ليس بالسياسة وحدها يحيا العالم: البريكس بلس مثالاً

  • 2023-09-04
  • 11:22

ليس بالسياسة وحدها يحيا العالم: البريكس بلس مثالاً

  • أحمد عياش

ما زالت قمة بريكس التي استضافتها جنوب افريقيا في 22 آب/أغسطس الماضي مثار اهتمام في العالم الاقتصادي. لكن في الوقت نفسه، كان هناك انشغال بالأبعاد الاستراتيجية لهذه القمة التي تلقت طلبات من عشرين دولة للانضمام إلى المجموعة التي تمثل ربع الاقتصاد العالمي، وأكثر من ثلاثة مليارات نسمة. فهل من آفاق ستنفتح بعد هذه القمة التي اختتمت اعمالها في 24 آب/أغسطس المنصرم؟

بداية، لا بدّ من التنويه بأن حصة العالم العربي في هذا التجمع الدولي كانت مهمة بعد انضمام المملكة العربية السعودية ومصر ودولة الامارات العربية المتحدة إضافة الى ثلاث دول أخرى، وصارت من الآن فصاعداً يطلق عليها اسم بريكس بلس. أما الدول الثلاث الأخرى فهي الأرجنتين وإثيوبيا وإيران، وستدخل العضوية الجديدة حيّز التنفيذ اعتباراً من الأول من كانون الثاني/يناير 2024.

وهكذا أصبحت المجموعة تضم 11 دولة بعد انطلقت بعضوية البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا، ومن الاحرف الأولى لأسماء هذه الدول باللاتينية ولدت كلمة "بريكس".

من القراءات لهذا الحدث العالمي، قراءة أميركية، من خلال سارانج شيدور مدير برنامج الجنوب العالمي في معهد "كوينسي"، الذي يكتب على نطاق واسع عن الجغرافيا السياسية. فتحت عنوان "القوة الأميركية تلقت للتو ضربة كبيرة"، كتب شيدور في الأول من الشهر الحالي في النيويورك تايمز يقول: "لأكثر من عقد من الزمان، تجاهلت الولايات المتحدة في الغالب مجموعة البريكس، ونادراً ما يتم تسجيل المجموعة، على رادار واشنطن. وعندما حدث ذلك، كان الدافع – كما أظهر جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي، الذي شدد مؤخراً على أن التحالف ليس "نوعاً من المنافس الجيوسياسي" – هو التقليل من أهمية المجموعة. ومن جانبهم، صوّر المعلقون الغربيون دول البريكس إلى حد كبير باعتبارها إما علامة على المحاولات الصينية للسيطرة على الجنوب العالمي أو أكثر قليلاً من مجرد متجر للكلام، حتى إن البعض دعا إلى حلها.

ومن المفارقات، أن فكرة المجموعة، صاغ فكرتها جيم أونيل، كبير الاقتصاديين في بنك "غولدمان ساكس" العام 2001، أي أن الفكرة ولدت في العالم الغربي قبل أن تتحقق العام 2009، عندما عقدت الاجتماع الأول العام 2009، في قمة استضافتها مدينة كاترينبورغ الروسية. وفي العام الحالي، والتي حملت قمتها الرقم 15، لم يشارك رئيس دولة مؤسسة للمجموعة هو فلاديمير بوتين  والذي خاطب القمة عبر الفيديو، خشية من إلقاء القبض عليه بموجب مذكرة توقيف صادرة بحقه من المحكمة الجنائية الدولية على خلفية الحرب في أوكرانيا.

وعلى الرغم من وطأة الحرب الأوكرانية الثقيلة، وتأثيرها على دولة كانت ذات يوم الند للولايات المتحدة في زمن كانت روسيا الاتحاد السوفياتي، يقول شيدور أن الرضا عن الذات الذي تبديه واشنطن يبدو حالياً أقل قابلية للاستمرار الآن. ولفت الى ان الدول الست التي انضمت الى "بريكس" أفسحت المجال للقلق، علماً أنه لا داعي للقلق. والسبب أن "بريكس" لن تدير العالم أبداً أو تحل محل النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. ويستدرك الكاتب قائلاً: "ومع ذلك، سيكون من الخطأ تجاهل أهمية المجموعة. فبعد كل شيء، إن أي ناد لديه قائمة انتظار طويلة - في هذه الحالة، ما يقرب من 20 دولة تقدمت بطلب العضوية - يعدّ علامة لا لبس فيها على استياء العديد من البلدان من النظام العالمي وطموحها إلى تحسين مكانتها فيه".

في الواقع وبحسب الخبراء، هناك وجهة نظر لدى المنتقدين لـ"بريكس"، وهي أن المجموعة لا تزال عملاً قيد التنفيذ. ومبادرتاها الرئيسيتان - مصرف التنمية الجديد وترتيب احتياطي الطوارئ - صغيرتان جداً إذا ما قورنتا بحجم الإقراض والتمويل الإنمائيين العالميين. وهناك مبادرات أخرى مثل التعاون في مجال البحوث الصحية واستكشاف الفضاء في مراحلها الجنينية. وقد يؤدي التوسع إلى جعل بناء المؤسسات أكثر صعوبة، مع وجود المزيد من اللاعبين في هذا المزيج. على سبيل المثال، هناك بعض الاختلافات بين الطريقة التي تنظر بها الصين وروسيا ودول الجنوب العالمي إلى التجمع.

في المقابل، من المؤكد أن هيمنة أميركا العالمية مضمونة بالإنفاق العسكري الهائل، وشبكة من التحالفات، ومئات القواعد العسكرية البعيدة. ولكن حتى لو كانت مجموعة بريكس الموسعة تتخبط فقط من حيث النجاح المادي - وهناك فرصة جيدة لأن يكون أداؤها أفضل من ذلك - فإنها ستتحدى واشنطن في ثلاثة مجالات رئيسية هي: المعايير العالمية والمنافسات الجيوسياسية والتعاون عبر النطاق الإقليمي.

هل سيكون ذلك سيئاً للغاية؟ يجيب سارانج شيدور: "يتعين على أميركا، التي تواجه مشاكلها الداخلية المستعصية، أن تنظر إلى توسع مجموعة البريكس باعتباره تهديداً بقدر ما ينظر إليه باعتباره فرصة. إنه يوفر فرصة للولايات المتحدة ليس فقط لإعادة تعلم ممارسة التعاون ولكن أيضاً للتخلي عن بعض الأعباء والمفاهيم الاستثنائية البعيدة التي لا تخدم مصلحتها الوطنية. وفي هذه العملية، قد تظهر أميركا أفضل وربما عالم أفضل".

بالعودة الى قمة "بريكس" الأخيرة، ترى الدول الأعضاء أن عملة "بريكس" التي لا تزال تحت التطوير يفترض أنها تسمح لدول المنظمة بفرض سيادتها الاقتصادية أمام الدولار وتقليل اعتماد اقتصادات العالم على نظام الدولار المهيمن.

في آذار/مارس الماضي، قال ألكسندر باباكوف، نائب رئيس مجلس الدوما الروسي، في نيودلهي إن روسيا تقود الآن تطوير عملة جديدة، سيتم استخدامها للتجارة عبر الحدود من قبل دول البريكس.

وكانت روسيا أول دولة تصادق على اتفاقية لإنشاء "تجمع احتياطي" من العملات الأجنبية بقيمة 100 مليون دولار، هذا التجمع المعروف باسم ترتيب الاحتياطات الطارئة، هو في الأساس مخزن للعملات الأجنبية يمكن لأي دولة من دول البريكس الانضواء فيه إذا احتاجت إلى ذلك.

وتحاول الدول الأعضاء من خلال هذه العملة أن تضغط على الدولار الأميركي، وأن تنهي اعتماد الدول النامية على الدولار. وتأمل الدول أن يصبح اقتصاد العالم متعدد الأقطاب ويميل النظام المالي العالمي من الغرب إلى الشرق.

لكن قرارات "بريكس" الأخيرة أظهرت ان المجموعة غير متجانسة وليس لها تماسك سياسي واضح إلا في الرغبة في إعادة تشكيل النظام المالي والحاكم العالمي الحالي إلى نظام أكثر انفتاحاً وأكثر تنوعاً وأقل تقييداً - وأقل خضوعاً للسياسة الأميركية وقوة الدولار، علماً ان من شأن إضافة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أن يوفر المزيد من الثقل المالي، خصوصاً وأن المجموعة تحاول زيادة حجم ونفوذ بنك التنمية الصغير الخاص بها.

ويبقى أن نرى ما إذا كانت التغييرات التي طرحت في قمة جوهانسبورغ سيكون لها التأثير الذي تأمله الدول. وقال جيم أونيل، الذي صاغ مصطلح "بريكس"، إن السجل التاريخي ليس مطمئنا. وقال إن الاجتماعات "تدور حول الرمزية"، مضيفاً: "ليس من الواضح بالنسبة لي أن قمم البريكس قد فعلت أي شيء".

بيد ان أنيل سوكلال، ممثل جنوب أفريقيا في مفاوضات بريكس، قال إن البنية العالمية للمؤسسات التي يهيمن عليها الغرب تحتاج إلى التغيير مع الزمن. وقال: "هذا ما تقوله بريكس 'لنكن أكثر شمولاً"، "بريكس ليست معادية للغرب".

ووافقت الهند على خطة توسع "بريكس"، على الرغم من الشكوك الخطيرة، لأنها لا تريد أن تلعب دور الشرير، كما قال هارش بانت، نائب الرئيس في مؤسسة "أوبزرفر للأبحاث" ومقرها دلهي وأستاذ العلاقات الدولية في معهد الهند في "كينكز كوليدج لندن"، وأضاف أن نيودلهي ستظل حذرة بشأن "الطبيعة المتغيرة لهذه المنصة من منصة جيواقتصادية إلى منصة جيوسياسية".

حسناً، ان النظر في النصف الملآن من الكوب، يعطي فكرة حول أهمية تحرير الاقتصاد من قيود السياسة، وفي حالة "بريكس" اليوم تمتلك المجموعة سجل نجاحات لا يجوز إغفاله، أكان ذلك في تجربة بنك التنمية الجديد (NDB)، أو نجاحها في جمع 100 مليار دولار للإقراض الطارئ والموافقة على قروض بقيمة 33 مليار دولار تقريباً لمشروعات البنية التحتية، كما يشار إلى نمو التجارة البينية بين الأعضاء الحاليين بنسبة 56 في المئة لتصل إلى 422 مليار دولار في الفترة من 2017 إلى 2022، في حين أن انضمام دول مثل السعودية والإمارات يرفد المجموعة بقدرات مالية واستراتيجية هائلة لناحية السيولة النقدية وسلاسل التوريد والبنية التحتية الصلبة والناعمة.