لماذا يصر ترامب على خفض سعر الفائدة؟

  • 2025-07-09
  • 11:25

لماذا يصر ترامب على خفض سعر الفائدة؟

  • د. جاسم المناعي

الرئيس السابق لصندوق النقد العربي

إن إصرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب على دفع الاحتياطي الفيدرالي إلى تخفيض الفائدة، مستمر إلى درجة أنه يهدد باستبدال رئيس البنك المركزي الأميركي، بل الأكثر من ذلك أنه طلب منه تقديم استقالته، بسبب عدم تجاوبه مع رغبة ترامب في خفض سعر الفائدة. وموقف رئيس البنك المركزي يرجع لأسباب وحسابات فنية، تتعلق بالتخوف من بقاء معدلات التضخم مرتفعة، وكذلك لعدم وضوح تأثير رفع الرسوم الجمركية في مستويات التضخم.

بالنسبة للرئيس الأميركي، فإن الدوافع للإصرار على تخفيض سعر الفائدة تبدو سياسية من دون الاهتمام بالجوانب الفنية في هذا الموضوع. هذا الإشكال في تباين المواقف بين رئيس الولايات المتحدة ورئيس الاتحاد الفيدرالي، يرجع أيضاً إلى نزعة الرئيس الأميركي في إخضاع جميع المؤسسات الأميركية تحت سلطته، حتى وإن كان البنك المركزي يتمتع تقليدياً باستقلالية في هذا الشأن. لكن ينبغي أن لا نستغرب إذا ما أقدم الرئيس الأميركي الحالي على كسر التقاليد وأوجد لنفسه المبررات، لاستبدال رئيس البنك المركزي، حيث إنه عرف عنه عدم التقيد بالأعراف والتقاليد، وكذلك برغبته القوية في أن لا يخالفه أحد في أي من المؤسسات الأميركية أين ما كانت.

وإذا حدث وأقدم ترامب على إقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي، فإن ذلك سيكون سابقة في تاريخ أميركا، حيث ليس هناك تشريع أو قانون، يسمح بإقالة رئيس البنك المركزي إلا بالطبع، إذا ارتكب خطأ جسيماً. ولا يبدو بأن رئيس البنك المركزي، ارتكب أي خطأ يصل إلى حد إقالته من منصبه. وبغض النظر عن طبيعة الخلاف بين رئيس أميركا ورئيس البنك المركزي، وما إذا سينتهي هذا الأمر باستبدال رئيس البنك المركزي الأميركي أم لا، فإن الأهم من ذلك هو التعرف إلى الأسباب والمبررات، التي تدفع الرئيس الأميركي إلى الإصرار على خفض الفائدة من دون النظر لأي اعتبارات أخرى. بالطبع، فإن هذه الأسباب تبدو سياسية أكثر منها أي شيء آخر، وبغض النظر عما يمكن أن يترتب على ذلك من تضخم، فإن الرئيس يتوقع بأن خفض سعر الفائدة من شأنه أن ينعش سوق الأسهم والاقتصاد بشكل عام، الأمر الذي يريد أن يتم تسجيله ضمن إنجازاته. لا ننسى كذلك بأن الرئيس الأميركي هو رجل أعمال وتاجر عقارات، وأن خفض سعر الفائدة من شأنه أن يخفض من تكاليف قروض شركاته، وبالتالي سيزيد ذلك من ثرواته. لكن علينا أن نذكر أيضاً أن خفض سعر الفائدة، يمكن أن يحقق للرئيس الأميركي كذلك أهدافاً أخرى منها أن جاذبية الدولار من شأنها أن تضعف مع أي انخفاض في سعر الفائدة على الدولار. وفي مثل هذه الحالة، نجد أن الدولار يضعف وفقاً لذلك.

وحسبما يبدو، فإن ضعف الدولار سواء كان بشكل مقصود أو غير مقصود فإنه في هذه الحالة يساعد الرئيس الأميركي من ناحية على خفض عجز الميزان التجاري، ومن ناحية أخرى على تخفيض قيمة المديونية الكبيرة، التي تعانيها أميركا. على صعيد خفض عجز الميزان التجاري فإن ضعف الدولار يؤدي إلى زيادة تنافسية الصادرات الأميركية، وبالتالي يزيد الإقبال عليها وعلى العكس بالنسبة للواردات الأجنبية إلى أميركا، حيث تصبح مع انخفاض أو ضعف الدولار أكثر كلفة، مما يؤدي إلى ابتعاد المستهلك الأميركي عنها، وتفضيله في هذه الحالة المنتجات المحلية الأميركية. لا ننسى أيضاً أن ضعف الدولار من شأنه عدم تشجيع الأميركيين على السفر إلى الخارج، حيث تكلفة السفر في هذه الحالة تصبح أكثر ارتفاعاً، وبالتالي يتم تفضيل السياحة الداخلية في أميركا، وهذا من شأنه أن يساعد على توفير الأموال داخل أميركا، وخفض عجز الميزان التجاري وفقاً لذلك. كذلك الحال بالنسبة لمديونية أميركا تجاه الخارج، فمع ضعف الدولار، فإن قيمة هذه المديونية والمقومة أصلاً بالدولار تنخفض، سواء تعلق الأمر بالاستثمارات الأجنبية في أسهم الشركات الأميركية أو الاستثمارات الأجنبية في السندات الأميركية، سواء كانت هذه السندات للحكومة الأميركية أو للشركات والمؤسسات الأميركية. وقد لاحظنا مؤخراً موجة بيع للسندات الأميركية، تخوفاً من انخفاض قيمتها مع انخفاض الدولار، ونتيجة لهذه المخاوف المرتبطة بزيادة مخاطر الاستثمار في الأصول الأميركية، وجدنا أن عوائد السندات الأميركية ترتفع للتعويض عن هذه المخاطر، إلا أن مخاطر الاستثمار في الأصول الأميركية مستمرة، مع استمرار انخفاض قيمة الدولار خاصة، وإذا ما أدى الضغط الذي يمارسه الرئيس الأميركي إلى التعجيل بخفض سعر الفائدة على الدولار.

في الواقع، إن ضعف الدولار قد تستفيد منه جهات أخرى حتى خارج أميركا، بخاصة الدول والمؤسسات التي اقترضت بالدولار، حيث إن قيمة قروضها سوف تنخفض مع انخفاض الدولار، في المقابل هناك دول وجهات أخرى سوف تتضرر، مع استمرار ضعف الدولار، خصوصاً الدول التي يرتبط سعر صرف عملاتها بالعملة الأميركية، حيث من ناحية، فإن قيمة عملاتها سوف تنخفض مع انخفاض الدولار، الأمر الذي يؤدي إلى ضعف القوة الشرائية لعملات هذه الدول، كما إن ذلك ينعكس في شكل زيادة تكاليف السفر إلى الخارج خاصة السفر إلى الوجهات الأوروبية، حيث إن ضعف الدولار أدى في المقابل إلى ارتفاع قيمة اليورو كأحد البدائل عن الدولار الضعيف. على صعيد آخر، فإن انخفاض عملات الدول المرتبطة بالدولار، نتيجة لضعف الدولار من شأنه زيادة تكاليف المستوردات من الخارج، وهذا بالطبع ينعكس في شكل زيادة في أسعار السلع المستوردة، مما قد يؤدي إلى ارتفاع مستويات التضخم. صادرات دول المنطقة قد تستفيد مع انخفاض قيمة الدولار، إلا أنه وكما نعلم، فإن ما تصدره دول المنطقة يعتبر محدوداً نسبياً فيما عدا النفط، ولكون النفط مسعراً بالدولار، فإن انخفاض الدولار من شأنه أن يؤدي إلى خفض الإيرادات النفطية تبعاً لذلك. ولا بدّ أن نذكر في هذا السياق بأن السعي لخفض سعر الفائدة، أو العمل على خفض قيمة الدولار وإن كان يخدم الأهداف الاقتصادية والسياسية التي يسعى إليها الرئيس الأميركي إلا أن ذلك قد يكون على حساب موقع وأهمية العملة الأميركية على صعيد الاقتصاد العالمي، حيث إن استمرار ضعف الدولار، من شأنه أن يدفع المتعاملين في أسواق العملات إلى الاتجاه نحو عملات بديلة، وبالتالي يفقد الدولار على إثر ذلك مكانته كعملة الاحتياطي العالمي الأولى. هل أميركا حقاً على يقين بأنها تريد دولاراً ضعيفاً؟ هذا ما سوف يتبين خلال الفترة المقبلة في ضوء إصرار الرئيس الأميركي على خفض سعر الفائدة، وربما حتى السعي إلى استبدال رئيس البنك المركزي الأميركي.