النفط باق كمصدر أساسي للطاقة وأهميته قد تتراجع لمصلحة الطاقات النظيفة

  • 2021-06-02
  • 13:41

النفط باق كمصدر أساسي للطاقة وأهميته قد تتراجع لمصلحة الطاقات النظيفة

دول الخليج تستبق التغيير باستراتيجيات مبادرة لإنتاج الطاقة المتجددة والاستثمار في الهيدروجين

  • رشيد حسن

 

العالم يتغير. يتغير بسرعة بالنسبة الى شركات النفط الدولية وذلك بفعل ثلاثة عوامل متزامنة هي:

  1. جائحة كورونا التي ضربت الاقتصاد العالمي وأثرت كثيراً على الطلب الإجمالي على النفط وبالتالي على مداخيل الشركات المنتجة.
  2. تصاعد القلق بشأن المناخ الأرضي ومخاطر ارتفاع حرارة الغلاف الجوي وهو ما أدى إلى تصاعد الضغوط من جماعات البيئة لخفض انبعاثات غازات الكربون واعتماد الطاقة المتجددة وهو ما يفترض ان يخفف الطلب العالمي على النفط.
  3. العامل الثالث هو التقدم الكبير الذي تمّ إحرازه في قطاع الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح خصوصاً لجهة تكلفة الإنتاج بالكيلو واط والتي باتت تعطي للطاقات المتجددة ميزة تنافسية لم تكن تتمتع بها من قبل بالمقارنة مع الطاقة المنتجة من النفط ومشتقاته.

 

 

هجمات "بيئية" على شركات النفط

في هذا المناخ، تعرضت شركات النفط إلى نكسات غير مسبوقة تمثل أولها بحكم لمحكمة هولندية على شركة "رويال داتش شل" يتضمن إلزامها بخفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الناجمة عن عملياتها بنسبة 45 في المئة في حلول العام 2030 في وقت كانت شل عرضت خفضها بنسبة 20 في المئة مع الوصول إلى رصيد صفر في المئة انبعاثات في حلول العام 2050. النكسة الثانية لشركات النفط تمثلت بهزيمة إدارة شركة "إكسون موبيل" العملاقة في انتخابات مجلس إدارة الشركة إذ شهدت هذه انتخاب عضوين من أنصار البيئة بدعم من صناديق استثمار كبيرة، ثم إصدار المجلس الجديد تعليمات لإدارة الشركة بطرح استراتيجية واضحة تبين خطتها لخفض انبعاثات غازات الكربون والميثان وبالتالي القيام بقسطها في جهود الحد من ارتفاع معدلات الحرارة في جو الأرض. في اليوم نفسه، طلب مجلس إدارة شركة شيفرون من قيادة الشركة وضع أهداف محددة لحجم الخفض الذي ستنفذه في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون للنفط الذي تقوم ببيعه. 

وتعتبر مجموعات المناخ أن شركات النفط هي المساهم الأكبر في الانبعاثات التي تهدد بارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي للأرض بنحو درجتين مئويتين في مدى قريب مما قد يتسبب بارتفاع مياه المحيطات وباضطرابات كبيرة في الدورات الزراعية والمناخية. ورغم أن هذا الطرح لا يحظى باتفاق بين العلماء المختصين إلا أن نشطاء المناخ تمكنوا من فرض أجندة خفض الانبعاثات الكربونية وتحويلها عبر معاهدة باريس إلى اتفاق يتعين على الأطراف المعنية به كافة تطبيق ما يتعلق بها من التزامات.

عودة الولايات المتحدة

ومن الواضح أن فشل الرئيس الجمهوري دونالد ترامب في تأمين ولاية ثانية وصعود الديمقراطيين إلى الحكم أزال عقبة أساسية من أمام مجموعات البيئة تمثلت بمعارضة أكبر اقتصاد في العالم لفرضيات التغير المناخي وانسحابه من معاهدة باريس.

لذلك، تحركت الأجندة البيئية بقوة وبوتائر متسارعة مدعومة هذه المرة بفريق الرئيس الأميركي بايدن، فبدأنا نشهد تفعيلاً قوياً لاقتراحات ضريبة الكربون وإعلان دول عديدة نيتها الوصول إلى "الحياد الكربوني" وهو يعني عدم السماح بانبعاثات كربونية تزيد على ما يمكن للبلد امتصاصه عبر غطائه النباتي الطبيعي وأسطح المياه أو تقنيات احتجاز غازات الكربون، وكل هذه السياسات تترافق مع برامج طموحة للتحول من مصادر الطاقة التقليدية إلى مصادر الطاقة المتجددة ولاسيما الطاقة الشمسية وطاقة الرياح..

وبصوة عامة، فإن هناك مناخاً جديداً في العالم بدأ يولد ضغوطاً كبيرة على شركات النفط الدولية، وهي شركات مساهمة خاصة وتعمل في دول العالم الصناعي التي تشهد أقوى حركات أنصار البيئة، ومن شبه المؤكد أن حكم المحكمة الهولندية على شركة شل والتحركات داخل مجالس إدارة شركات النفط ستشجع على مبادرات عديدة من قبل الرأي العام أو القضاء في الدول المتقدمة بغرض تحقيق الهدف، وقد ينجم عن ذلك "حالة حصار" محبطة لشركات النفط الدولية تتمثل بصورة خاصة بقيود متزايدة على نشاطات الاستكشاف والإنتاج، بسبب قلق الحكومات على البيئة وكذلك قلق المساهمين من التراجع المتوقع في استهلاك النفط، وكذلك بسبب تردد البنوك والمستثمرين المتزايد في تمويل مثل هذه العمليات.

 

الشركات تحاول التكيّف

وتواجه شركات النفط هذا الواقع الجديد في وقت تعاني فيه أصلاً من خسائر كبيرة أولاً من جراء انهيار أسعار النفط ما بين العامين 2014 و2016 ثم من تراجع مبيعاتها نتيجة جائحة كورونا، فشركة أكسون موبيل مثلاً أعلنت عن خسائر بلغت 22.4 مليار دولار عن العام 2020 وهذه أول خسائر تتعرض لها الشركة منذ اندماجها في العام 1999 بينما أعلنت شركة بريتش بتروليوم عن خسائر بنحو 5.7 مليارات دولار وهي أول خسارة تسجلها منذ عشر سنوات، وأعلنت "شل" أيضاً عن خسائر صافية بنحو 21.7 مليار دولار في العام 2020 نتيجة الانكماش الاقتصادي العالمي وانخفاض أسعار النفط.  ونتيجة لهذه الخسائر قامت صناعة النفط والغاز والكيماويات الأميركية وحدها بتسريح مئات الألوف من العمال وخفض الأرباح الموزعة وشطب نسبة مهمة من الأصول خلال العام 2020.

طاقات المستقبل

أدت الضغوط على قطاع الطاقة التقليدية "الملوثة" إلى تراجع مستمر في الاستثمارات المخصصة للتنقيب عن النفط في مقابل قفزات كبيرة في حجم الاستثمارات الموجهة للطاقات المتجددة، ويذكر تقرير لـ "بلومبرغ" أن الاستثمارات الإجمالية في قطاعات الطاقة المتجددة أو المنخفضة الانبعاثات الكربونية بلغت نحو نصف تريليون دولار (501 مليار دولار) في العام 2020 وذلك في مقابل استثمارات بلغت نحو 458.6 مليار دولار في العام 2019 ونحو 235.4 مليار دولار في العام 2010، وتشمل هذه الاستثمارات الطاقة المتجددة ووسائط خزن الطاقة المولّدة (البطاريات) وشبكات شحن (تشريج) السيارات الكهربائية ومشاريع إنتاج الهيدروجين النظيف واحتجاز الكربون، إضافة إلى المشاريع الصغيرة البلدية والمنزلية لتركيب الطاقة المتجددة.

وبات من المتوقع أن تصبح مصادر الطاقة المتجددة (النظيفة) في العام 2025 المصدر الأول لتوليد الطاقة في العالم بدلاً من الفحم وفق توقعات مدير عام منظمة الطاقة الدولية، وفي ذلك التاريخ ستوفر مصادر الطاقة المتجددة نحو 50 في المئة من إنتاج الطاقة الكهربائية في العالم، ورغم أن الهند لا زالت تحتاج لبناء مصفاة جديدة كل عام فإنها أعلنت التحول التام نحو السيارات الكهربائية في العام 2030.

دول الخليج تستبق التغيير

إن تطور حركة البيئة وتوجه المجتمع الدولي لتسعير الكربون اتجاه يتوقع أن يتعزز ويتسع تأثيره سنة بعد سنة، وإن كان التوصل إلى "الحياد الكربوني" على نطاق عالمي سيأخذ وقتاً طويلاً، لكن دول الخليج بدأت تستشعر تبعات الموجة الجديدة ونوع الضغوط التي قد تبرز في وجهها كما برزت في وجه الشركات النفطية العالمية، وهي لذلك أطلقت جملة من السياسات والمبادرات التي تستهدف كلها استباق التغيرات الحاصلة عبر إعادة النظر في استراتيجيات الطاقة باتجاه استيفاء الشروط التي ستكون مطلوبة منها لجهة خفض نسبة الانبعاثات الكربونية الناجمة عن الاستهلاك الكثيف للطاقة المتولدة من النفط أو الغاز وفي الوقت نفسه أو تصدير النفط ومشتقاته. لكن دول الخليج تعتزم تطبيق استراتيجيات تلائم حاجاتها وأوضاعها وبالتالي تكييف نوع مساهمتها مع الجهود الدولية لحفظ المناخ مع نقاط القوة التي تتمتع بها وعلى الأخص دورها المهيمن في أوبك واحتوائها على ثروة هائلة من الغاز الذي يصلح كمادة أولية لتصنيع الهيدروجين الأخضر أو الأزرق كمصدرين نظيفين للطاقة، ويلاحظ أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي بدأت في تسريع عقود محطات إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، كما بدأت في الوقت نفسه في تنفيذ مشاريع طموحة لزرع 50 مليار شجرة في منطقة الخليج،  وهو ما سيؤدي إلى امتصاص كميات هائلة من الكربون ويطور المناخ الجاف الخليجي إلى مناخ أكثر اعتدالاً كما إنه يعطي لدول الخليج نقاطاً أو رصيداً بيئياً Carbon credits يمكن مبادلته مع التبعات التي ستنجم عن استمرار المنطقة كمنتج أساسي للنفط في العالم وبالتالي كمصدر "نظري" لقسط مهم من الانبعاثات الكربونية.

 

 

شركات النفط تتجه إلى الطاقة المتجددة

 

هناك توافق بين شركات النفط الكبرى على زيادة استثماراتها في الطاقة المتجددة لكن بوتائر بطيئة تساعدها على احتواء الانتقادات المتزايدة لدورها في انبعاثات الكربون مع تعهدها بالوصول إلى صفر انبعاثات صافية في حلول العام 2050 وهنا بعض الأمثلة:
شركة "توتال" الفرنسية أعلنت أنها ستزيد استثماراتها السنوية في الطاقة المتجددة إلى 3 مليارات دولار في حلول العام 2030 مع نية الوصول إلى رصيد صفر انبعاثات في حلول العام 2050.
شركة "بريتش بتروليوم" أعلنت أنها ستزيد استثماراتها في الطاقات المتجددة إلى 5 مليارات دولار في حلول العام 2030 وأنها تستهدف الوصول إلى صفر انبعاثات في حلول العام 2050.
شركة "شل" تخطط لاستثمار 3 مليارات دولار في الطاقات المتجددة حتى العام 2025  مع هدف التوصل إلى صفر انبعاثات في حلول العام 2050.
شركة "أكوينور" النروجية تتوقع استثمار نحو 10 مليارات دولار في الطاقات المتجددة في حلول 2025 كما إنها تعهدت بالوصول إلى صفر انبعاثات في حلول العام 2050.