السودان: تحولات غير تقليدية على طريق التغيير الكبير

  • 2021-04-19
  • 18:00

السودان: تحولات غير تقليدية على طريق التغيير الكبير

  • علي زين الدين

 

يعصى على المراقب رصد كامل التحولات الكبرى التي يشهدها السودان. فالبلد الخارج من أتون سوء الإدارة والحكم على مدى عقود بما أفرزته من بنية اقتصادية مترهلة وأوضاع اجتماعية ومعيشية قاسية، انخرط سريعاً، ومن دون تسرع، في بوابة التغيير الهيكلي والشاملة في ادارته السياسية والاقتصادية، محققاً أولى الأهداف الثمينة بالخروج الآمن من منظومة العقوبات الأميركية والخارجية، ومدعوماً بمظلة دولية وارفة عمادها هيئة الأمم المتحدة والمؤسسات المالية الدولية.

بين واشنطن والخرطوم خط ساخن وخطوط امداد تتعدى النطاق التقني. تبادر الادارة السودانية فتلاقيها الادارة الأميركية بالدعم والمساندة. المثير في "الانسجام" المستجد انه نقل السودان بوضوح تام "لمن يريد أن يعلم ويتعظ"، من موقع العداء الى منظومة الحلفاء، بحيث أضحى رفع العقوبات "عربوناً" لمساهمات مؤثرة وفاعلة في القضايا الأكثر أهمية ووزناً، من الملفات الداخلية الشائكة التي طالما زعزعت الاستقرار السياسي للبلاد الى "الجنوب" السوداني المنفصل من دون أن يفلح بتأسيس دولة مكتملة المواصفات الى أزمة سدّ النهضة الأثيوبي الذي ينذر بتداعيات خطرة على الاقتصادين والمجتمعين السوداني والمصري.

ولا يخفى في يوميات المتابعة، ملاحظة الحماسة المعززة بالاستجابة الحسية من قبل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مع مبادرات الحكومة السودانية المتتالية ضمن الخيار الاستراتيجي لإجراء إصلاحات اقتصادية عميقة وشاملة للقطاعات كافة، ومع الادراك المسبق لماهية التغيير الهيكلي التي ستفضي اليه هذه الخطوات النوعية والتي ستقلب عملياً وضعية الاقتصاد الوطني وهويته، "فتحسين الاقتصاد تحدٍ كبير يواجه الحكومة والشعب السوداني، ولذلك تبنت الحكومة هذه الإصلاحات القاسية والجراحات المؤلمة الضرورية لإطلاق الطاقات المادية والبشرية لهذا البلد العملاق الغني بموارده ".

فالسودان حقيقة بلد فقير ومثقل بالديون رغم ثرواته الهائلة الكامنة في موارده النفطية والزراعية والمائية والمواد الأولية. لكن، وبحسب أحدث تقرير لبعثة صندوق النقد، فإن توحيد سعر الصرف، وإلغاء دعم الوقود، والتدابير الضريبية المتخذة كجزء من ميزانية 2021، وزيادة تعرفة الكهرباء، ستؤدي إلى تقليل التشوهات في الاقتصاد السوداني وتسهيل ضبط أوضاع المالية العامة.

وبغية الحفاظ على التقدم والوفاء بمتطلبات تخفيف عبء ديون البلدان الفقيرة المثقلة بالديون، تنصح المؤسسات الدولية بإصلاح سعر الصرف الجمركي في الوقت المناسب لزيادة الإيرادات والقدرة التنافسية، وتجنب العودة إلى تدابير السياسة المشوهة، بما في ذلك ممارسات العملات المتعددة والإعانات المالية. كذلك، فإن تعزيز الشفافية وإدارة عمليات الشركات المملوكة للدولة من الأمور الحيوية للتخفيف من المخاطر المالية وتحقيق المزيد من الإيرادات في الميزانية، فضلاً عن أن اعتماد قانون البنك المركزي في الوقت المناسب وإنشاء لجنة مستقلة لمكافحة الفساد سيساعدان على تعزيز الاستقلال المؤسسي والحوكمة.

هكذا يمكن استنباط ترقبات ما بعد "المخاض" الصعب الذي تخوضه البلاد في المرحلة الحاضرة، وقد تمّ تحديد الاهداف بوضوح، وفي مقدمها التخلص من أزمة الثقة والعزلة مع العالم الخارجي التي وصلت الى مستويات غير مسبوقة، وتسببت بانحدار تواصلي لمؤشرات التنمية والتعليم والصحة وحقوق الإنسان، وتقدمت في مؤشرات الفساد والإرهاب والعنف المقنن.

ولم يتوجب على الادارة السودانية الانتظار طويلاً لقطف الثمار الدولية. فالواضح أنها تحوز "خريطة الطريق" وتدرك معالمها وآلامها في المحطات ذات الصلة بمعيشة الناس، كما هي تظهر قناعة راسخة بما تقرره والتزاماً بمسؤولية عدم الانكار في تحديد الفجوات ومستوى القعر الذي انزلق إليه فساد الدولة ومؤسساتها، والذي بلغته الأوضاع الاقتصادية كافة وخصوصاً النقدية والمالية والمصرفية والاستثمارية، كذلك مستوى الدرك الذي بلغته الأوضاع الاجتماعية لجهة شظف العيش والبطالة.

فقد أكد ديفيد مالباس رئيس البنك الدولي أنه متفائل بأن تحقيق استقرار سعر الصرف والإصلاحات المتخذة في السودان سيفضيان إلى نمو واسع النطاق وتراجع الفقر، مبشراً "أنه يتوقع تسوية سريعة لمتأخرات البنك الدولي المستحقة على السودان، مبدياً أمله في إحراز تقدم سريع صوب قرار بالإعفاء من الدين".

كذلك، شهد رئيس بعثة الأمم المتحدة المُتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) فولكر بيرتس، "أن السودان يحرز تقدماً كبيراً في العملية الانتقالية، غير إن التحديات المتبقية هائلة"، محدداً، في أول إحاطة له أمام مجلس الأمن، بعد خمسة أسابيع من تسلمه لمنصبه "أن الأهداف الاستراتيجية الأربعة لبعثة يونيتامس واضحة، ألا وهي دعم الانتقال السياسي، وعمليات السلام وتنفيذ اتفاقاته، وبناء السلام، وتعبئة الموارد الخارجية".

الطريق طويلة بمطباتها وأشواكها وآلامها. تعلم الادارة السودانية جسامة المسؤوليات الملقاة على عاتقها. يقول رئيس الوزراء: الجهد الأكبر المطلوب هو الإصلاح الداخلي مثل بناء المؤسسات الوطنية واصلاح السياسات والقوانين والتشريعات والإصلاح المؤسسي وعلى رأسها إصلاح الخدمة المدنية وإصلاح بيئة الأعمال والاستثمار للمواطن السوداني أولاً الذي عبره تتهيأ الساحة للمستثمر الأجنبي ثانياً، ويجب أن ندرك ألا إصلاح اقتصادي حقيقي إلا بتحرك عجلة الإنتاج وضمان انخراط فئات عديدة أهمها الشباب وذوي المهارات والحرف والمهنيين في مشروعات نهضوية كبرى، تستوعب قدراتهم وتحولها لتروس في ماكينات الإنتاج.