من نصدق: "أوبك" أم "وكالة الطاقة الدولية"؟

  • 2023-08-14
  • 12:21

من نصدق: "أوبك" أم "وكالة الطاقة الدولية"؟

  • أحمد عياش
على مدى يوميّن متتاليين، أطلت مرجعيتان هما الأهم في عالم الطاقة بتوقعات متناقضة حول الطلب العالمي على النفط العام 2024. فهل من أسباب جوهرية لكل منهما أدى الى هذا التباين؟

نبدأ من منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك). ففي تقرير أصدرته يوم الخميس في العاشر من آب/أغسطس الحالي، توقعت آفاقاً صحية لسوق النفط في النصف الثاني من العام الحالي، وتمسكت بتوقعاتها بشأن طلب قوي على النفط في 2024، مع تحسن طفيف في آفاق النمو الاقتصادي العالمي.

 

إقرأ للكاتب نفسه:

هل يعود الاقتصاد العالمي إلى الانتعاش بعد الركود؟

     

     


    وفي اليوم التالي، أي الجمعة في 11 الحالي، قالت وكالة الطاقة الدولية إن تخفيضات إمدادات "أوبك+" قد تؤدي إلى تآكل مخزونات النفط في بقية العام، ما قد يدفع الأسعار للارتفاع قبل أن تحد الرياح الاقتصادية المعاكسة من نمو الطلب العالمي في 2024.

    بالطبع، لا يمكن اطلاق الاحكام على من هو مصيب في توقعاته، منظمة "أوبك" أم "وكالة الطاقة"، وبدلاً من ذلك من المفيد الذهاب الى استعراض معطيات كليهما التي استندت اليها توقعاتهما.

    بالنسبة إلى "أوبك"، تأتي النظرة المتفائلة مع وصول أسعار النفط العالمية إلى أعلى مستوياتها منذ كانون الثاني/ يناير الماضي. وأعطى شح المعروض زخماً للارتفاع، خصوصاً أن التقرير أظهر أن السعودية التزمت بالخفض الطوعي للإنتاج في تموز/ يوليو الماضي، بناء على ما سبق ، قالت "أوبك" إنها تتوقع ارتفاع الطلب العالمي على النفط بمقدار 2.25 مليون برميل يومياً في 2024، مقارنة بنمو قدره 2.44 مليون برميل يومياً في 2023، ولم يتغير أي من التوقعيّن عن المستويات المتوقعة في تقرير الشهر الماضي.

     وخلص تقرير "أوبك" الى القول: "خلال العام 2024، من المتوقع أن يؤدي النمو الاقتصادي العالمي القوي، وسط التحسينات المستمرة في الصين، إلى زيادة استهلاك النفط"، موضحاً أن "الآفاق الصحية الأساسية لأسواق النفط في النصف الثاني من العام، إلى جانب النهج الوقائي والإستباقي والوقائي من جانب تحالف "أوبك بلس" لتقييم أوضاع السوق واتخاذ الإجراءات اللازمة في أي وقت وحسب الحاجة، تضمن استقرار سوق النفط العالمية".

    ماذا عن وكالة الطاقة الدولية؟ يجيب تقرير الوكالة بالقول إنه من المتوقع أن يتباطأ نمو الطلب على النفط بشكل حاد في العام المقبل إلى 1 مليون برميل في اليوم، مشيرة إلى ظروف الاقتصاد الكلي الباهتة، والتعافي بعد الوباء الذي نفد من الزخم والاستخدام المتزايد للسيارات الكهربائية، وأضافت: "مع اكتمال الانتعاش بعد الوباء إلى حدّ كبير، ومع تحدي الرياح المعاكسة المتعددة لتوقعات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن مكاسب استهلاك النفط تتباطأ بشكل ملحوظ"، في إشارة إلى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

    وانخفضت توقعات وكالة الطاقة الدولية لنمو الطلب بمقدار 150 ألف برميل يومياً عن الشهر الماضي، ولفتت النظر الى انه "لا تزال التوقعات الاقتصادية العالمية صعبة في مواجهة ارتفاع أسعار الفائدة وتشديد الائتمان المصرفي، ما يضغط على الشركات التي يتعين عليها بالفعل التعامل مع تباطؤ التصنيع والتجارة".

    من المهم، وسط هذا التباعد بين المرجعيتيّن الاقتصاديتيّن، التوقف عند التقرير الذي أوردته صحيفة النيويورك تايمز في وقت واحد مع موقفيّ "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية. ويقول كاتب التقرير بيتر غودمان انه مع ظهور مؤشرات على الانحدار في الاقتصاد الصيني، فإن العواقب تشكل مخاطر على البلدان في جميع أنحاء العالم.

     

    قد يهمك:

    الأمن الغذائي مرة أخرى يهزّ العالم


      يضيف :"لأكثر من ربع قرن من الزمان، كانت الصين مرادفا للتنمية التي لا هوادة فيها والحراك التصاعدي. ومع اكتساب سكانها البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة شهية لبضاعة العالم - أفلام هوليوود والإلكترونيات الكورية الجنوبية وخام الحديد المستخرج في أستراليا - كان الاقتصاد العالمي مدفوعا بمحرك لا ينضب على ما يبدو. والآن بدأ هذا المحرك يتراجع ، الأمر الذي يفرض مخاطر تنذر بالخطر على الأسر والاقتصادات الصينية في مختلف أنحاء الكوكب. فالصين التي ظلت لفترة طويلة محور نسخة العولمة المعززة للربح، تحولت إلى الورقة الرابحة النهائية في لحظة من عدم اليقين غير العادي بالنسبة للاقتصاد العالمي".

      ولفت تقرير الصحيفة الأميركية الانتباه الى ان المخاطر تضخمت  في الأسابيع الأخيرة بسبب عدد كبير من التطورات. ومن بين هذه المخاطر:

      جاءت أولا كلمة تفيد بأن الاقتصاد الصيني قد تباطأ بشكل كبير في  الربيع، ما قضى على الآمال في توسع قوي بعد رفع قيود Covid الشديدة.

      جلب هذا الأسبوع بيانات تظهر أن صادرات الصين قد انخفضت لمدة  ثلاثة أشهر متتالية ، بينما انخفضت الواردات لمدة خمسة أشهر متتالية - وهو مؤشر آخر على ضعف التوقعات.

      ثم جاءت الأنباء التي تفيد بأن الأسعار انخفضت على مجموعة من السلع، من المواد الغذائية إلى الشقق، الأمر الذي أثار قلقا من أن الصين قد تكون على شفا ما يسمى بالانكماش، أو الانخفاض المستمر في الأسعار، وهو نذير للنشاط التجاري الهزيل.

      وفي علامة على الضائقة العميقة في سوق الإسكان في الصين - تقاطع التمويل والبناء وثروة الأسرة - تخلفت شركة تطوير عقاري رئيسية ، كانتري جاردن، عن سداد سنداتها وقدرت أنها خسرت ما يصل إلى 7.6 مليار دولار في النصف الأول من العام.

      بالنسبة إلى العمال والأسر الصينية، أضافت هذه الأحداث إلى المتاعب. في جميع أنحاء العالم، أشار ضعف الاقتصاد الصيني إلى تقلص الطلب على السلع الرئيسية  من فول الصويا الذي يتم حصاده في البرازيل، إلى لحوم البقر التي تربى في الولايات المتحدة، إلى السلع الفاخرة المصنوعة في إيطاليا. لقد أدى ذلك إلى انخفاض الشهية للنفط والمعادن وغيرها من اللبنات الأساسية للصناعة.

      هل ينتهي بنا المطاف الى التركيز فقط على الاقتصاد الصيني؟

      لا شك ان الصين هي اليوم عملاق اقتصادي بكل ما في هذه الكلمة من معنى. وفي الوقت نفسه، لا بد من الاخذ بالاعتبار، العملاق الاقتصادي الاخر، أي الولايات المتحدة الأميركية التي كانت ولا تزال حجر الرحى في الاقتصاد العالمي. وفي هذا الصدد ، نتوقف عند التقرير الذي نشرته  قبل أيام أيضا النيويورك تايمز واعده جيسون بوردوف المدير المؤسس لمركز سياسة الطاقة العالمية في كلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا. وجاء في التقرير :"إذا كنت تستمع إلى شركات الطاقة الكبرى في العالم على مدى السنوات القليلة الماضية ، فربما تعتقد أن انتقال الطاقة النظيفة في طريقه إلى الانتهاء. ولكن مع استمرار ارتفاع استخدام الوقود الأحفوري والانبعاثات ، فإنه لا يتحرك بالسرعة الكافية لمعالجة أزمة المناخ.

      يضيف: "في حزيران/ يونيو الماضي، أصبحت شل أحدث شركات النفط الكبرى التي تحد من خطط خفض إنتاج النفط ، معلنة أنها لن تخفض إنتاج النفط والغاز السنوي حتى نهاية العقد. كما رفعت الشركة أرباحها ، وحولت الأموال التي يمكن استخدامها لتطوير الطاقة النظيفة. وارتفعت أسعار أسهم BP هذا العام عندما تراجعت الشركة عن خطتها لخفض إنتاج النفط والغاز. ويمكن للصناعة أن تشير إلى الجهود المبذولة للحد من الانبعاثات ومتابعة تقنيات الطاقة الخضراء. لكن هذه الجهود تتضاءل مقارنة بما يفعلونه للحفاظ على إنتاج النفط والغاز وتعزيزه. وعلى حد تعبير وكالة الطاقة الدولية، فإن الاستثمار من قبل الصناعة في الوقود النظيف "آخذ في الارتفاع" ولكنه "لا يزال أقل بكثير من المكان الذي يجب أن يكون فيه".

      وقال بوردوف: "بشكل عام، من المتوقع أن تنفق شركات النفط والغاز أكثر من 500 مليار دولار هذا العام على تحديد واستخراج وإنتاج إمدادات جديدة من النفط والغاز، وأكثر من ذلك على توزيعات الأرباح لإعادة أرباح قياسية للمساهمين، وفقا لوكالة الطاقة الدولية".

      ولفت النظر الى ان قطاع النفط الأميركي "أنفق أقل من 5 في المئة من استثماراته في الإنتاج والاستكشاف على مصادر الطاقة منخفضة الانبعاثات في السنوات الأخيرة ، وفقا لوكالة الطاقة الدولية. وفي الواقع ، تعطي العديد من الشركات (مع بعض الاستثناءات البارزة) الأولوية لأرباح الأسهم وإعادة شراء الأسهم واستمرار إنتاج الوقود الأحفوري على زيادة استثماراتها في الطاقة النظيفة تشير إلى أنها غير قادرة أو غير راغبة في دفع الانتقال إلى الأمام".

      ويخلص التقرير الى القول: "سيظل العالم يستخدم النفط لعقود حتى لو كان يسرّع العمل المناخي - وحتى عالم صافي الصفر سيظل يستخدم بعض النفط والغاز ، مع التكنولوجيا القادرة على التقاط الانبعاثات. وحتى إذا انخفض استخدام النفط، يبدو أن بعض شركات النفط تخطط لأن تكون من بين آخر المنتجين الصامدين".

      في مختصر القول، ان سلعة النفط ستبقى في الأسواق لفترة طويلة.  وإذا ما تبيّن ان توقعات "أوبك" هي ادق من توقعات وكالة الطاقة الدوية بالنسبة للعام المقبل، او العكس، فالأمر يتعلق بعام واحد. وبالتالي فان هناك عقودا آتية سيكون المؤكد فيها ان الطلب على النفط سيستمر.