النفط على عرش 100 دولار للبرميل واكثر

  • 2023-09-28
  • 17:57

النفط على عرش 100 دولار للبرميل واكثر

  • أحمد عياش

بعد تراجع منذ آب/أغسطس العام 2022، عادت أسعار النفط لتتخطى حاجز المئة دولار أميركي للبرميل الواحد. ووفق ما أورد موقع اويل برايس، فإن مسيرة صعود سعر البرميل الى مستويات اعلى صارت واردة. وأورد الموقع نقلاً عن  كريج إرلام، كبير محللي السوق في OANDA، قوله: "أعتقد أن ما رأيناه خلال الأسبوع الماضي أو نحو ذلك هو القليل من جني الأرباح. وحقيقة أنه بالفعل في مسيرة صعودية، من المحتمل أن تكون علامة على مدى صعود المتداولين".

وما يثبت ان الكلمة عادت الى الوقود الاحفوري، بحسب  ستانلي ريد في النيويورك تايمز يوم أمس الأربعاء، هو ان العديد من محللي الطاقة  يعتقد "أن أسعار النفط سترتفع فوق 100 دولار للبرميل لأول مرة منذ أكثر من عام، منذ الاضطرابات التي أعقبت غزو روسيا لأوكرانيا".  وآخر المؤشرات الى هذا الاعتقاد، ارتفاع سعر خام برنت، وهو المؤشر الدولي، نحو 30 في المئة منذ بداية تموز/ يوليو ليتداول عند نحو 96.50 دولار للبرميل عند صدور مقال الصحيفة الاميركية.

وفي موازاة ذلك، أشارت رويترز إلى أن الأسهم العالمية في طريقها لأطول سلسلة خسائر في عامين بدءاً من اليوم الخميس، في الوقت الذي أدى فيه اتجاه أسعار النفط إلى 100 دولار للبرميل ما أدى إلى تفاقم المخاوف بشأن استمرار ارتفاع أسعار الفائدة العالمية.

ويبقى الأساس في صعود أسعار النفط، هو ان الطلب العالمي على النفط نما بقوة في الآونة الأخيرة، متجاوزاً العرض، وعلى الرغم من تراجع الاقتصاد الصيني، من المتوقع أن يزداد الطلب في أكبر مستورد في العالم بمقدار 1.6 مليون برميل يومياً هذا العام، أي نحو ثلاثة أرباع النمو العالمي الإجمالي، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.

في الوقت نفسه، ما زالت وكالة الطاقة الدولية تقول، إن الطلب على الوقود الأحفوري يجب أن ينخفض بمقدار الربع بحلول العام 2030 للحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري، لكن مثل هذا التراجع في الطلب على الوقود الاحفوري يتطلب لوكالات من الحكومات زيادة إمدادات الطاقة النظيفة لتجنّب النقص وقفزات الأسعار. فهل هذا ممكن؟

تجيب راشيل ميلارد في الفايننشال تايمز قائلة إن تطلعات وكالة الطاقة الدولية، تأتي في وقت تتصاعد فيه التوترات مع منتجي النفط قبل محادثات الأمم المتحدة للمناخ في الإمارات العربية المتحدة في غضون 10 أسابيع، حيث تتهم منظمة أوبك وكالة الطاقة بتأجيج "التقلبات" وتخويف المستثمرين، كما حاولت صناعة النفط والغاز تقويض توقعات وكالة الطاقة الدولية، وصعّدت من حدّة الخطاب الأسبوع الماضي في مؤتمر يعقد كل سنتين في كالغاري في كندا.

 فمن جانبها، كررت الوكالة وجهة نظرها بأن حقول النفط والغاز الجديدة تواجه "مخاطر تجارية كبيرة" إذا تمّ إجراء التخفيضات المطلوبة في الطلب، بالنظر إلى الإمدادات من المشاريع القائمة. وقالت الوكالة إن "ارتفاع الأسعار لفترة طويلة سينتج إذا كان الانخفاض في الاستثمار في الوقود الأحفوري في هذا السيناريو يسبق التوسع في الطاقة النظيفة"، مشيرة إلى أن الانتقال "المنظم" "بعيد عن أن يكون مضموناً"، وقال فاتح بيرول المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية إن بعض أنواع الوقود الأحفوري سيظل مطلوباً بحلول العام 2030 وإن الحكومات بحاجة إلى "توفير الإطار" لضمان الانتقال السلس إلى طاقة أنظف، ولفت الى أن هناك "تطورات إيجابية" على مدى العامين الماضيين، بما في ذلك الاستيعاب السريع للألواح الشمسية والسيارات الكهربائية. ومع ذلك، دعا إلى "إجراءات أكثر جرأة"، مع الحاجة إلى زيادة الاستثمار في الطاقة النظيفة من 1.8 تريليون دولار هذا العام إلى 4.5 تريليونات دولار كل عام في حلول أوائل العام 2030.

ما دام توجهات الوكالة على النحو، لماذا اتخذت بريطانيا، العضو الرئيسي فيها الى جانب الولايات المتحدة الأميركية واليابان موقفاً غير منسجم مع توجهاتها؟ وظهر هذا التباين بين بريطانيا والوكالة عندما انتقد بيرول قرار رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بتأجيل الحظر المفروض على بيع سيارات البنزين والديزل حتى العام 2035، قائلاً إن الاقتصادات المتقدمة يجب أن تأخذ زمام المبادرة و"تزيد الطموح بدلاً من تقليصه". وما قاله سوناك الأسبوع الماضي أنه سيرجئ لخمس سنوات (حتى العام 2035) حظراً على المركبات الجديدة التي تعمل بالغاز والديزل، والتي كان من المقرر أن يتوقف بيعها في بريطانيا العام 2030، قائلاً إنها "تكاليف غير مقبولة" على الناس العاديين، وأضاف أنه سيفي بوعده بتخفيض انبعاثات المملكة المتحدة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى الصفر في حلول العام 2050، ولكن "مع نهج أكثر واقعية وسياسية".

في المقابل، ترى "اوبك" في توقعات وكالة الطاقة الدولية في 12 أيلول/ سبتمبر، من أن الطلب على الوقود الأحفوري سيبلغ ذروته قبل العام 2030، "سرد محفوف بالمخاطر وغير عملي للغاية"، ويقول الأمين العام لمنظمة أوبك، هيثم الغيص ان "مثل هذه الروايات تجعل نظام الطاقة العالمي يفشل بشكل مذهل، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى فوضى في مجال الطاقة على نطاق غير مسبوق محتمل، مع عواقب وخيمة على الاقتصادات ومليارات الأشخاص في جميع أنحاء العالم"، وأكد "ان هذا التفكير في الوقود الأحفوري مدفوع أيديولوجيا، وليس قائماً على الحقائق، كما إنه لا يأخذ في الاعتبار التقدم التكنولوجي الذي تواصل الصناعة تحقيقه في الحلول للمساعدة في تقليل الانبعاثات، وايضاً لا يعترف بأن الوقود الأحفوري لا يزال يشكل أكثر من 80 في المئة من مزيج الطاقة العالمي، وهو ما كان عليه قبل 30 عاماً".

بدوره، قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان في جلسة حوارية من ضمن "مؤتمر البترول العالمي" الذي انعقد الأسبوع الماضي في مدينة كالغاري في كندا، أنه "لا بدّ أن نكون استباقيين وحذرين"، ورأى أن "الاستثمار في الطاقة التقليدية لا بدّ أن يستمر بالتوازي مع التحول للطاقة المتجددة"، بمعنى أخذ النفط بنظر الاعتبار في سلة الطاقة المستقبلية، جنباً إلى جنب مع الطاقات المستدامة، وبالذات لأن الطلب على النفط اليوم يفوق 100 مليون برميل يومياً، ولا تتوفر الى حد الآن الطاقات المستدامة أو التقنيات للحلول كلياً محل النفط، كما إن هناك إمكانات وصناعات متزايدة لتقليص الانبعاثات الكربونية من النفط.

وخلص الأمير عبد العزيز بن سلمان الى "أن كل الأمور التي حذرت منها وكالة الطاقة الدولية لم تحدث، إذ إن توقعاتها ابتعدت عن توقع أوضاع السوق لتضطلع بدور سياسي، وأن وكالة الطاقة صارت مؤدلجة"، ومن المتوقع أن تطرح وجهة النظر هذه التي تتبناها مجموعة "أوبك بلس" والسعودية في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ "كوب – 28" الذي سينعقد في دولة الإمارات نهاية هذا العام.

وتحت عنوان "ارتفاع الأسعار ومرحلة تحوّل الطاقة" كتب وليد خدوري في صحيفة "الشرق الأوسط" ان "هذه ليست المرة الأولى التي تسجل فيها الأسعار هذا المستوى العالي، وقد فاقت هذا المستوى بكثير سابقاً، لكن المهم في الارتفاع السعري الحالي، هو تزامنه مع مرحلة "تحول الطاقة"، التي تتزامن بدورها مع النتائج المترتبة على جائحة "كوفيد – 19"، وتلتها مباشرة الحرب الأوكرانية ومقاطعة أوروبا للبترول الروسي".

عندما تتجنب مجموعة الدول العشرين G20 "القضية الحرجة المتمثلة في إنهاء استخدام النفط والغاز" كما قالت الفايننشال تايمز في 10 أيلول سبتمبر الجاري، كانت تشير في صورة مبكرة الى عودة الوقود الاحفوري الى احتلال الموقع الذي يلائم حاجات الأسواق اليه. ولفتت الصحيفة الى ان المجموعة التي تضم اقتصادات الدول الكبرى، والتي تمثل نحو 80 في المئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، "اتفقت على هدف لزيادة قدرة الطاقة المتجددة إلى ثلاثة أمثالها بحلول العام 2030 على مستوى العالم، مقتدية بمجموعة السبع في وقت سابق من هذا العام".

انها مرحلة جديدة للنفط، وليست القضية محصورة باعتلاء سعر البرميل عرش الـ 100 دولار أميركي فحسب، وانما أيضاً كيفية الخروج من التنظير الايديولوجي الى الابتكار التكنولوجي الذي يسمح للعالم بتحقيق هدف الحصول على الطاقة غير الملوثة من شتى مصادرها من دون استثناء.