظر وكالة الطاقة الدولية، فإن التباطؤ هذا العام - نحو نصف النمو في العام 2023 - مرتبط بتباطؤ الاستهلاك الصيني، وكانت وكالة الطاقة الدولية قد توقعت في وقت سابق نمو الطلب في العام 2024 بمقدار 1.24 مليون برميل يومياً.

وذكرت وكالة الطاقة الدولية "أن مرحلة النمو التوسعية بعد الجائحة في الطلب العالمي على النفط قد انتهت إلى حد كبير"، مضيفة أن مناخ الاقتصاد الكلي العالمي الأكثر قسوة من المرجح أيضاً أن يقيد النمو هذا العام.

بعد نشر تقرير وكالة الطاقة الدولية، وفي اليوم نفسه، انخفضت أسعار النفط، حيث انخفض خام برنت بنسبة 0.6 في المئة نحو 81 دولاراً للبرميل.

وعلى جانب العرض، رفعت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها لعام 2024، وقدرت أن المعروض سينمو بمقدار 1.7 مليون برميل يومياً مقابل توقعاتها السابقة البالغة 1.5 مليون برميل يومياً.

وتتوقع وكالة الطاقة الدولية الآن أن تنمو الإمدادات إلى مستوى قياسي يبلغ نحو 103.8 ملايينن برميل يومياً، مدفوعة بالكامل تقريباً بالمنتجين خارج أوبك+، بما في ذلك الولايات المتحدة والبرازيل وغيانا.

كيف تبدو الأمور من ضفة أوبك؟ أجاب الأمين العام لمنظمة البلدان المصدرة للبترول -أوبك هيثم الغيص في تصريحات نقلتها "رويترز" في دبي على هامش القمة العالمية للحكومات قائلاً "إن قرار السعودية تأجيل خطط توسيع الطاقة النفطية يجب ألا يفسر على أنه تقييم لتراجع الطلب على الخام." وأضاف: "بادئ ذي بدء أريد أن أكون واضحاً لا يمكنني التعليق على قرار سعودي... لكن هذا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يساء فهمه على أنه رأي مفاده أن الطلب ينخفض".

وكانت  الحكومة السعودية أمرت  في 30 كانون الثاني/ يناير الماضي شركة النفط الحكومية أرامكو، بفتح علامة تبويب جديدة لخفض هدفها لأقصى طاقة إنتاجية مستدامة إلى 12 مليون برميل يومياً، أي أقل بمليون برميل يومياً من الهدف المعلن في العام 2020 والمقرر الوصول إليه في العام 2027.

ويشار الى ان المملكة العربية السعودية هي أكبر مصدر للنفط في العالم والقائد الفعلي لمنظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك.

ورفعت أوبك توقعاتها للطلب العالمي على النفط على المدى المتوسط والطويل في توقعاتها السنوية المنشورة في تشرين الأول/أكتوبر.

وقالت تقديراتها للنفط العالمي إنها تتوقع أن يصل الطلب العالمي على النفط إلى 116 مليون برميل يومياً في حلول العام 2045، بزيادة نحو ستة ملايين برميل يومياً عن تقرير العام السابق، مع نمو تقوده الصين والهند ودول آسيوية أخرى وأفريقيا والشرق الأوسط.

وقال الغيص: "نحن نتمسك بما تم نشره في أحدث توقعاتنا، ونعتقد اعتقاداً راسخاً أنه قوي".

ومن المقرر أن تصدر أوبك نسخة 2024 من التوقعات في وقت لاحق من هذا العام. ورأى الغيص إنه سيتعين علينا "الانتظار لنرى" حتى أيلول/سبتمبر أو تشرين الأول/ أكتوبر عندما يحين موعد ذلك إذا اختلفت الأرقام.

واعتبر الغيص انه "إذا كان هناك أي شيء، فإن تغيير الروايات التي نراها الآن. الكثير من البلدان في العالم تعود إلى الوراء وتتباطأ وتعيد التفكير في أهدافها الصافية الصفرية، وهذا سيخلق المزيد من الطلب على النفط على المدى الطويل".

وفي هذا السياق، أورد موقع "أويل برايس" ان الصين والولايات المتحدة وأوروبا تكثف جهودها لإعادة بناء مخزونات النفط، مستفيدة من انخفاض الأسعار والمخاوف بشأن اضطرابات الشحن. وتشير الزيادة الكبيرة التي حققتها الصين في واردات النفط الخام للتخزين، خصوصاً في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، إلى دفعة قوية لتجديد المخزونات.

تؤدي زيادة الطلب على النفط الخام بالقرب من أوروبا بسبب المخاوف بشأن اضطرابات الشحن في الشرق الأوسط إلى ارتفاع الأسعار وزيادة حدة التخلف في العقود الآجلة لخام برنت.

وليست الصين وحدها هي التي تعيد بناء المخزونات هذا العام - فالولايات المتحدة وأوروبا تظهران أيضاً طلباً أقوى من الموسم، وتشير الأسعار، حيث يشعر المشترون، وخصوصاً في أوروبا، بالقلق من مزيد من التدهور في شحن النفط في الشرق الأوسط. تؤدي زيادة الشهية للنفط الخام الأقرب إلى أوروبا إلى ارتفاع أسعار درجات الخام النيجيري والأميركي وتزيد من حدة التخلف في العقود الآجلة لخام برنت.

ويلفت موقع "اويل برايس" أيضاً الى ان أزمة البحر الأحمر تضيّق على أسواق النفط، ويؤدي تعطل الشحن في هذا البحر وعبر قناة السويس إلى رفع أسعار درجات الخام الأفريقي والأميركي وتوسيع نطاق التراجع  في مؤشر خام برنت العالمي ، مما يشير إلى تشديد الأسواق وارتفاع أسعار الديزل في أوروبا.  

من ناحيتها، أفادت وكالة التصنيف الائتماني الأميركية الرائدة "فيتش"، أن عدم الاستقرار الجيوسياسي في الشرق الأوسط، والانتخابات المقبلة في عشرات البلدان، فضلاً عن زيادة عدم اليقين التنظيمي هي أهم المخاطر لمعظم السلع بما في ذلك النفط والغاز والنحاس والسلع الدفاعية مثل الذهب في العام 2024.

وجادل خبراء السلع في ستاندرد تشارترد بأن الأسواق تقلل بشكل خطير من المخاطر الجيوسياسية على الأرجح بسبب ضعف الطلب على النفط في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، ويبدو أن المحللين كانوا على حق في المال مع أحدث بيانات المخزون العالمي التي تظهر أن أسواق النفط أكثر تشدداً مما كان متوقعاً.

وأصدرت HSBC Global Research نظرة مشابهة تماماً لتوقعات فيتش، حيث توقعت أن تكون الطاقة الإنتاجية الفائضة من قبل أوبك + كبيرة بما يكفي للحفاظ على أسعار خام برنت في نطاق 75 دولاراً للبرميل إلى 85 دولاراً للبرميل على المدى المتوسط. وفقاً للمحللين، ستزيد الطاقة الإنتاجية الفائضة لأوبك + إلى 4.5 ملايين برميل في اليوم في نهاية العام 2024، ارتفاعاً من 4.3 ملايين برميل في اليوم في نهاية العام 2023، وهو ما يكفي لتخفيف ارتفاع الأسعار. بالإضافة إلى ذلك، أشار HSBC إلى أن تخفيضات إنتاج أوبك + تفقد ميزتها بشكل رئيسي بسبب ارتفاع الإنتاج من خارج أعضاء أوبك، وبخاصة الولايات المتحدة. 

ورد بنك ستاندرد تشارترد بالإشارة إلى أنه من غير المرجح أن تسمح الولايات المتحدة لإيران بمواصلة ضخ الكثير من النفط بسبب دعمها للمتشددين المناهضين للغرب، كما جادل بأن إنتاج النفط الأميركي من المحتمل أن يقترب من ذروته، في الوقت الحالي. ارتفع إنتاج النفط الإيراني إلى أكثر من 3 ملايين برميل يومياً في عهد بايدن من أقل من 2 مليون برميل يومياً في عهد ترامب. وفي الوقت نفسه، توقع ستاندرد تشارترد نمواً تدريجياً ضئيلاً للغاية في إمدادات النفط الخام الأميركي في العام الحالي، قائلاً إن النمو سيتباطأ بقوة بل وسيتحول إلى سلبي في كانون الأول/ ديسمبر 2024 من أكثر من 1.2 مليون برميل يومياً في كانون الأول/ديسمبر 2023.

الخلاصة مما سبق، هو ان النفط ما زال يتربع على عرش امدادات الطاقة في المدى المنظور، اما ما تقوله وكالة الطاقة الدولية حول مدى ديمومة هذا الموقع للنفط وما تقوله أوبك، فلا يزال الوقت مبكراً على حد ما يقوله الخبراء للفصل في تباين التقديرات بين الوكالة والمنظمة.