الركائز العشر لنجاح برامج الخصخصة في دول مجلس التعاون الخليجي

  • 2022-04-03
  • 09:31

الركائز العشر لنجاح برامج الخصخصة في دول مجلس التعاون الخليجي

  • روجيه ربّاط

شريك في ستراتيجي & الشرق الأوسط (جزء من شبكة برايس ووتر هاوس كوبرز)

تسعى الحكومات في دول مجلس التعاون الخليجي لخصخصة حزمة من الأصول والقطاعات المملوكة للدولة في إطار برامج التنمية الاقتصادية الأوسع نطاقاً التي تتبناها هذه الدول. ومما لا شكَّ فيه، أنّ هذا الأمر من شأنه تحقيق مجموعة واسعة من المزايا كدفع عجلة النموّ الاقتصادي، وتعزيز تنافسية الأصول الحكومية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتسريع وتيرة التحسينات على مستوى معايير وممارسات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، وفي حين تتفاوت جهوزية دول المجلس في سعيها لتنمية القدرات اللازمة وتعزيز إجراءات العمل الضرورية للتعامل بكفاءة مع تحديات الخصخصة، قد تبدو مهمة تنفيذ برامج الخصخصة أمراً شاقاً للغاية، خصوصاً في حال رافقها بعض التأخير في الجدول الزمني المتوقع.

في هذا السياق، يمكننا تحديد عشر ركائز أساسية - مستقاة من الدروس المستفادة من برامج الخصخصة السابقة – باستطاعتها مساعدة حكومات المنطقة على تطوير وتنفيذ برامج الخصخصة بنجاح، علماً بأن هذه الركائز "لا تمثل العناصر الوحيدة الحاسمة" في برامج الخصخصة، إلا أنها تمثل من دون شك بعضاً من أهم العناصر الداعمة للنجاح.

أولاً، لا بدّ في البداية من تأسيس وتفعيل الجهة المنظمة للقطاع المستهدف بالخصخصة في مرحلة مبكرة، حيث تعدُّ الجهات المنظمة عاملاً محورياً في نجاح برامج الخصخصة، إذ إنها غالباً ما تمثل البوابة الأولى للتواصل الرسمي بين الحكومة والمستثمرين أو أصحاب المنشآت من القطاع الخاص. وعليه، ينبغي إرساء الهياكل والقدرات المؤسسية المناسبة التي تحقق الإشراف والحوكمة الواضحة والمأمولة لبرنامج الخصخصة.

ثانياً، ينبغي تأسيس إدارة عملية لحوكمة البرنامج، وذلك من خلال تشكيل لجانٍ مشتركةٍ تضم كبار المسؤولين وصُنّاع القرار في الوزارات والهيئات المعنية، على أن تجتمع هذه اللجان بصفة دورية لتقديم التوجيه الاستراتيجي، ومساندة فرق العمل الحكومية في تحقيق برنامج الخصخصة على أرض الواقع، وضمان اتخاذ القرارات اللازمة في الوقت المناسب.

ثالثاً، يجب ضمان شفافية المعلومات المقدمة للمستثمرين المحتملين وتمكينهم من الوصول للمنشآت والأصول والتواصل مع الفرق الإدارية في الهيئات العامة، نظراً الى حاجة المستثمرين للحصول على جميع المعلومات الضرورية، وهو ما يعني إتاحة الوثائق الكاملة والدقيقة وتقارير العناية الواجبة – بما يتضمن التقارير المالية والقانونية والفنية والضريبية - وتنظيم زيارات ميدانية لمواقع الشركة المستهدفة بالخصخصة، وعقد اجتماعات مكثفة مع فريق الإدارة، وإتاحة الفرصة المناسبة لطرح الأسئلة، وضمان التواصل المستمر بخصوص أحدثِ المستجدات المتصلة بعملية الخصخصة.

رابعاً، لا بدّ من اتخاذ التدابير الاستباقية المناسبة لحماية مصالح المواطنين والحكومة. فعلى سبيل المثال، تستطيع الحكومات أن تشترط تجميد – أو حتى إلغاء – مبادرات الخصخصة في حالة إخفاق مستثمري القطاع الخاص في تلبية طلب السوق أو في حالة انخراطهم في ممارسات تنافسية غير نزيهة، كما يمكن للحكومات السماح بدخول جهات جديدة للسوق إذا دعت الظروف لمثل هذا الإجراء، حتى في حال تم منح مستثمري القطاع الخاص امتيازاً حصرياً مبدئياً.

خامساً، ينبغي وضع الخطة المناسبة لضمان صحة وتنافسية الهيكل السوقي على الأمد الطويل – وذلك قبل البيع الفعلي لأية أصول بفترة طويلة - حيث إنّ تعزيز التنافسية في القطاعات المستهدفة بالخصخصة سيحول دون تمتع أي مستثمر من القطاع الخاص بالاحتكار الكلي أو الجزئي للسوق. وفي هذا السياق، يمكن الاستعانة بنماذج العمل المثلى المتطورة التي تعمل على قياس عوامل عدة- ومن بينها القدرة التشغيلية والإيرادات - للمساعدة في تحديد العدد الأمثل لشركات القطاع الخاص العاملة في السوق.

سادساً، من المهم تقليل أو تجنّب المخاطر الواقعة على المستثمرين جرّاء القرارات الحكومية المستقبلية التي من شأنها التأثير على الإيرادات. وبالنسبة الى العديد من مستثمري القطاع الخاص، فإن قيمة المؤسسات الخاضعة للخصخصة تعتمد بصورة أقل على قيمة الأصول التابعة لها مقارنةً بالإيرادات التي يمكن لهذه الأصول توليدها مستقبلاً – ولاسيما في القطاعات الخاضعة للتنظيم والرقابة الحكومية المكثفة ومنها على سبيل المثال: قطاعا المرافق والنقل العام. ولهذا السبب، يتعيّن على الحكومات توضيح القوانين والسياسات واللوائح التنظيمية التي قد تؤثر على نماذج عمل المستثمرين بالسرعة القصوى.

سابعاً، لضمان سلاسة انتقال العمال والموظفين إلى المؤسسات المخصخصة، يجب توافق الحكومة ومستثمري القطاع الخاص حول توقعات العاملين أثناء مرحلة الانتقال، وهو ما يعني تقديم المعلومات اللازمة للعاملين حول المسارات المهنية، والمستحقات، والتغييرات المحتملة في المسؤوليات، وأية تأثيرات أخرى متصلة. كل هذا لا بدّ أن يترافق مع سن القوانين واللوائح التنظيمية التي من شأنها تحديد كيفية التعامل مع الموظفين في القطاعات المستهدفة بالخصخصة.

ثامناً، وجوب طرح رؤية واضحة بخصوص كيفية التعامل مع الدعم الحكومي مستقبلاً، وصياغة نماذج العمل الخاصة للقطاعات المستهدفة بالخصخصة والتي تحكم آلية الدعم الحكومي في مرحلة ما بعد الخصخصة باعتبارها وسيلة فعّالة لتزويد مستثمري القطاع الخاص برؤية واضحة حول السبيل لتحقيق الأرباح مستقبلاً. وفي حين ستعمل العديد من الحكومات على تعديل الدعم الحكومي بمرور الوقت، إلا أن هذا الأمر قد لا يكون قابلاً للتحقيق في جميع الحالات. وبالنسبة الى المستثمرين فإن العنصر الأهم يتمثل في مدى وجود رؤية حكومية واضحة بشأن التوجه المستقبلي للدعم الحكومي.

تاسعاً، نظراً الى تعدد الأطراف المعنية ببرامج الخصخصة، لا بدّ من تحقيق الإدارة الفعّالة لعمليات التغيير والتواصل، علمًا بأن كل طرف يمتلك منظوره الخاص واهتماماته وتوقعاته المنشودة من عملية الخصخصة. وعليه، يتعين على فرق الخصخصة التابعة للحكومة إبقاء  جميع أصحاب العلاقة على اطلاع على أحدث المستجدات والتغييرات الطارئة في برنامج الخصخصة. وعلى نحوٍ مماثلٍ، ينبغي على الحكومات توعية المستهلكين بالمزايا العديدة التي تحققها الخصخصة لهم، وأن الفائدة المتوخاة منها لا تقتصر فقط على المنظومة الاقتصادية الأوسع نطاقاً.

عاشراً، المتابعة المستمرة للشركات في مرحلة ما بعد البيع. إذ بعد إتمام الصفقة، سيتعين على الحكومات اتخاذ التدابير اللازمة للتأكد من تحقيق الأهداف المنشودة من البرنامج – والاستعداد للتدخل في حالة عدم تحقيقها. فعلى المدى القصير، ينبغي على الحكومة أن تضمن استمرارية المنافسة النزيهة ضمن القطاع واستقرار (أو تحسين) الأسعار ومستويات الخدمة المقدمة للمستهلكين. أمّا على المدى الطويل، فسيتعين على الحكومات متابعة الأثر المحقق من الخصخصة على مستوى التنمية الاقتصادية، وتوليد الوظائف، والاستثمار الأجنبي.

من المعروف أن برامج الخصخصة معقدة وتستغرق وقتاً طويلاً بطبيعتها، وقد تبدو بالتالي أمراً شاقاً لا يمكن تحقيقه بسهولة، ولكن من خلال اعتماد هذه الإجراءات الضرورية التي أثبتت كفاءتها مراراً وتكراراً، يمكن تجنّب الكثير من المخاطر الشائعة والاستفادة من المزايا العديدة التي تحققها برامج الخصخصة.