العالم في الشتاء الأول لحرب أوكرانيا: لا غنى عن النفط

  • 2022-12-02
  • 16:51

العالم في الشتاء الأول لحرب أوكرانيا: لا غنى عن النفط

  • أحمد عياش

عندما قال الرئيس الأميركي جو بايدن في مستهل مؤتمره الصحافي المشترك في البيت الأبيض مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون "إن هناك اختلافات، لكنها ليست جوهرية بين الجانبيّن"، فهي تشمل في ما تشمل ملف الطاقة. وفي مقدمة هذه الخلافات، تحديد سقف أسعار النفط الروسي والذي قرر الاتحاد الأوروبي أخيراً انه سيكون عند 60 دولاراً الحد الأقصى للسعر، علماً ان واشنطن كانت تضغط في وقت سابق ليكون هذا السقف أكثر ارتفاعاً.

لم يعدّ خافياً عند المراقبين ان حلول فصل الشتاء والذي سيبلغ اقصى شدته هذا الفصل بسبب حرب اوكرانيا التي ما زالت مستعرة منذ 24 شباط/ فبراير الماضي، كشف عن حاجة العالم عن مصادر الطاقة على اختلافها سواء اكانت من مصادر الطاقة النظيفة أم من المصادر الاحفورية.

وفي تغطيتها للقمة الأميركية-الفرنسية ذكرت النيويورك تايمز "ان خطط بايدن لتعزيز التصنيع الأميركي هي جزء من جهود إدارته لوضع الولايات المتحدة كرائدة في الحدّ من انبعاثات الوقود الأحفوري التي تؤدي إلى تغيّر المناخ ولتصبح أقل اعتماداً على الدول الأجنبية للمواد الحيوية مثل أشباه الموصلات". وأضافت الصحيفة: "لكن خطة بايدن أججت الغضب في جميع أنحاء أوروبا في لحظة حرجة، حيث تحاول الولايات المتحدة إبقاء حلفائها الغربيين متحالفين ضد حرب روسيا في أوكرانيا. ويتهم حلفاء مهمون في هذا الجهد الولايات المتحدة بشكل متزايد بتقويضهم على حساب الأولويات المحلية". ومضت النيويورك تايمز قائلة:"وقد ألقت هذه الإحباطات بظلالها على ما كان جهداً عبر الأطلسي لتجويع الرئيس فلاديمير بوتين من عائدات النفط اللازمة لتأجيج حربه في أوكرانيا. دفع الحظر الأوروبي الذي يلوح في الأفق على النفط الروسي إدارة بايدن إلى الضغط من أجل حل بديل من شأنه أن يسمح للإمدادات الحيوية منه بمواصلة التدفق من أجل منع ارتفاع أسعار النفط العالمية. وقد وافق المسؤولون الأوروبيون على مضض في وقت سابق من هذا العام على تبني خطة أميركية من شأنها أن تفرض سقفاً على المبلغ الذي يمكن أن تكسبه روسيا مقابل كل برميل تبيعه". وخلصت الصحيفة الى القول إن "تحديد هذا السعر أدى إلى انقسام الاتحاد الأوروبي، تاركاً القضية في طي النسيان قبل أيام فقط من بدء سريان الحظر".

وغداة القمة الاميركية-الفرنسية، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال ان الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي طلبت من الدول الأعضاء فيه البالغ عددها 27 دولة وضع حد أقصى لسعر النفط الروسي عند 60 دولاراً، حسبما قال مسؤولون ودبلوماسيون مشاركون في المناقشات. والخطة التي تستخدم نفوذ قطاعي التأمين والشحن في الاتحاد الأوروبي، هي جزء من جهود الغرب لكبح قدرة موسكو على شن حرب في أوكرانيا، مع الحفاظ على استقرار أسعار الخام العالمية، لكن ما إذا كانت هذه الخطة يمكن أن تمضي قدماً، فتتوقف على استجابة من بولندا. ويتعيّن على جميع دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة التوقيع على الاقتراح للمضي قدماً كما هو مخطط له يوم الاثنين في الخامس من كانون الاول/ ديسمبر الجاري.

ويشكّل سقف الأسعار جزءاً أساسياً من محاولة الغرب الضغط على عائدات الكرملين النفطية مع الحفاظ على الإمدادات العالمية ثابتة وتجنّب زيادة الأسعار، وقد تم استخدامه كوسيلة للسماح لروسيا، وهي أكبر مصدر للنفط العالمي، بتزويد الأسواق من دون أن تحصل موسكو على الفائدة الكاملة من بيعها. وإذا وافق الاتحاد الأوروبي على الحدّ الأقصى للسعر، فستحتاج مجموعة الدول السبع - كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة - إلى التوقيع عليه. وتهدف مجموعة السبع وأستراليا إلى فرض عقوبات غير مسبوقة بحلول الوقت الذي يبدأ فيه الحظر الأوروبي على واردات الخام الروسي المنقولة بحراً في مطلع الأسبوع. وتطلّب اختيار مستوى الحد الأقصى للسعر من الولايات المتحدة وحلفائها محاولة تحقيق التوازن بين هدفيها للخطة. وفضلت أوكرانيا وأوروبا الشرقية خفض سقف خفض الحد الأقصى لخفض المزيد من إيرادات روسيا. وسعت إدارة بايدن وتجار النفط والممولون إلى سقف أعلى من شأنه أن يحفز روسيا على بيع نفطها بالسعر المحدد.

وبالفعل، أعلن مجلس الشيوخ في مجموعة السبع يوم الجمعة في الثاني من كانون الاول/ ديسمبر الجاري عن اتفاق عند 60 دولاراً للبرميل. ومن شأن هذا المستوى أن يجعل أسعار الخام الروسي أقل بكثير من المعيار الدولي، المسمى برنت، الذي تم تداوله عند نحو 87 دولاراً للبرميل يوم الخميس الماضي.

في غضون ذلك، يتم تداول الخام الروسي بخصم كبير على خام برنت، ولكن بما أن العديد من المشترين تجنبوه تماماً، فإن شفافية الأسعار كانت أكثر خداعاً. وفي بعض الحالات، تمّ تداول الخام الروسي بأقل من 60 دولاراً للبرميل. وجلب خام الأورال الروسي 48 دولاراً للبرميل عند تصديره من ميناء بريمورسك على بحر البلطيق قبل أيام، وفقاً لشركة أرجوس ميديا، التي تقيم الأسعار في أسواق السلع.

وفي الأسبوع الماضي، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف: "يبدو الأمر وكأنهم يحاولون فقط اتخاذ قرار من أجل اتخاذ قرار. في الوقت الحالي، ننطلق من توجيهات الرئيس [فلاديمير] بوتين، بأننا لن نوفر النفط والغاز لتلك الدول التي ستقدم السقف وتنضم إليه. بالطبع، يجب علينا تحليل كل شيء قبل صياغة موقف".

 ومن المرجح أن تتمكن العديد من مبيعات النفط الروسية من الاستمرار من دون الامتثال للحد الأقصى الجديد للأسعار، إذا استخدمت روسيا ومشتروها في آسيا وأماكن أخرى السفن والتأمين والتمويل خارج نطاق ولاية مجموعة السبع. ويقول تجار إن الحد الأقصى قد يدفع النفط الروسي إلى نطاق ما يسمى بأسطول الظل من الناقلات التي تحافظ على تدفق النفط الإيراني في انتهاك للعقوبات الأميركية.

في صورة أوسع نطاقاً لموضوع الطاقة الاحفورية، اوردت نشرة "التمويل والتطوير" في عددها هذا الشهر بحثاً أعدّه دانيال يرجين حمل عنوان "التدافع من أجل الطاقة- المطبات في طاقة انتقال،" وجاء في مقدمته انه "على الرغم من الإجماع العالمي المتزايد، فإن العقبات التي تحول دون خفض صافي انبعاثات الكربون إلى الصفر صارخة". ومعد البحث صاحب كتاب هو الخريطة الجديدة: الطاقة والمناخ وصراع الأمم، وقد حصل على جائزة بوليتزر عن كتابه "الجائزة: البحث الملحمي عن النفط والمال والسلطة." وجاء في بحث يرجين أيضاً: "أضافت الاضطرابات العالمية في أسواق الطاقة والحرب في أوكرانيا زخماً للدفع نحو الطاقة المتجددة والدفع نحو صافي انبعاثات الكربون الصفرية. ومع ذلك، حتى مع تزايد قوة الإجماع العالمي حول تحول الطاقة، فإن التحديات التي تواجه هذا التحول أصبحت أكثر وضوحاً أيضاً. وبالإضافة إلى الوتيرة غير المؤكدة للتطور التكنولوجي ونشره، تبرز أربع قضايا على وجه الخصوص ابرزها، عودة أمن الطاقة كمطلب رئيسي للبلدان وعدم وجود توافق في الآراء بشأن السرعة التي ينبغي أن تحدث بها عملية الانتقال، ويرجع ذلك جزئياً إلى اضطراباتها الاقتصادية المحتملة، كما إن اتساع الفجوة بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية بشأن الأولويات في المرحلة الانتقالية، وكانت الحاجة إلى أمن الطاقة مصدر قلق تلاشى إلى حدّ كبير على مدى السنوات العديدة الماضية. لكن صدمة الطاقة، والمصاعب الاقتصادية التي تلت ذلك، والارتفاع الهائل في أسعار الطاقة الذي لم يكن من الممكن تخيله قبل 18 شهراً، والصراعات الجيوسياسية - كل هذه الأمور مجتمعة لإجبار الكثيرين الحكومات لإعادة تقييم الاستراتيجيات. وتقرّ عملية إعادة التقييم هذه بأن انتقال الطاقة يجب أن يرتكز على أمن الطاقة - أي الإمدادات الكافية وبأسعار معقولة - لضمان الدعم العام وتجنّب الاضطرابات الاقتصادية الشديدة، مع العواقب السياسية الخطيرة التي يمكن أن تلي ذلك".

وبحسب البحث الذي اعدّه الكاتب الاميركي، فإن أزمة الطاقة العالمية الحالية" لم تبدأ مع غزو أوكرانيا في شباط/ فبراير 2022. بدلاً من ذلك، بدأت في أواخر صيف العام 2021. أدى الانتعاش الاقتصادي الذي جاء مع نهاية عمليات الإغلاق العالمية لـ COVID-19 إلى زيادة الاستهلاك العالمي للطاقة، وشدّدت أسواق النفط والغاز الطبيعي والفحم في الجزء الأخير من العام 2021، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار مع دفع الطلب مقابل ما أصبح واضحاً - عدم كفاية العرض. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2021، أي قبل ثلاثة أشهر من الغزو الروسي لاوكرانيا، أعلنت الحكومة الأميركية عن أول إصدار من احتياطيها النفطي الاستراتيجي. ما أصبح واضحاً هو أن "النقص الوقائي في الاستثمار" قد قيّد تطوير موارد جديدة كافية من النفط والغاز.

ولم تؤد الحرب في أوكرانيا وزيادات أسعار الفائدة وتخفيض قيمة العملة التي أعقبت ذلك إلا إلى تعميق الضغوط على البلدان النامية. وبالنسبة الى البلدان النامية، فإن ما يبدو تركيزاً فريداً على خفض الانبعاثات يحتاج إلى الموازنة مع الأولويات الملحة الأخرى - الصحة والفقر والنمو الاقتصادي. لا يزال مليارات الأشخاص يطبخون بالخشب والنفايات، ما يؤدي إلى تلوث داخلي وسوء الصحة. ويتطلع العديد من هذه البلدان إلى زيادة استخدام الهيدروكربونات باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من رفع مستويات المعيشة، وكما قال وزير البترول الهندي السابق دارمندرا برادهان، هناك مسارات متعددة لتحولات الطاقة. وفي الوقت الذي تلتزم فيه الهند التزاماً كبيراً بمصادر الطاقة المتجددة، فإنها تبني أيضاً نظاماً لتوزيع الغاز الطبيعي بقيمة 60 مليار دولار. وتسعى البلدان النامية إلى الشروع في استخدام الغاز الطبيعي وتوسيع نطاقه للحدّ من التلوث الداخلي، وتعزيز التنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل، وفي كثير من الحالات، القضاء على الانبعاثات والتلوث الناجم عن حرق الفحم والكتلة الحيوية.

 قد يكون هناك ميل في البلدان ذات الاقتصادات المتقدمة إلى إزالة هذا الانقسام، ولكن الواقع تمّ التقاطه بشكل حاد في سبتمبر 2022، عندما صوت البرلمان الأوروبي، في تعبير غير عادي عن خارج الحدود الإقليمية، لإدانة خط أنابيب النفط المقترح من أوغندا عبر تنزانيا إلى المحيط الهندي.

ولخص أحد وزراء الطاقة الأفارقة تأثير الحرمان من الحصول على التمويل بأنه أقرب إلى "إزالة السلم ومطالبتنا بالقفز أو الطيران". إن إيجاد توازن بين وجهات نظر العالم النامي، حيث يعيش 80 في المئة من سكان العالم، وأوروبا الغربية وأميركا الشمالية سيكتسب إلحاحاً متزايداً.

انها حقائق، بدأت تفرض نفسها على قناعات صنّاع السياسات الاقتصادية في العالم. ان مشهد الثلوج الذي بدأ يطل من كييف عاصمة اوكرانيا يبعث برسالة مفادها ان الحاجة الى الدفء، يؤكد ان لا غنى للعالم عن النفط وسائر مشتقات الطاقة الاحفورية الى أجل غير مسمى حتى الآن.