مصر تخطط لإضافة معامل تحلية مياه البحر لتغطية النقص في مياه النيل

  • 2022-12-05
  • 15:12

مصر تخطط لإضافة معامل تحلية مياه البحر لتغطية النقص في مياه النيل

الرئيس السيسي ينقل الاهتمام من النزاع على النيل إلى إصلاح البنى المائية وترشيد شامل لاستخدام المياه

  • رشيد حسن

 

انتقلت مصر إلى تحلية مياه البحر على نطاق واسع في سياق تلبية الطلب المصري المتزايد على المياه، وتعويض النقص المتوقع في حصتها من مياه نهر النيل، نتيجة لإنجاز سد النهضة في إثيوبيا، وتعثر المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا، لحل النزاع حول اقتسام مياه النهر وتوقفها عملياً منذ ايار/مايو 2021.

وتستعدّ إثيوبيا للمرحلة الثالثة من تعبئة حوض السدّ التي قد تستغرق ست سنوات، وتتطلب حجب قسم من تدفقات النيل عن مصر والسودان في مواسم الأمطار، وهي رفضت تنسيق هذه الفترة مع الدولتين مع الادعاء أن ملء حوض السدّ سيتم بطريقة لا تؤثر على مصالح الدولتين المائية.

وقد تميّز الموقف المصري من أزمة السدّ في البدء بالقلق وبموقف متشدد يتمسك بحصة مصر التاريخية من نهر النيل. ويعتبر الموقف الإثيوبي تهديداً للأمن المصري، إلا أن الرئيس السيسي تبنى لاحقاً استراتيجية مختلفة تنقل الاهتمام من النزاع على مياه النيل إلى تنفيذ استراتيجية وطنية، تركز على الاستخدام الفعّال لمصادر المياه المتوفرة، ووقف الهدر والتسرب والاستثمار الطموح في معامل تحلية المياه، مع تطبيق تقنيات الطاقة المتجددة وتدوير المياه المبتذلة، وتجديد شبكة مياه الشرب وتعميم صيغة الاشتراكات المدفوعة لخفض الهدر والعجز الكبير في ميزانيات شركات المياه.

تحلية بالطاقة المتجددة

وأعلن رئيس الصندوق السيادي المصري عن التوجه لإنشاء 21 معملاً لتحلية المياه بتكلفة 3 مليارات دولار، وكمرحلة أولى من برنامج يعتزم اعتماد تقنيات الطاقة المتجددة في توفير المياه المحلاة من مياه البحر الأبيض المتوسط أو البحر الأحمر اللذين يحدان مصر.

وتعتمد مصر في تأمين مياهها بنسبة 85 في المئة على النيل الأزرق الذي تقع منابعه في أثيوبيا، وسيتم التحكم به من قبل الجارة الأفريقية من خلال مشروع سدّ النهضة، كما تعتمد لتأمين 7 في المئة من حاجتها الباقية من المياه على مصادر أخرى.

ويستهدف برنامج تحلية المياه تأمين 3.3 ملايين متر مكعب في المرحة الأولى على أن تبلغ الطاقة المنتجة من

عمليات التحلية 8.8 ملايين متر مكعب سنوياً، وبتكلفة إجمالية تقدر بنحو 8 مليارات دولار.

إلا أن مصر كانت وقبل شروع إثيوبيا في العام 2011 في بناء سد النهضة، تعتبر من دول "الفقر المائي" وهي التي يقل نصيب الفرد السنوي من المياه فيها عن ألف متر مكعب في السنة، إذ بلغ هذا المعدل نحو 740 م3 في السنة في العام 2007 مع توقع انخفاض هذه الحصة إلى 556 م3 من المياه في العام 2025.

الضغط السكاني

ومن أهم العوامل التي ساهمت بالفقر المائي المصري الزيادة الهائلة في السكان والنمو الحضري، وما يفرضه ذلك من توسيع شبكات التغذية بمياه الاستعمال المنزلي ومياه الشرب، إذ بلغ عدد سكان مصر حالياً نحو 100 مليون نسمة مع توقع ارتفاعه إلى 175 مليون نسمة في العام 2050.

الضغط الزراعي

أضف إلى الضغط السكاني، أن مصر قامت منذ ثمانينات القرن الماضي بتوسيع الرقعة الزراعية بصورة كبيرة بهدف توفير الغذاء للملايين الجديدة من المصريين التي أضيفت عبر السنوات التالية، علماً أن معظم المحاصيل التي يعتمد عليها السوق المصري تتسم باستهلاكها الكبير للمياه.

ويعطي الرسم البياني فكرة صادمة عن حجم تراجع الحصة المائية بالفرد، نذكر أن هذه كانت نحو 1893 م3 في العام 1959.

فقر مائي

وتحتاج مصر حالياً إلى نحو 110 ملايين كلم‎3 سنوياً، وهو نحو ضعف الكميات التي تتوافر لها الآن. وبرغم خطورة الوضع، فإن الحكومات المتعاقبة في مصر قبل أحداث كانون الثاني/يناير 2011 ، وشروع إثيوبيا ببناء سد النهضة على النيل الأزرق اهتمت بالمشكلات العارضة، ولم تعط اهتماماً كافياً بالتخطيط الطويل الأمد للملف المائي، ثم أدّت الانتفاضة الشعبية في 2011 والأحداث السياسية التي نجمت عنها إلى صرف الانتباه عن الملف المائي، واستمر المسؤولون حتى بعد الشروع في بناء سد النهضة في تعليق الأمل على تسوية النزاع المائي مع إثيوبيا وحماية حصة مصر من مياه النيل.

إلا أن تعقد المباحثات قبل توقفها عملياً في أيار/مايو 2021 وشروع إثيوبيا بملء حوض السدّ من طرف واحد، دفع بالرئيس عبد الفتاح السيسي إلى تطبيق سياسة تفاوض طويلة الأمد حول سدّ النهضة، لكن مع نقل الأولوية والاهتمام المصري الرسمي إلى تنفيذ خطة وطنية لتوفير المياه، وخصوصاً عن طريق إصلاح بنية الشبكة المائية لنهر النيل والتي يعود تاريخ إنشائها إلى عهد محمد علي باشا، وبنيت كلها من الطين الذي يسمح بتسرب وهدر كميات كبيرة من مياه الري، كما تركز الاهتمام أيضاً على تجديد شبكة أنابيب مياه الشرب وتغذية المنازل التي باتت عاجزة عن تلبية حاجة السكان الذين يعانون من انقطاع مياه الشرب لأيام طويلة، أو لا يحصلون على مياه صالحة للشرب وفق المعايير الصحية.

وتستهدف الاستراتيجية المصرية للمياه توفير نحو 1.5 كلم3 أو نحو 1.5 مليار متر مكعب من المياه في حلول العام 2030، وذلك لاستخدامها كمياه صالحة للشرب على أن يتم مضاعفة هذه الكمية بحلول العام 2037.

إنجازات لـ السيسي

من أهم الإنجازات التي حققتها الحكومة المصرية، تنفيذ القسم الأكبر من مشروع التبطين الاسمنتي لألوف الكيلومترات من أقنية الري في المناطق الزراعية كافة، وهو ما أدى إلى وقف نسبة كبيرة من هدر المياه، وقام الرئيس السيسي بصورة خاصة بإصدار تعليمات بالتعجيل في إنجاز عمليات التبطين الإسمنتي التي أنجزت في سنتين بدل مدة العشر سنوات التي كانت مخططة.

وتتضمن الاستراتيجية المصرية للمياه تعميم تدوير المياه المبتذلة لاستخدامها في عمليات الري، وكذلك إعادة النظر بسياسة المحاصيل الزراعية بغية تقليص الزراعات العالية الاستهلاك لمياه الري والتخصص في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، وتطوير أسواق التصدير وتشجيع الشركات الزراعية، كما تتضمن الخطة تطوير نشاطات الابحاث والتطوير واستخدام التقنيات الحديثة في خفض التكلفة وزيادة الإنتاجية.