كيف سيتم تمكين مودعي البنوك اللبنانية من سحب الدولار؟

  • 2021-06-01
  • 21:40

كيف سيتم تمكين مودعي البنوك اللبنانية من سحب الدولار؟

  • علي زين الدين

 يعصى على المودعين في البنوك المحلية، كما على المراقبين والمحللين، الاحاطة بكامل آليات تنفيذ خطة مصرف لبنان الموعودة، والرامية الى معاودة تمكينهم من السحب بالدولار النقدي أو بسعره السوقي بدءاً من مطلع شهر تموز/يوليو المقبل، بما يوازي تدريجياً، أي بالتقسيط، 50 ألف دولار متوزعة مناصفة بين الدولار والليرة بالسعر المعتمد على المنصة الجديدة ( 12 ألف ليرة لكل دولار) حالياً.

وبمعزل عن معلومات شبه مؤكدة، تربط اعداد المبادرة واطلاقها بتنسيق مسبق مع جهات سياسية فاعلة ومساندة في رفدها بمظلة قانونية مؤاتية وحامية، على قاعدة " أهل مكة أدرى بشعابها "، والحؤول دون انحرافات تستمد منطقها وبنودها من محفزات "شعبوية". فإنه يمكن تظهير الجوانب المعتمة او الملتبسة، من خلال رصد للمعطيات وتتبع حثيث مع مسؤولين في البنك المركزي والمصارف المعنيين مباشرة بترجمة "الوعد" الى حقيقة مفرحة للمودعين المكلومين بجفاف العملة الصعبة في حساباتهم والقيود المفروضة على سحوباتهم من حيث المبالغ و"تقريشها" بالليرة بسعر 3900 ليرة لكل دولار.

 لذا، سعى موقع "أوّلاً-الاقتصاد والأعمال" الى اماطة الستار عن بعض الجوانب المتصلة بالغموض الذي يكتنف "المبادرة " التي وردت في الاعلام الصادر عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والمشروطة مسبقاً بالحصول على "التغطية القانونية".

وآلت هذه المساعي المعززة بالتواصل مع مرجعيات مصرفية مطلعة الى استنتاجات مهمة يؤمل أن توضح معالم المشهد النقدي المستهدف من المبادرة وآلياتها وارتباطها باستحقاقات داهمة لا تقل أهمية وتأثيراً على المواطنين أولاً ومحاولة اعادة الانتظام الى الأسواق النقدية والمالية عقب 20 شهراً ويزيد من الفوضى العارمة. وفي الخلاصات:

- تتقاطع المعلومات بتقدم المشاورات بين البنك المركزي والمصارف بهدف الوصول الى خطة متكاملة مبنية على احصاءات محدثة بهدف اعتماد آلية تبدأ بموجبها المصارف بتسديد تدريجي للودائع التي كانت قائمة قبل 17 تشرين الأول 2019 وكما أصبحت في 31 آذار/مارس 2021، وذلك بالعملات كافة. لكن بلوغ النتائج المتوخاة، مرتبط أيضا بمساري مشروع قانون "الكابيتال كونترول" والمشروع الخاص بإصدار البطاقات التمويلية.

- أظهرت معطيات الاحصاءات أن تقسيط الشريحة المحددة بمبلغ 25 ألف دولار نقداً لكل مودع، سيتطلب 5 سنوات بالحد الأدنى، اي بمعدل يقارب 400 دولار شهرياً بالحد الأقصى لكل مودع تنطبق عليه المواصفات المحددة بتاريخ وديعته وعملتها، وذلك ربطاً بالتدفقات التي يمكن أن يؤمنها البنك المركزي من حساب الاحتياطات الالزامية، وبالمبالغ التي يمكن للبنوك تأمينها. وثمة اشارات بأنه سيجري توزيع "الأحمال" مناصفة للفترة الأولى بين المركزي والبنوك.

- يشكل صدور قانون تنظيم الرساميل وقيودها عن مجلس النواب، المرجعية القانونية لهذه الخطة وبنودها التنفيذية من جهة، والمظلة المانعة للتسبب بشكاوى قضائية داخل لبنان وخارجه من جهة موازية، ويمكن توصيف مبادرة البنك المركزي بالاستباقية لجهة معادلة السحوبات الممكنة مع الامكانات الفعلية المتاحة لديه ولدى الجهاز المصرفي بالليرة وبالدولار.

فاقتراح مشروع القانون تمكين المودعين من سحب 20 مليون ليرة شهرياً سيفضي سريعاً الى اغراق الأسواق بالليرة عبر المزيد من الطباعة للنقود. وسيشكل لاحقاً موجات عالية لطلب الدولار النقدي (البنكنوت) ورفع اسعاره الى مستويات قياسية متتابعة وخارجة عن أي قدرات تحكمية بالسيولة لدى السلطة النقدية، بينما ترمي المبادرة الى ضبط هذه السقوف بالعملتين ( ليرة ودولار ) دون مستوى 10 ملايين ليرة. وتتكفل منصة "صيرفة" بإعادة امتصاص أجزاء من الكتلة النقدية بالليرة من خلال المبادلات المشروطة بالعملات النقدية حصراً.

كذلك، فإن التوجس من إقرار بند يمكن المودعين من التحويل الى الخارج بحدود 50  ألف دولار أميركي سنوياً، يستوجب تحركاً استباقياً بسبب استحالة تنفيذه من قبل الجهاز المصرفي في وضعيته القائمة حالياً، وخصوصاً ان العديد من المصارف لا يزال يكابد في تأمين الالتزام بضخ ما نسبته 3 في المئة من اجمالي ودائعه لدى بنوك خارجية مراسلة.

- ليس من عقبات ظاهرة تحول دون تنفيذ سلس للشق الثاني من المبادرة، والقاضي بصرف 25 ألف دولار بالليرة على سعر المنصة الجديدة. فتقسيط هذه المبالغ، وفقاً لآلية السحب بالدولار النقدي، يعني عملياً تمكين المودع من سحب 5 ملايين ليرة شهرياً.

- سيكون متاحاً للمودع تحرير"حصته" من الدولار بالليرة أيضاً. ويؤمل مع منح المصارف صلاحية القيام بأعمال الصرافة كافة، وتشغيل منصة صيرفة المستحدثة بطاقتها كاملة، بمشاركة ثلاثي البنك المركزي والمصارف وشركات الصرافة، خلق سوق بديلة تحدّ من سيطرة الأسواق الموازية وتجار العملات على المبادلات النقدية. وبالتالي، توثيق معظم عمليات العرض والطلب اليومية، مما يمهد لإعادة الانتظام الى سوق القطع، وتحرير انسيابي لسعر صرف الليرة الذي يشكل، مع قانون "الكابيتال كونترول" وتمكين المودعين من السحب، خطوات مهمة واساسية لصوغ الاتفاق الموعود مستقبلاً مع صندوق النقد الدولي والاستجابة لمطالب المانحين والمؤسسات المالية الدولية.

وبالفعل، فقد أكد الحاكم أن منصة "صيرفة" (SAYRAFA)، أي المنصة الالكترونية لعمليات الصرافة بمشاركة المصارف والصرافين، تؤمن شفافية في الأسعار وفي المشتركين فيها بحيث لا تشمل الصرافين غير الشرعيين، وبأن مصرف لبنان سيقوم بالتدخل عند اللزوم لضبط التقلبات في أسعار سوق الصيرفة، علماً أن السعر ستحدده حركة السوق التي ستكون مفتوحة أمام الأفراد والمؤسسات.

- لم تتضح، حتى الساعة، التأثيرات المتبادلة في توزيعات النقد بالعملات الصعبة بين السحوبات والبطاقات التمويلية. فبحسب مصادر متابعة، قد تحتاج تلبية السحوبات بالدولار في السنة الأولى الى أكثر من ملياري دولار يسعى البنك المركزي الى تغطيتها مناصفة مع البنوك، بينما تسود الضبابية كامل المكونات التي سيجري اعتمادها في اصدار البطاقات التمويلية ومصادر ضخ الأموال فيها، علماً أن وزير المال غازي وزني أكد بأنها ستكون بالدولار وبقيمة 137$ للأسرة الواحدة وبإجمالي كلفة تبلغ مليار و135 مليون في السنة كما سيستفيد منها 750 ألف أسرة لبنانية أي نحو 80 في المئة من الأسر اللبنانية.

- من نافل القول، إن العلة المستحكمة تكمن في"غياب حكومة فاعلة تقوم بالإصلاحات المطلوبة، وتستعيد علاقات لبنان العربية والدولية والثقة الداخلية والخارجية"، وفقاً للتوصيف الوارد في اعلام سلامة. ومن البديهي، أن يؤثر سلباً طول أمد هذه الوضعية الشاذة أو تبديد الآمال المعلقة على الخروج الوشيك من دوامتها، على أي معالجات موضعية وذات طابع تقني. وبالتالي، ستنحسر حكماً كامل التطلعات المستهدفة من "إطلاق مبادرة تهدف الى إراحة اللبنانيين ضمن القوانين والأصول التي ترعى عمل مصرف لبنان". ولعله من باب التحوط اللازم، حسم سلامة توجهاته بموضوع استمرار الدعم على عواهنه، فذكّر انه "حفاظاً على استمرارية مقاربة الدعم وفق ما تقتضيه المصلحة اللبنانية العليا ومصلحة المودعين، والتزاماً بقانون النقد والتسليف، وجّه مصرف لبنان كتباً إلى الوزارات المعنية من أجل ترشيد الدعم، وهو ينتظر الأجوبة الواقعية، والتي يمكن تنفيذها قانوناً".

- بالتوازي مع الجهود التقنية، حرص سلامة على "مناشدة المسؤولين إلى الإسراع نحو الحلول الجذرية المطلوبة للإصلاح والنهوض بالاقتصاد ما يؤمن نهضة شاملة للوضع المالي"، ومن المفهوم في هذه المعادلة أن أي معالجات مؤقتة ستكون فعاليتها معلقة على منحى تطور الأوضاع السياسية والداخلية.