نصف تريليون دولار تجارة الصين مع المنطقة وفي المقدمة السعودية والامارات

  • 2023-08-25
  • 12:00

نصف تريليون دولار تجارة الصين مع المنطقة وفي المقدمة السعودية والامارات

  • أحمد عياش

قبل أيام شهدت بكين حدثاً تجارياً كبيراً بين المملكة العربية السعودية والصين. فقد وقّع البلدان صفقات بقيمة 5 مليارات ريال سعودي (1.3 مليار دولار). وعلى الرغم من أهمية هذا الحدث، فهو يمثل الرأس الظاهر من جبل الجليد. والسبب، هو أن حجم التجارة بين الصين والشرق الأوسط تجاوز العام الماضي نصف تريليون دولار.

 

إقرأ:

"أولاً - الاقتصاد والأعمال" ينشر وثيقة حول مخزون الذهب في "مصرف لبنان"

    وفي قلب هذا التطور التاريخي في العلاقات بين الصين والمنطقة، تقف المملكة ودولة الامارات العربية المتحدة بوابةً لهذا التدفق الهائل لمئات المليارات من الدولارات بين شرق آسيا وغربها. ويكفي هنا  القول، إن حجم التجارة بين الصين والعالم العربي في آخر الإحصاءات بلغ 400 مليون دولار ونصفها تعود الى التجارة بين الصين والسعودية والامارات المتحدة.

    البداية، من منتدى الأعمال السعودي الصيني الذي استضافته أخيراً العاصمة الصينية، وركز المنتدى على استكشاف فرص الاستثمار بين المملكة والصين، مع التركيز بشكل خاص على تعزيز الشراكات في البنية التحتية الحضرية، والإسكان، والتطوير العقاري، والتمويل.

    وأشار ممثل المملكة في المنتدى وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان، ماجد بن عبد الله الحقيل الى الفرص الاستثمارية الكبيرة المتاحة في السعودية، مع بناء أكثر من 300 ألف وحدة سكنية في 17 مدينة سعودية، تغطي مساحة تزيد على 150 مليون متر مربع، وتقدر قيمتها بأكثر من 100 مليار ريال سعودي (26.7 مليار دولار).

    وأشاد الحقيل بالتعاون الناجح بين المملكة والشركات الصينية في مشاريع الإسكان في جميع أنحاء السعودية، كاشفاً أن وزارته تعمل حالياً مع العديد من الشركات الصينية على مشاريع سكنية بقيمة 3 مليارات ريال سعودي (799 مليون دولار).

    وعلى هامش المنتدى، شهد الوزير السعودي توقيع 12 اتفاقية تعاون بين شركات وبنوك سعودية وصينية. وشملت هذه الاتفاقات، التي تجاوزت قيمتها الاستثمارية الإجمالية كما سلف، 5 مليارات ريال سعودي (1.3 مليار دولار)، وتركزت في مجالات مختلفة بما في ذلك تطوير البنية التحتية والتمويل، وشملت على وجه التحديد خمس اتفاقات تتعلق بمشاريع الإسكان.

    بالتزامن مع الحدث الجاري في بكين، أشار تقرير حديث للمنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن العلاقات الاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين تتخطى حدود النفط والتجارة. وقال إن الجانبيّن يشكلان معاً نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ما يفتح آفاقاً كبرى للتطلعات والفرص الواعدة.

    وبحسب التقرير، فإن الصين ودول الخليج تولّدان مجتمعتين نحو 22 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي، ما يجعلهما محركيّن رئيسيين للنمو العالمي، خصوصاً في ظل زيادة عمق العلاقات الاقتصادية بينهما وسط تحولات جيوسياسية كبرى. ويؤكد أن التكنولوجيا والصناعات والألعاب الإلكترونية تمثل فرصاً كبرى للتعاون المستقبلي.

    ويرى التقرير، أن شرارة العلاقات الكبرى بدأت مع النمو الاقتصادي السريع للصين الذي أدى إلى زيادة كبيرة في الطلب على الطاقة، وفي الوقت نفسه، كان هناك انتعاش خليجي هائل في الطلب على السلع الاستهلاكية من الصين. وأوضح التقرير أن إجمالي التجارة بين الصين ومنطقة الشرق الأوسط بلغ 505 مليارات دولار في العام 2022، وبنسبة نمو قدرها 76 في المئة عن مستواها قبل 10 سنوات. وكان من اللافت أن إجمالي التجارة بين الصين ودول الخليج وحده تضاعف 3 مرات خلال تلك الفترة.

    يشار الى ان  قادة الأعمال من الصين ودول مجلس التعاون الخليجي التقوا في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي لـ"الأبطال الجدد" في تيانجين الصينية في شهر حزيران/يونيو الماضي، وذلك من أجل استكشاف كيفية تعزيز الفهم المتبادل للأسواق الداخلية لكلا الطرفين وبناء الشراكات. وتركّز البحث في هذا الاجتماع على محاور رئيسية شملت الى الطاقة، التكنولوجيا والتصنيع والألعاب الإلكترونية من القطاعات ذات الأولوية لكلتا المنطقتين.

    ووفقا للتقرير، فإنه بعد زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى السعودية في كانون الأول/ديسمبر 2022، وقّعت المملكة 35 مذكرة تفاهم مع شركات صينية، معظمها شركات خاصة، وكانت إحداها مع شركة "هواوي" الصينية العملاقة للتكنولوجيا، في ما يتعلق بالحوسبة السحابية وبناء مجمعات عالية التقنية في المدن السعودية.

    أما في مجال التصنيع، فتوفر التحولات العالمية المستمرة في مراكز التصنيع فرصاً لإعادة تشكيل سلاسل التوريد. وفي هذا الاطار، اعدّت شركة "إينوفيت"، وهي شركة صينية ناشئة للسيارات الكهربائية، مخطط استثمار بقيمة 500 مليون دولار في إنتاج السيارات الكهربائية في المملكة جنباً إلى جنب مع شريك محلي.

    ويشير التقرير الى إمكان استحواذ "صندوق الاستثمارات العامة" السعودي على حصة تبلغ قيمتها 265 مليون دولار في شركة الألعاب الإلكترونية الصينية "فسبو".

    ويخلص تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي الى القول إن شراكات الطاقة هي أكثر من مجرد نفط وغاز. فكلتا المنطقتين معرّضة بشدة لتأثيرات تغيّر المناخ، وبالتالي توفر تحدياتهما المشتركة فرصاً للتعاون التحويلي. فعلى سبيل المثال، عندما يتعلق الأمر بالاستثمارات في الطاقات البديلة، نرى شراكة بين شركة "منشأ فينتشرز" ومقرها دبي، والشركاء الصينيين، لاستثمار ما يصل إلى مليار دولار في "التقنيات النظيفة".

    وفي النهاية، فإن العلاقات الوثيقة بين الصين والشرق الأوسط - التي يشار إليها أحياناً باسم "طريق الحرير الجديدة" - هي أكثر من مجرد نفط وسلع استهلاكية... بل ربما يكون الأمر الأكثر أهمية هو تدفق التقنيات والأشخاص والأفكار ورأس المال.

    ومن تباشير الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في تيانجين الصينية، القرار الذي اتخذته أخيراً هيئة مدينة لوجيازوي المالية في شنغهاي الصينية. وتمثل هذا القرار باختيار العاصمة السعودية الرياض، لتكون بوابة استثمارية تجارية للوصول إلى أسواق الشرق الأوسط، لتمثل محطة مهمة في مسيرة العلاقات الصينية - العربية المتنامية. وتُعد "لوجيازوي المالية" في الصين منطقة التنمية الوحيدة المختصّة بمجالات المال والتجارة في البلاد. وزار وفد رفيع من الهيئة يوم الخميس في 17 آب/أغسطس الحالي مركز الملك عبد الله المالي في العاصمة السعودية، وأعلن عن تأسيس أول مكتب في منطقة الشرق الأوسط. ويُعدّ مكتب الهيئة ثاني مكتب للهيئة في العالم بعد تأسيس مكتب لندن في 2016.

    ومن المنتظر أن يصبح مكتب هيئة "مدينة لوجيازوي المالية" في الرياض، البوابة الرئيسية التي تصل شنغهاي بالمملكة، وذلك بدعم من "إي دبليو تي بي أرابيا كابيتال".

    ويقع مركز الملك عبد الله المالي "كافد" في قلب العاصمة الرياض، ويضم 1.6 مليون متر مربع من المساحات المكتبية العصرية والمبتكرة، والمرافق العالمية المختصّة والمساكن الفاخرة ذات المستوى العالمي، المصممة خصيصاً للارتقاء بنمط حياة أفراد المجتمعات الحضرية سواء على مستوى المعيشة أو العمل أو الترفيه.

    ويمثل المركز بوجوده على بُعد 22 كيلومتراً من المطار قوة دفع رئيسية في سبيل تحقيق طموحات مدينة الرياض الاقتصادية، بالإضافة إلى أنه أكبر منطقة مالية عالمية متعددة الاستخدامات معتمدة من نظام تصنيف الريادة في التصميم الطاقوي والبيئي.

    كيف تبدو هذه الاحداث الواعدة في مسار العلاقات بين الصين والشرق الأوسط عموماً والمملكة خصوصاً؟ تجيب على هذا السؤال داليا داسا كاي المحاضرة في مركز بوركل للعلاقات الدولية بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس. ففي مقال نشرته مجلة "فورين افيرز" الفصلية المرموقة تحدثت فيه عن "الحرب الباردة" بين الولايات المتحدة الأميركية والصين. فقالت إن الولايات المتحدة قد تطلب من المملكة، الحد من استخدامها لتكنولوجيا "هواوي"، وتسعير نفطها بالدولار بدلاً من الرنمينبي (اليوان الصيني)"، وفيما استبعدت الكاتبة ان تتحقق الطلبات الأميركية هذه، لفتت النظر الى ارتفاع استثمارات الصين في البنية التحتية والتكنولوجيا في الشرق الأوسط، فضلاً عن تجارتها مع المنطقة ووارداتها النفطية، على مدى العقد الماضي، وتدرك المملكة العربية السعودية بدورها، بشكل متزايد، قيمة الصين كشريك استراتيجي.

    لا مبالغة في القول إن عربة التاريخ تمضي الى الامام خلف قاطرة الاقتصاد. ولدينا المثل الواضح ما يجري بين الصين ومنطقة الشرق الأوسط عبر بوابة المملكة والامارات.