التمويل الأخضر: فرصة ثمينة تُضاهي تريليوني دولار

  • 2021-04-04
  • 11:15

التمويل الأخضر: فرصة ثمينة تُضاهي تريليوني دولار

  • د.شهاب البرعي

شريك في استراتيجي أند الشرق الأوسط

ينصب تركيز الحكومات والشركات في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل متزايد على الاستدامة البيئية، إلا أن القطاع المالي لم يتمكن من مواكبة هذا التطور حتى وقتنا الحاضر. 

تطوير هيكليات التمويل الأخضر يضيف نمو اقتصادي بـ 2 تريليون دولار للمنطقة 


فرص نمو على أكثر من مستوى 

وقد يُساهم تطوير الهيكليات والآليات الصحيحة للتمويل الأخضر في إطلاق العنان لفرصة هائلة أمام دول المنطقة، تتمثل في تحقيق نمو اقتصادي تصل قيمته إلى تريليوني دولار، واستحداث أكثر من مليون فرصة عمل بحلول عام 2030. علاوةً على ذلك، يُمكن أن يُساعد التمويل الأخضر - الذي يأخذ بعين الاعتبار التأثير البيئي للاستثمارات إلى جانب العوائد المالية البحتة – على تسريع الوصول إلى الأهداف المنشودة لمعظم دول المنطقة عبر تحقيق التنوع الاقتصادي، واستحداث فرص العمل، وجذب الاستثمارات الأجنبية في حال تمت الاستفادة منه على الوجه الصحيح. ولاغتنام هذه الفرصة، لابد لحكومات دول مجلس التعاون الخليجي من التركيز على أربع أولويات أساسية وهي سن السياسات المتعلقة بالاستدامة، وإنشاء هيئات جديدة متخصصة بالاستثمار الأخضر، وتعزيز أسواق المال، وإنشاء آليات إعداد التقارير القياسية والشفافة للأداء البيئي أو الانضمام إلى المنظمات العالمية المعنية.

مستثمرون ضخوا 156 مليار دولار في صناديق الاستثمار المستدام في 2019 


الاستثمار المستدام 

وأضحت الاستدامة اليوم الأولوية المجتمعية الرئيسية في شتَّى أرجاء العالم. ولا تتخذ المؤسسات المالية الكبرى اليوم قرارات الاستثمار إلا بعد إجراء دراسة متأنية للمخاطر البيئية والاجتماعية ومخاطر الحوكمة.  ويتولى أكبر مديري الأصول وشركات التأمين وأسواق الأوراق المالية في العالم بإعادة توجيه الموارد على نطاق واسع نحو الاستثمارات المستدامة، بهدف تحقيق آثار ملموسة بالنسبة للحكومات والمستثمرين والشركات على حد سواء. فعلى مستوى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على سبيل المثال، ضخ المستثمرون في العام 2019 مبلغ قياسي قدره 156 مليار دولار في صناديق الاستثمار المستدام، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف المبلغ الذي تم ضخه في العام السابق.

الاستثمار المستدام يعوض تراجع الاستثمار الأجنبي


ويُمكن أن يساهم هذا النوع من الاستثمار في معالجة الانخفاض الحاد في الاستثمار الأجنبي المباشر الذي شهدته المنطقة في الآونة الأخيرة. ففي العقود السابقة، كان بمقدور دول مجلس التعاون الخليجي بسهولة جذب المستثمرين الأجانب الباحثين عن الفرص الاستثمارية في قطاع الهيدروكربونات منخفضة التكلفة التي كانت تشهد طلباً مرتفعاً من عدد من القطاعات الصناعية كالتكرير والبتروكيماويات. ومع تزايد الوعي البيئي والاجتماعي وتشديد الحوكمة، تراجعت رغبة المستثمرين في هذه الصناعات بشكل ملحوظ، ما أدى بدوره إلى انخفاض معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر. وبحسب إحصاءات البنك الدولي، انخفض هذا الاستثمار في دول مجلس التعاون الخليجي بنحو 40 في المئة خلال العقد الماضي وهو مايشكل نسبة معتبرة من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول.

 

تتقل تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر في المنطقة بنحو 3 مرات مقارنة بالمستويات العالمية

 

كيف لدول الخليج أن تستفيد؟ 

ولتعويض هذا الانخفاض في الاستثمارات، تستطيع دول مجلس التعاون الخليجي الاستفادة من ميزتها التنافسية الجديدة المتمثلة في توافر الموارد المتجددة منخفضة التكلفة، حيث إن تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر أقل بنحو 2.5 إلى 3 مرات في المنطقة مقارنة بالمستويات العالمية، وفقًا لتقارير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة والمحللين في استراتيجي آند. وفي حين قد تكون المشاريع التقليدية القائمة على الهيدروكربونات في المنطقة أقل جاذبية من حيث استقطاب التمويل الأخضر، إلا أن الفرص الناشئة في مجال الطاقة المتجددة واحتجاز الكربون والاستفادة منه في تزايد مستمر. 

أربع خطوات استراتيجية 

وسعيًا لتحديد فوائد الاستثمار الأخضر من حيث التنويع الاقتصادي والنمو، قمنا بدراسة ستة قطاعات رئيسية غير نفطية في دول مجلس التعاون الخليجي، تشمل الطاقة والمياه والبناء والنقل والغذاء وإدارة النفايات. وتشير توقعاتنا إلى أن المساهمة التراكمية في الناتج المحلي الإجمالي لهذه القطاعات مجتمعة قد تصل إلى تريليوني دولار أميركي حتى عام 2030. ومع التوسع في هذه القطاعات، نتوقع أن يسهم ذلك في إضافة أكثر من مليون فرصة عمل بحلول عام 2030. وهي فرصة ثمينة يُمكن لحكومات دول مجلس التعاون الخليجي اغتنامها من خلال تنفيذ أربع خطوات استراتيجية: 

  • أولاً: سن سياسات تُعزز الاستدامة البيئية في جميع القطاعات . وتشمل هذه السياسات فرض رسوم على انبعاثات الكربون العارضة والبلاستيك والمواد الأخرى التي لها تأثير سلبي على البيئة. كما يجب اعتماد معايير تنظيمية مُحسَّنة للانبعاثات وإعادة التدوير وأكواد البناء، إلى جانب تقديم حوافز في مجالات مثل استخدام الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية.

  • ثانيًا: إنشاء صندوق سيادي أخضر جديد يتمتع بالمصداقية والقدرات اللازمة للتعامل مع المستثمرين الدوليين وجذبهم. وينبغي ألا يكون هذا الصندوق مُقيداً بالعقلية الموروثة في المنطقة فيما يتعلق بالاستدامة، والتي تنظر  إليها كعبء إضافي على التكلفة وليس كفرصة سانحة ينبغي اغتنامها.

والأهم من ذلك، يجب أن يعمل هذا الصندوق الاستثماري كشريك أقلية موثوق يجذب المستثمرين الدوليين والمحليين من القطاع الخاص، بدلاً من إبعادهم. والمنهج الصحيح الذي ينبغي اتّباعه عند تأسيس الصندوق هو ضخ رأس المال التأسيسي فقط حيث يُمكن للحكومات التي تخلق البيئة المناسبة للتمويل الأخضر أن تستثمر شريحة صغيرة من رأس المال المطلوب وتجذب الباقي من الشركات الاستثمارية والمؤسسات الأخرى حول العالم. وفي الواقع، يُمكن للحصص الخارجية أن تتجاوز حصة الحكومة بنسبة 11 إلى واحد.

  • ثالثًا: الاستمرار في سياسة الانفتاح وتعزيز أسواق المال في المنطقة. ويتمثل المعوق الرئيسي في هذا الصدد في أن أسواق المال لا زالت غير متطورة بالشكل الكافي. وسيسمح تطوير أسواق المال هذه للمستثمرين بالتخارج بسهولة من الاستثمارات الناجحة. بالإضافة إلى ذلك، ستسهم الأسواق في مساعدة المستثمرين على الوصول إلى الصناديق الخليجية، مثل تلك التي يمتلكها الأفراد والعائلات من أصحاب الثروات الكبيرة.

  • رابعًا: بناء أنظمة تقارير شفافة وموحدة وشاملة. وسيسمح ذلك للمستثمرين من خارج المنطقة بالحكم على أداء مبادرات الاستدامة بشكل موضوعي. ونظرًا لصعوبة قياس العوائد البيئية، يُمكن للأطر التنظيمية وأدوات التحقق المنهجية أن تساعد الحكومات في الحفاظ على مصداقية أجندتها الخاصة بالاستدامة.

تمثل آليات القياس والتقارير الشفافة تحديًا حقيقياً لمبادرات الاستدامة في جميع أنحاء العالم، ومن المستبعد أن تعمد حكومات المنطقة إلى معالجة هذا التحدي بمفردها. ولكنها ستنجح في إحراز تقدم أسرع، وسيكون لديها مصداقية أكبر، من خلال التعاون بشكل استباقي مع المنظمات الدولية التي تعمل بالفعل على تطوير الاعتماد والتقارير البيئية والاجتماعية وتقارير الحوكمة.

لقد شرعت دول مجلس التعاون الخليجي بالفعل في اتباع طريق التحول إلى الاستدامة. والقضية الرئيسية الآن هي من سيمتلك المقومات الأفضل لدعم هذه المبادرات والحصول على نصيب الأسد من المكسب الاقتصادي. إنه سباق لاحتلال مكانة متميزة والتفرد والاستحواذ على حصة في سوق التمويل الأخضر. وإذا أرادت حكومات دول مجلس التعاون الخليجي الفوز في هذا السباق، فعليها اتخاذ إجراءات حاسمة في القريب العاجل.