"المبادرة الخضراء السعودية" خطة طموحة لمواجهة التغير المناخي

  • 2023-12-11
  • 13:47

"المبادرة الخضراء السعودية" خطة طموحة لمواجهة التغير المناخي

  • أحمد عياش


قبل أن تختتم قمة المناخ العالمية COP28 أعمالها في 12 كانون الأول/ ديسمبر الحالي في دبي، سيكون هناك نموذج لكي تفكر فيه 200 دولة شاركت في أعمال القمة. هذا النموذج هو "مبادرة السعودية الخضراء" التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وهذه المبادرة تهدف الى تحقيق الحياد الصفري بحلول 2060. وفي الطريق للوصول الى هذا الحياد، باشرت المملكة العربية السعودية في تحقيق الأهداف المناخية العالمية، باستثمارات تزيد قيمتها على 705 مليارات ريال (188 مليار دولار).

على طريقة "إضاءة شمعة بدلاً من لعن الظلام"، أتت "مبادرة السعودية الخضراء" في الوقت المناسب. ووفق ما أوردته "رويترز" في الثامن من الشهر الحالي، كانت المداولات قبل خمسة أيام قبل الموعد المقرر لانتهاء المؤتمر تتناول كيف يجب التعامل مع قضية الوقود الأحفوري، المصدر الرئيسي لانبعاثات الاحترار المناخي، وكانت هناك 80 دولة على الأقل تطالب باتفاقية COP28 التي تدعو إلى وضع حد نهائي لاستخدام الوقود الأحفوري.

كيف أتت "مبادرة" السعودية لكي تقدم نموذجاً لما يجب التعامل على أساسه مع مسألة الوقود الاحفوري؟

الجواب، اتى عندما سلَّط منتدى "مبادرة السعودية الخضراء" الضوء على التقدم الذي تحقَّقه المملكة نحو الوصول إلى هدفها بتحقيق الحياد الصفري. وفي هذا السياق، انعقد المنتدى في نسخته الثالثة على هامش مؤتمر الأطراف "كوب 28"، حيث دعا المجتمع الدولي إلى زيادة الطموح المناخي، تقدمت المملكة فأطلقت "المبادرة ". وكشف وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز خلال افتتاح المنتدى، النقاب عن سعيّ المملكة الى "توسيع الجهود إقليمياً ودولياً، من خلال مبادرة (الشرق الأوسط الأخضر)، لتحقيق أهداف المناخ العالمية"، كذلك كشف عن مساعي المملكة لطرح مشاريع طاقة متجددة بقدرة 20 جيغاوات العام 2024، بعدما ضاعفت إنتاجها من الطاقة المتجددة 4 مرات من 700 ميغاوات إلى 2.8 جيغاوات حتى الآن. وهناك مشاريع بقدرات تتجاوز 8 غيغاوات قيد الإنشاء، وأخرى بنحو 13 جيغاوات بلغت مراحل مختلفة من التطوير".

وفي السياق نفسه، تعتزم المملكة طرح مناقصة جديدة لإنشاء 4 محطات طاقة عالية الكفاءة تعمل بالغاز بقدرة إنتاجية 7 جيغاوات، كما تم الإعلان عن أنَّ المملكة تواصل إحراز تقدم ملموس في مشروع إنشاء أكبر معمل لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم في مدينة "نيوم" باستثمار إجمالي قدره 8.4 مليارات دولار.

وبناء على هذه "المبادرة" البعيدة المدى، كانت هناك "مفاجأة" إذا صح التعبير. فوزير الطاقة السعودي، وفي مقابلة مع "بلومبرغ"، اعلن وللمرة الأولى، أنَّ تخفيضات إنتاج النفط العائد الى منظمة "أوبك بلس"، يمكن أن تستمر "بشكل مطلق" بعد الربع الأول من العام 2024، إذا لزم الأمر، ما يعني ان زيادة ملموسة في انتاج الطاقة النظيفة سيؤدي حكماً الى تقليل الاعتماد على الملوثة.

وليس بعيداً عن هذا التطور الذي كشفت عنه "مبادرة السعودية الخضراء"، ما أوردته "النيويورك تايمز" خلال انعقاد قمة المناخ، فهي اشارت الى "ان إنفاق الولايات المتحدة على الطاقة النظيفة والتكنولوجيا يحفز الحلفاء على المنافسة"، واضافت:" تحاول حكومات أخرى، ولاسيما في أوروبا، مواجهة السياسات الصناعية لإدارة الرئيس جو بايدن بحوافزها الخاصة"، وجاء في تقرير الصحيفة الأميركية: "شرعت الولايات المتحدة في أكبر مسعى للسياسة الصناعية منذ أجيال من خلال إعفاءات ضريبية ومنح وحوافز مالية أخرى لجذب مصانع جديدة تصنع الألواح الشمسية وأشباه الموصلات والسيارات الكهربائية.

وتنشر الولايات المتحدة ما يقرب من 400 مليار دولار من الإنفاق والإعفاءات الضريبية لتعزيز صناعة الطاقة النظيفة في أميركا من خلال قانون خفض التضخم لعام 2022. وتستهدف 280 مليار دولار أخرى المنشآت التي تصنع وتجري أبحاثاً على أشباه الموصلات، فضلاً عن الأبحاث التكنولوجية الأوسع نطاقاً.

وتقول إدارة بايدن إن الأجندة الكاملة ستطلق العنان لـ 3.5 تريليونات دولار من رأس المال العام والاستثمار الخاص على مدى العقد المقبل. إنه استجابة للإعانات الضخمة التي تقدمها الحكومات في الصين وشرق آسيا ومحاولة لإعادة بناء قطاع المصانع الأميركي الذي تم تفريغه بسبب عقود من النقل إلى الخارج.

وتقول الإدارة إن الاستثمارات ستضع الولايات المتحدة في وضع أفضل للتعامل مع تغير المناخ وتجعلها أقل اعتماداً على سلاسل التوريد التي يحتمل أن تكون محفوفة بالمخاطر والتي تمر عبر الصين".

وبالعودة الى المملكة العربية السعودية، وخلال منتدى "المبادرة الخضراء"، وفي إطار قمة المناخ، أكد وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، أن المملكة تقوم بإنتاج برميل النفط الأقل ضرراً في العالم، مشيراً إلى أن الحكومة استطاعت تنويع مصادر إنتاج الطاقة لجعل 50 في المئة منها من مصادر متجددة، و50 في المئة من الغاز المُسال. وقال إن المملكة التزمت على مدى الوقت، بأن تنفق عشرات الملايين من الدولارات من رأس مال القطاع الحكومي والمستثمرين، لتحويل جميع المركبات الموجودة في السوق السعودي إلى كهربائية، مبيناً أن كل هذا عبارة عن مشروع كبير جداً يمثل المسؤولية حيال البيئة.

وأبان الفالح أن وزارة الطاقة تُطبق سياسات صارمة وفق معايير محددة على "أرامكو" (شركة النفط السعودية)، "ليكون لديها أقل الانبعاثات حول العالم، وأنظف وأقل انبعاثات الميثان، إضافة إلى الحد من الكربون، وبتكلفة أقل".

من ناحيته، قال محافظ "صندوق الاستثمارات العامة" السعودي، ياسر الرميان، إن 600 مليون شخص حول العالم محرومون من الطاقة، مضيفاً: "إننا نحاول الالتزام بدورنا، وعلى الآخرين القيام بأمر مماثل"، واعتبر الرميان أن "الحل هو التحول التدريجي نحو الطاقة المتجددة".

ما بات واضحاً، قبل ان تصدر قمة المناخ قراراتها، ان الامر لم يعد يتعلق بإطلاق الأفكار، وانما الشروع في العمل كي ترى هذه الأفكار النور. وإذا كانت الدولة الكبرى كالولايات المتحدة الأميركية قد شرعت في العمل كما سبق ومرّ ذكره، فإن السعودية بما تمثل في إطار مجموعة الدول العشرين، أصبحت أيضاً في مضمار العمل الرائد لجعل العالم أكثر نظافة مناخياً.

ومن بين المبادرات التي تحمل توقيع المملكة، تلك التي أعلن عنها وزير الطاقة السعودي، لجهة "التحسن الكبير جداً في حبس الكربون وخزنه" كما قال، وأضاف: "سنوفر مقريّن صناعيين في شرق البلاد بقدرة 44 مليون طن سنوياً، وفي المنطقة الغربية بقدرة أكثر من مليون طن سنوياً، لاستغلال ثاني أوكسيد الكربون". وشدد الأمير عبد العزيز على أن السعودية تهدف إلى أن تصبح مصدراً رئيسياً للهيدروجين الأخضر عالمياً، لافتاً إلى أن المملكة تُطور شراكات دولية لتطوير مزيد من مشاريع الهيدروجين الأخضر في البلاد، بالإضافة إلى حلول التنقل الهيدروجيني، والتي من بينها القطارات.

وفي هذا الإطار، وقّعت السعودية مذكرة تفاهم للبوابة الاقتصادية بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، خلال اجتماعات مجموعة العشرين في الهند، وهذا سيكون ممكناً أساسياً للتصدير، وهذا الممر يشمل الكهرباء وخطوط النقل وأنابيب الهيدروجين، وستزوِّد المملكة الطاقة النظيفة على نطاق واسع بتكلفة متدنية وبشكل معتمد.

وهناك مبادرة كبيرة أخرى تُروّج لها المملكة هي حلول الوقود النظيف للطبخ. ومنذ 2021، و"مبادرة الشرق الأوسط الأخضر السعودية" تطبّق المشاريع في الدول الآسيوية والأفريقية، وتدعم التدريب وزيادة الوعي إلى جانب الحكومات، وهذا يشمل دعم الحلول لأصحاب المزارع الصغيرة؛ لضمان الاستخدام الآمن والنظيف لخطط الطبخ، عبر التطبيقات الرئيسية من خلال الغاز السائل والطاقة الشمسية.

قبل ان تمضي قمة COP28 الى ختام اعمالها، حثّ سلطان الجابر رئيس دورتها الحالية الدول المشاركة على "الخروج من مناطق الراحة والعمل معاً للتوصل إلى اتفاق قبل انتهاء القمة".  وبدا وزير البيئة الكندي ستيفن جيلبولت متفائلا بإمكانية التوصل إلى حل وسط. فهو قال: "أنا واثق من أنه يتعين علينا مغادرة دبي و COP28 ببعض اللغة حول الوقود الأحفوري، حتى لو لم يكن طموحاً كما يريد البعض، فستظل لحظة تاريخية".

كما وجه رئيس وكالة المناخ التابعة للأمم المتحدة سيمون ستيل نداء حماسياً إلى البلدان، مذكّراً بأن العلم وراء هدف العالم المتمثل في الحفاظ على الاحترار في حدود 1.5 درجة مئوية (2.7 درجة فهرنهايت) من درجات حرارة ما قبل الصناعة واضح. وقال: "عند تجاوز 1.5 درجة، من المحتمل أن نفقد الصفائح الجليدية بشكل لا رجعة فيه".

هذا بالضبط، ما يسعى اليه العاملون من اجل حماية المناخ العالمي من التلوث. وهذا ما شرعت به " المبادرة الخضراء السعودية" القيام به، وهي مبادرة تساعد بلا ريب على مكافحة التغير المناخي والمساهمة في مواجهة انعكاساته على المستوى العالمي.