الصناعة اللبنانية: الأزمة نعمة أم نقمة؟

  • 2020-02-10
  • 11:24

الصناعة اللبنانية: الأزمة نعمة أم نقمة؟

  • رانيا غانم

 تركت الأزمة الاقتصادية والنقدية التي يمر بها لبنان آثاراً سلبية على القطاع الصناعي فيه، لكنها قد تشكَل  في جانب منها، المدخل لإعادة تنشيط هذا القطاع باعتباره واحداً من القطاعات الحيوية ويمكن من خلاله إدخال العملة الصعبة إلى السوق المحلية وعليه إنعاش الاقتصاد اللبناني المترنح، ما دفع البعض إلى التساؤل عما إذا كانت الأزمة ستكون نعمة على القطاع أم نقمة؟

اليوم يعيش القطاع مشكلات متشعبة، لكن ثمة فرص كبيرة أمام المصانع اللبنانية للاستحواذ على حصة أكبر من السوق نظراً لقدرتها على منافسة المنتوجات المستوردة من حيث الأسعار، وإن كانت دونها تحديات كثيرة أهمها أن هذه المصانع تحتاج إلى استيراد المواد الأولية من الخارج بالعملة الأجنبية. وفي ظل وجود سعرين للدولار فإن احتمالات نجاح المصانع المحلية في طموحاتها تبقى ضئيلة ورهينة خطط منتظرة من قبل الحكومة اللبنانية ومؤسساتها الرسمية المعنية بتطوير القطاع ووضعه على سكة النمو.

مشكلة تأمين الدولار وضوابط التحويلات

"أزمة الدولار" كما بات يصطلح على تسميتها، بالإضافة إلى الضوابط المفروضة على التحويلات المالية الخارجية، باتت تشكّل لبّ المشكلة بالنسبة إلى المصانع المحلية المضطرة إلى استيراد المواد الأولية من الخارج بالعملة الصعبة. هذه المشكلة أدت أخيراً إلى جملة تحركات للمصنّعين اللبنانيين بهدف فك القيود المفروضة من قبل المصارف على حرية تصرفهم بأموالهم، فطالبوا، بحسب رئيس جمعية الصناعيين في لبنان فادي الجميل، مصرف لبنان بضرورة تخصيص ثلاثة مليارات دولار، وهي القيمة التي توازي قيمة الصادرات اللبنانية، لتأمين المواد الأولية لإنتاج يقدّر بنحو 10 مليارات دولار، لكنّ مصرف لبنان لم يبد تجاوباً حتى اليوم. علماً أن المصرف كان قد وضع في الآونة الأخيرة آليات لاستيراد القمح والمحروقات والدواء، من دون أن تتطرق تلك الإجراءات إلى المواد المتعلقة بالصناعة بالرغم من أهميتها، وهنا يشدد  الجميل على أهمية تأمين مبلغ 300 مليون دولار على الأقل  لاستيراد مواد أولية صناعية بأسرع وقت ممكن وإلا "سيدخل القطاع الصناعي في لبنان في حالة من التدهور الخطير".

وعلى هذا الأساس، يشير أمين عام نقابة الصناعات الغذائية منير البساط إلى أن "الحاجة إلى المواد الأولية أدت إلى انخفاض انتاج القطاع الصناعي المحلي، علماً أن الطلب على المنتجات اللبنانية لا يزال كبيراً"، ويعرب البساط عن تخوفه من فقدان بعض المواد الأولية التي يؤمنها الصناعيون من تجار محليين، وعليه الاضطرار القسري إلى توقف بعض خطوط الإنتاج. 

وربما هذا ما دفع بالمصارف في الفترة الأخيرة إلى فتح حسابات خاصة بالصناعيين المصدرين وتخولهم تحويل الأموال الوافدة بعد ثورة 17 أكتوبر/ تشرين الأول من الخارج لشراء المواد الأولية اللازمة لصناعتهم. ويقول البساط: "ساهمت هذه الخطوة في تأمين استمرارية الإنتاج، لكنها لا تكفي وينبغي أن تستكمل بإجراءات تضمن ديمومة الإنتاج الصناعي". لكن المشكلة تكمن لدى المصنعين غير المصدرين الذين يصرّفون إنتاجهم في السوق المحلية الأولية والذين يعمد الكثير منهم إلى شراء النقد الأجنبي من الصرافين للاستيراد، ما يجبرهم على رفع أسعار منتجاتهم. ويعتبر البساط أن الصورة ستبقى ضبابية في المستقبل القريب في حال بقيت المصارف متحفظة على إعطاء التسهيلات للصناعيين، لأن معظمهم غير قادر على تمويل عمليات الاستيراد. وهذا ما دفع بجمعية الصناعيين إلى التأكيد على ضرورة اتخاذ إجراءات من شأنها خفض الأعباء عن كاهل الصناعيين، تتمثل بإعادة جدولة القروض وخفض الفوائد عليها أسوة بالتخفيضات التي طالت الفوائد على الودائع.  

هل يمكن الاستفادة من الأزمة؟

في مواجهة وجهة النظر المتشائمة إلى القطاع الصناعي في لبنان، ثمة وجهة نظر أخرى تؤكد إمكانية إفادة المصانع اللبنانية من الأزمة. ذلك أن ارتفاع سعر صرف الدولار في مقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء خلق فرصة أمام المنتجات المحلية للمنافسة إذ يمكن للمصنّع اللبناني أن يخفض أسعار منتجاته بالدولار فيرفع هامش أرباحه خصوصاً إذا كان يدفع قيمة الفواتير التشغيلية ورواتب العاملين بالليرة اللبنانية.

ويقول مدير عام وزارة الصناعة اللبنانية داني جدعون أنه ثمة إمكانيات كبيرة أمام المصانع للتوسع وزيادة حصتها في السوق المحلية لتشكل المنتجات المحلية 60 بالمئة من إجمالي الاستهلاك". ويفضي هذا في نهاية المطاف إلى خفض فاتورة الاقتصاد وكذلك الحاجة إلى النقد الأجنبي الذي يفتقد تدريجياً من المصارف.

بدوره، يرى نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش أن هناك فرصة ذهبية للمصنع المصدر لزيادة تنافسيته في الأسواق الخارجية، إذ أن قيمة النقد الأجنبي التي يحصل عليها ارتفعت في مقابل الليرة، في الوقت الذي يدفع الدولار فقط للمواد الأولية". وتملك المصانع المصدرة القدرة على شراء المواد الأولية لصناعتها لأن لديها النقد الأجنبي.

ويؤكد الجميل أن هناك فرصة حالياً للاستثمار في القطاع الصناعي لتلبية حاجات السوق، ومجالات الاستثمار كثيرة يتمثل أبرزها في صناعة المعدات والآلات والألبسة والجلود. يقول: "الصناعة في مرحلة انتقالية حالياً، ولها مستقبل واعد، وإحدى الحلول لخلق فرص العمل".

من جهته، يشدد البساط على ضرورة الإفادة من هذه الميزات لزيادة القدرة الإنتاجية للمصانع الغذائية التي تشكل نحو 25 في المئة من إجمالي المصانع. ويلفت النظر إلى أنه في الفترة الماضية عمد منتجو الحليب إلى تلف منتجاتهم نظراً لعدم قدرتهم على تسويقه، وهذه فرصة للإفادة من هذا الإنتاج. ويضيف: "لا يمنع أن يستورد التجار نوعيات غير موجودة في السوق، ولكن المشكلة أن الاستيراد فتح على مصراعيه لجميع المنتجات".   يقول: "تؤمن الزراعات الصناعية جزءاً كبيراً من حاجة المصانع المحلية، ويبقى عليها أن تؤمن جزءاً بسيطاً من المواد الأخرى كالعبوات البلاستيكية أو الكرتون والمواد الحافظة من الموردين". يضيف: "يخولها ذلك الحفاظ على أسعارها أو رفعها بهامش بسيط". يمكن أيضاً لقطاع الأحذية والجلود أن يفيد من هذا الواقع أيضاً نظراً لتوافر مادة الجلود محلياً. يشير جدعون إلى أن الجلود المتوافرة تغطي نحو 70 بالمئة من حاجة المصنعين.

ويوضح بكداش أنه في حال أنتجت المصانع بكامل قدرتها الإنتاجية يمكن أن تغطي بحدود 20 بالمئة من الواردات غير النفطية التي تبلغ نحو خمسة مليارات دولار. بدوره، يؤكد الجميل، أن الصناعة المحلية قادمة على مرحلة جديدة لعدة أسباب أولها ارتفاع منسوب ثقة اللبنانيين بجودة المنتجات المحلية وتنوعها. والسبب الثاني يعود إلى القناعة التي ترسخت لدى القيمين على السلطة بأهمية القطاعات الإنتاجية والدور الذي يمكن أن تلعبه في خفض العجز في الميزان التجاري وخلق فرص العمل لجميع الفئات وبالتالي إعادة إحياء الاقتصاد. 

لا استثمارات ولا نوايا توسعية

على الرغم من أن الصناعة اللبنانية تشكّل نحو 46 في المئة من الاستهلاك المحلي، بحسب إحصاءات غير محدّثة كانت نشرتها وزارة الصناعة اللبنانية في العام 2017، فإنه لا بوادر رسمية لوضع خطط مبنية على هذا الرقم لتطوير القطاع وتعزيزه. وعليه فقد تمّ إقفال عدد من المصانع المحلية في الأيام الماضية لأسباب عدة ليس أقلها المنافسة الشرسة من قبل الأسواق الخارجية المدعومة بكلفة إنتاج زهيدة.

وفيما لا تزال المصانع تكابد لنفض غبار الأزمة في محاولات فردية للخروج من عنق الزجاجة، يبدو أن أي فرصة ستظل رهينة تحسن الظروف الراهنة، نتيجة إحجام المستثمرين عن الانفاق على القطاع، وبحسب بكداش: "عدم إبداء أرباب القطاع نفسه لأي نية أو رغبة بتوسيع مصانعهم وشراء خطوط جديدة لزيادة انتاجهم".