لبنان: وقائع مالية ونقدية "تحتفي" بانتظام السلطة التنفيذية

  • 2021-09-16
  • 19:59

لبنان: وقائع مالية ونقدية "تحتفي" بانتظام السلطة التنفيذية

الليرة تستعيد "الجاذبية" واليوروبوندز ينتعش

  • "أوّلاً- الاقتصاد والأعمال"

 

ليس عادياً توالي الأخبار المالية والنقدية الجيدة في لبنان بعد عامين من القحط الشديد الذي تسبب بنفاد الاحتياطات الحرة لدى مصرف لبنان، من دون نفع يذكر في منع بلوغ الانهيار الشامل قعراً عميقاً أودى الى إفقار نحو 80 في المئة من السكان وذوبان استثنائي للطبقة الوسطى، فيما تبادلت قطاعات الاقتصاد والمال والمصارف قصبات "الماراثون" الذي كاد يقضي على كامل مخزون الثقة وركائز العمل والانتاج والنمو المبنية على مدى ثلاثة عقود.

للمتابعة:
حكومة لبنان الجديدة: سعر صرف الدولار 12 الف ليرة؟

ففي "عواجل" ميدانية واستثنائية بمضامينها وتأثيراتها على مجمل الترقبات الاقتصادية والسوقية، رافق انطلاق الحكومة حزمة وقائع تتزاحم في مفاعيلها الايجابية بشكل لافت ومثير، وكأنما جرى حشدها، أو ربما تنسيقها وتوقيتها، لتعكس بالتضامن والتكافل طريقاً مغايراً تماماً لمسار الجحيم الذي مسّ بلهيبه فئات كبيرة من المجتمع والمؤسسات، وتظهر معالم الضوء آخر النفق، ولو بعد حين.

في الأحدث، علم موقع "أولاً- الاقتصاد والأعمال"، أن حاكمية البنك المركزي تلقت إشعاراً موثوقاً بعودة ميمونة لاهتمام مؤسسات استثمارية خارجية بالأوراق المالية اللبنانية، وتجسّد هذا التطور النوعي باستطلاع مستثمرين شراء محفظة مصرف لبنان من سندات "اليوروبوندز" والبالغة قيمتها الاسمية نحو 5 مليارات دولار، وبسعر "مغر" للغاية قياساً بأسعار التداول محلياً وفي بورصة لوكسمبورغ.

وبحسب المعلومات المتوافرة من مصادر رفضت الكشف عن هويتها، فإن العرض الخارجي بلغ نحو 30 سنتاً لكل دولار، بينما كانت التداولات اندفعت بمتوسط التسعير في البورصة الى ما بين 16 و 17 سنتاً في اقفال يوم الخميس. وللمقارنة، تكون الاسعار تحركت بزيادات لافتة وواعدة من أدنى مستوياتها التي وصلت الى ما بين 11 و 12 سنتاً لكل دولار، تحت وطأة القرار "الهمايوني" الذي اتخذته حكومة الرئيس حسان دياب في آذار/ مارس 2020، والقاضي بالتخلف عن دفع مستحقات لأصول وفوائد السندات للعام نفسه، ما أدى تلقائياً الى استحقاق فوري لكامل المحفظة التي تتوزع استحقاقاتها حتى العام 2037، وهي تبلغ حالياً نحو 35 مليار دولار.

إقرأ أيضاً:
لبنان: توقيع عقد التدقيق الجنائي للبنك المركزي خلال أيام

ما لم تجاهر به المصادر، يسهل استنباطه من الارتياح البائن والثلاثي الأبعاد لدى أوساط الحاكمية والجهاز المصرفي. فالمحقق عبر تغير قواعد السوق لا يقتصر على تحسن الأسعار المريح نفسياً ومادياً. فثانيها غلبة الطلب وندرة المعروض، وثالثها عودة الحرارة الى خطوط التواصل مع الاسواق الدولية، وهذه الفوائد المجمعة في حزمة واحدة، تغني عن محاذير استجابة البنك المركزي للطلب الوارد من الخارج، ومن ثم تصنيف الفارق السعري كمؤشر سوقي مهم لحركة السندات الدولية في المرحلة اللاحقة.

أما على الجبهة المصرفية، فإن البيانات الخاصة بالسندات الحكومية الدولية تفيد بأن محفظة اليوروبوندز لدى المصارف تبلغ نحو 8.3 مليارات دولار، وبالتالي، فإن كل تحسن سعري سيضاف تلقائياً الى الأصول السائلة أو القابلة للتسييل، وهي قيمة نوعية تحتاجها المصارف بشكل ملح في الظروف القائمة ولو من دون الاضطرار الى بيع محافظها او اي شرائح منها.

أيضاً، يرتقب ان تكتسب هذه المحافظ قيماً اضافية ومكانة تصنيفية أعلى مبنيتين على التحسن الاضافي المفترض تبعاً للمفاوضات التي ستجريها الحكومة مع الدائنين طبقاً لما ورد في بيانها الوزاري، والآثار الايجابية المتوقعة من استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. بذلك تكون الفوائد مزدوجة من الناحية السعرية والتقييمية أولاً، ثم بتخفيف اثقال المخصصات، حيث إن المصارف ملزمة، بموجب تعميم صادر قبل سنة عن البنك المركزي، بحجز مخصصات تعادل 45 في المئة من حيازاتها من سندات اليوروبوندز ونسبة 1.89 في المئة على ودائعها بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان. وأمام البنوك ما يصل إلى خمس سنوات للإمتثال، ومددت إلى عشر سنوات بموافقة المجلس المركزي.


في الاثناء، كان لبنود البيان الوزاري الصدى الطيب لدى القطاع المصرفي والمالي، بعدما تمّ اعتماد عبارة "تصحيح أوضاع القطاع المصرفي" عوضاً عن إعادة هيكلته. فالتصويب مطلوب في المؤسسات العامة والخاصة كمقدمة لازمة للخروج من قعر الأزمة، فيما تشي إعادة الهيكلة بإلقاء المزيد من تبعات الفشل المالي للدولة ولتمركز توظيفات المصارف لدى البنك المركزي على البنوك، وبالتالي الاقتصاص منها، وهو ما جاهرت به حكومة حسان دياب علناً قبل أن تنكفئ "مضطرة" عن طرح انشاء خمسة كيانات مصرفية جديدة بديلاً من القطاع بأكمله.

في معلومات "أولاً- الاقتصاد والأعمال"، بادرت جمعية المصارف الى ردّ التحية بأحسن منها، وسيقوم وفد منها برئاسة سليم صفير بزيارات الى كامل أعضاء الفريق الاقتصادي للحكومة بمن فيهم نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي، على أن يتم عقد لقاء تتويجي مع رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي. ومن الواضح ان هذا التحرك يتعدى الاطار البروتوكولي البحت، ليدخل في صلب القضايا الحيوية التي تهم القطاع المالي وإبداء الاستعداد لشراكة مكتملة في صوغ خطط النهوض والتعافي وإعداد خطة التعافي التي سيتم طرحها في المفاوضات مع صندوق النقد.

ويقع في السياق، لقاء رئيس جمعية مصارف لبنان سليم صفير مع وزير المال يوسف خليل في إطار جولات يعقدها صفير لوضع المسؤولين بضوء الواقع الحقيقي للقطاع المصرفي ومناقشة الحلول الممكنة لاستعادة الثقة واعادة تكوين الودائع كما اطلاق التسليفات لتحريك العجلة الاقتصادية.

واكد صفير على ضرورة البدء بإعادة هيكلة القطاع العام لضمان تأمين بنية صلبة تكون ممراً إلزامياً لتصحيح الاختلالات في الاقتصاد وقطاعاته، كما شدّد صفير على اهمية ضمان حقوق المودعين وهو الشأن الاهم لدى المصارف، كذلك إعادة صياغة خطة إنقاذية تجمع كل الاطراف المعنية لتحديد الخسائر في ظل كل المتغيرات التي طالت الاقتصاد في السنتين الماضيتين كما وضع تصور واضح وشفاف لمسؤولية الدولة وحسن ادارة مواردها.

بالتوازي، كان لهبوط الدولار دون عتبة 14 ألف ليرة وقع الصدمة حتى للمحترفين من صرافي الأسواق الموازية. فالتقديرات للأثر النفسي المباشر على المبادلات النقدية تشاركت في تحديد هوامش تحرك ما بين 15 و16 الف ليرة في اكثر السيناريوهات تفاؤلاً، لكن الوقائع تعدّتها الى ما دون هذه المستويات وبوتيرة متغيرة نزولاً ساعة بساعة لتقترب مساء الخميس من 13.5 الف ليرة لكل دولار، فيما هبط سعر التداول على منصة مصرف لبنان الى 12.8 الف ليرة مقروناً بتلبية 750 الف دولار ليوم الخميس.

ومن المرجح، ان حصول لبنان على نحو 1135 مليون دولار من حقوق السحب الخاصة التي صرفها صندوق النقد لجميع الأعضاء حول العالم، ساهم بتعظيم الأثر النفسي الأولي، وسيكون له، وفقاً للمصادر المتابعة، انعكاسات أهم لاحقاً في اظهار مدى جدية الحكومة بتصويب الانفاق العام، ولاسيما انها حرة التصرف بالأموال انما عيون "جماعة" الصندوق تراقب كل كبيرة وصغيرة وستضع حكماً "التصرفات" المالية على مشرحة التفاوض اللاحق مع الحكومة اللبنانية.