أزعور: الصندوق زاد تمويلاته للمنطقة 17 مليار دولار

  • 2021-02-15
  • 13:44

أزعور: الصندوق زاد تمويلاته للمنطقة 17 مليار دولار

حوار مع مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي

  • خاص - "أوّلاً-الاقتصاد والأعمال"

ساهمت برامج "صندوق النقد الدولي" منذ بداية العام 2020 في مواكبة السياسات والإجراءات التي اتخذتها دول المنطقة لمواجهة انعكاسات جائحة "كورونا"، من خلال برامج تمويل سريعة ركّزت بشكل أساسي على دعم القطاع الصحي، والتخفيف من الآثار الاجتماعية السلبية لهذه الجائحة. اليوم، مع وصول الموجة الثانية من "كورونا"، عادت الدول إلى اتخاذ إجراءات الاحتواء التي اعتمدتها لمواجهة الموجة الاولى. فما هو تقييم صندوق النقد الدولي للوضع الاقتصادي في المنطقة وكيف يتفاعل الصندوق مع هذا الوضع، وما هي توصياته للخروج من هذه الأزمة نحو التعافي الاقتصادي؟ هذه الأسئلة وغيرها شكلت محور اللقاء الذي أجرته "أولاً- الاقتصاد والأعمال" مع د. جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، وهنا نص الحوار:

مع عودة الاغلاق الجزئي في العديد من الدول بسبب الموجة الجديدة من "كورونا"، كيف تتوقعون ان تتأثر اقتصادات دول المنطقة بهذه الموجة والاجراءات الاحتوائية؟

نحن في حالة من السباق المحموم بين موجة جديدة لجائحة "كورونا"، وبين نشر اللقاحات المضادة إلى أعلى نسبة من السكان وبأسرع وتيرة ممكنة، وهذا السباق سيكون العنوان الأساسي للفصلين الأولين من العام الحالي على الأقل. بناء على ذلك، فإن تأثير الجائحة على القطاع الاقتصادي يتوقف على عوامل عِدّة أولها تمكن دول المنطقة من الحصول على كميات كبيرة من اللقاحات من مصادر متنوعة، والسرعة في عملية التلقيح، علماً أن هناك تفاوتاً كبيراً في هذه الأمور بين دول المنطقة. العامل الثاني هو إلى أي مدى ستحافظ الحكومات على السياسات التي اعتمدت في السابق، وأخصها الإجراءات المتعلقة بحماية القطاعات الاقتصادية، وتوفير السيولة وخفض الفوائد، وكيف سيتم تركيز هذه السياسات وتكييفها مع الأوضاع؟ أما العامل الثالث فهو مرتبط بالأوضاع العالمية، وتأثيرها على أسعار النفط وعلى عملية التمويل وأسعار الفوائد العالمية.

 

الدعم السلعي يثبت عدم جدواه بالمقارنة مع الدعم الموجّه

يمكن زيادة واردات الميزانية من دون فرض ضرائب جديدة

بالنسبة الى القطاع النفطي، نحن نشهد تحسناً في الأسعار، لكن ما زلنا دون مستويات العام 2019. إن استقرار أسعار النفط يتطلب استمرار الانتعاش العالمي والطلب، ويتطلب أيضاً ضبط عملية الإنتاج. أما أسعار الفوائد فهي مؤاتية، لأن نسبة التضخم عالمياً منخفضة وإجراءات دعم السيولة ستستمر، لهذا السبب نحن في حالة من الانتعاش الاقتصادي، انتقلنا فيها من نمو سلبي نسبته 3.8- في المئة في العام الماضي إلى نمو إيجابي متوقع نسبته 3.1  في المئة هذا العام، مع توقعات بوصول هذا النمو إلى 4 في المئة في العام 2022، إنما هناك فروقات كبيرة بين الدول وامكاناتها ومدى جهوزيتها في إدارة الموجة الثانية وتسريع عملية التلقيح، علماً أن عودة الانتعاش في الدول النفطية ستكون أسرع من غيرها. 

هل ستتم إعادة النظر في توقعات النمو التي وضعها "صندوق النقد الدولي" للمنطقة في أواخر العام الماضي، بسبب الموجة الجديدة من "كورونا" وتداعياتها؟

نحن نُعيد حالياً تقييم توقعاتنا للمنطقة فصلياً، بعد أن كان هذا التقييم يتم كل 6 أشهر. لا شك أن مؤشرات أواخر العام الماضي وأول أسبوعين من العام 2021 لا تزال تدل على حصول انتعاش اقتصادي  تدريجي في المنطقة، وهذا ما نراه في دول مثل السعودية، مصر، الامارات، وغيرها، وأن الإجراءات الاجتماعية التي قامت بها بعض دول المنطقة كان لها أثرها الإيجابي، كما إن سرعة نشر اللقاح والتقدم في تنفيذ حملات التلقيح سيكون لها انعكاس إيجابي، وقد تؤدي إلى إضافة نسبة 0.3 الى 0.4 في المئة على معدلات النمو، أما بالنسبة الى الدول المتأخرة، فهي ستتأثر سلباً.

تسريع التطعيم قد يضيف نحو 0.4 في المئة على معدلات النمو

ورؤوس الاموال تعود إلى المنطقة من خلال استثمارات المحافظ

نحن نشهد حالياً ضبابية في المؤشرات، والأسئلة الأساسية التي تطرح اليوم هي: هل ستتمكن الدول التي لديها نسب دين مرتفعة من التحرك، وكيف؟ كيف ستتصرف الدول المصدرة للنفط والتي لا تملك احتياطات مالية كبيرة، مثل البحرين أو عُمان؟ كيف ستؤثر نسب البطالة التي ارتفعت في العديد من الدول على اقتصاداتها، (في الأردن ارتفعت 24 في المئة وفي تونس 17 في المئة)؟ وما مدى تأثير البطالة أيضاً على الاستقرار الاجتماعي في هذه الدول؟

اتبعت بعض دول المنطقة سياسات تحفيزية لمواجهة تداعيات الجائحة. هل تقترحون الاستمرار في هذه السياسات للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والمالي؟ وهل ستكون لدى هذه الدول الامكانات الكافية للقيام بذلك؟

ان الإجراءات التحفيزية التي اتخذت من دول المنطقة كانت نسبياً معتدلة أو أقل من الدول الأخرى المشابهة لها. بالنسبة الى الاستمرار في هذه السياسات أو عدمه، هذا يعود إلى قدرات هذه البلدان وامكاناتها. يجب التأكد أولاً أن هذه الإجراءات تواكب الحاجات الأكثر الحاحاً والتي تغيرت في الفترة الأخيرة، كما إن على هذه الدول أن تحضر للخروج التدريجي من هذه الإجراءات مع تحسن الوضع العام، كما يجب العمل على تسريع عملية النهوض في فترة ما بعد الازمة، لأن بعض القطاعات ستتمكن من التعافي السريع وقطاعات أخرى ستعاني. يجب إعطاء الزخم المطلوب للقطاعات التي لديها القدرة لتكون قاطرة للنمو.

بالنسبة الى الدول التي ليست لديها الإمكانات اللازمة، نوصي بإعادة النظر في الأولويات. إن مستوى الانفاق مرتفع نسبياً في المنطقة وكفاءته ضعيفة. هذه مناسبة لإعادة ترتيب الأولويات، والتركيز اكثر على القطاعات الصحية والاجتماعية، خصوصاً ان مستوى الانفاق الاجتماعي في المنطقة محدود نسبياً، إضافة إلى إعادة النظر في بعض النفقات وتحسين نوعيتها ورفع كفاءتها والتأكد من رفع مردودها. على سبيل المثال، إن الدعم المرتبط بالسلع أثبت انه غير مجد، وعلى هذه الدول القيام بالدعم المباشر، وهذا يمكن تنفيذه بسرعة، خصوصاً ان سعر النفط حالياً مقبول، كما نوصي بتفعيل عمل المؤسسات العامة وتحسين انتاجيتها، خصوصاً ان البعض منها لم يجر أي اصلاحات جدية خلال السنوات الماضية، وفي بعض الحالات يمكننا تحسين الإيرادات العامة من دون رفع الضرائب والرسوم على المواطن.

لا شك أن التركيز الاكبر في هذه المرحلة يجب ان يكون على القطاع الصحي، لكن لتسريع عملية النهوض يجب التفكير بإصلاحات أعمق، وهذه أحد الدروس التي خرجنا منها من ازمة 2008، حيث إن دول المنطقة لم تنفذ اصلاحات كافية بهذه الازمة، في وقت كانت الدول الناشئة تقوم بعمليات تحوّل واصلاح اوسع، هذا ما انعكس سلباً على مستوى الاستثمارات، خصوصاً المباشرة منها، وبالتالي بقيت مستويات النمو خلال السنوات العشر الماضية أضعف بكثير مما هو مطلوب لمعالجة مشكلة البطالة.

ما هي أهم الإصلاحات الممكن ان تساعد على مواجهة الازمة وتحقيق نمو على المدى المتوسط؟

إن الشق الأول والاساسي هو على الصعيد الاجتماعي، أي في قطاعات الصحة، التعليم، ومساعدة الفئات المهمشة، كما يمكن الاستثمار في القطاعات التي أظهرتها الأزمة على أنها قطاعات واعدة، وقد استثمرت دول الخليج في قطاع التكنولوجيا، مثل تقنية 5G وغيرها، كما يمكن استقطاب رؤوس اموال كبيرة للاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة التي تشهد اقبالاً عالمياً كبيراً وكذلك العمل على الاستثمار في عملية تحسين عملية الوصول الى التمويل (Access to finance) عبر اجراءات ومبادرات جديدة مثل اطلاق العملات الرقمية وغيرها، ما ينعكس إيجاباً على تحسين الشمول المالي (Financial inclusion).

كما إنه من المهم جداً عدم التغاضي عن ضرورة معالجة مسائل الدين والبطالة، واصلاح منظومة سوق العمل ورفع مشاركة المرأة في الاقتصاد.

هل تتوقعون ان تواجه بعض الدول صعوبة في خدمة مديونيتها، ولاسيما بالعملات الأجنبية؟

إن الدول التي لديها نسب ديون مرتفعة تواجه تحدياً كبيراً في المحافظة على استقرار اقتصاداتها. حالياً السيولة متوفرة، ونسب الفوائد منخفضة، ما يسمح بعملية إعادة تمويل، وقد استفادت من هذا المناخ دول عدة في المنطقة، لكن لا شك أن اليوم هناك خطر على بعض الاقتصادات من نسب الديون المرتفعة ويجب العمل بسرعة على مواجهة هذا الأمر.  

هل تتوقعون أن تلجأ بعض الدول الى "صندوق النقد الدولي" طلباً لبرامج طارئة لمواجهة الموجة الجديدة من الجائحة؟

قام الصندوق في العام الماضي بسرعة قياسية، وفي مهلة أسابيع قليلة، بوضع آلية خاصة لمساعدة الدول على معالجة تداعيات أزمة "كورونا"، حيث استفادت دول عدة في المنطقة منها، وزاد حجم التمويل في العام 2020 بقيمة 17 مليار دولار، ما يشكل نمواً بنسبة 60 في المئة في محفظة التمويل المخصصة للمنطقة في سنة واحدة، وهذا ما لم يحصل سابقاً في تاريخ الصندوق في المنطقة، وقد شمل ذلك دولاً عدة مثل مصر، تونس، المغرب، الاردن، الصومال، اليمن.

اليوم تتحول الحاجات مع تحول الأزمة. بدأنا في مصر، من خلال برنامج سريع بقيمة 2.8 مليار دولار، وأكملناه بـ 5.2 مليارات، Stand by لتتمكن مصر من مواجهة، ليس فقط الحاجات الصحية، وانما أيضاً تأمين الاستقرار الاقتصادي، وهذا ما سمح لها بإعادة الدخول مجدداً الى الأسواق واستقطاب رؤوس أموال بمستويات مقبولة.  مع الأردن، عدّلنا البرنامج ورفعنا قيمته وسرّعنا في عملية السحب ووفرنا مرونة في تنفيذه، لتتمكن الأردن من رفع الإنفاق على القطاع الصحي. في المغرب، ساعد السحب السريع من رفع مستوى الملاءة، وقيام المغرب بإصدار بـ 3 مليارات دولار مؤخراً، وبدأ بإعادة تسديد المبالغ الى الصندوق. إذاً نحن على تعاون مع دول المنطقة، وقد نتلقى طلبات جديدة من العراق وتونس ومن لبنان في حال اتضاح الرؤية السياسية وتشكيل حكومة جديدة. 

بالنسبة الى لبنان، كيف تقيمون الاتصالات القائمة، وهل الجو مؤات للوصول الى نتائج؟

الاتصالات قائمة ومستمرة بين فريق الصندوق وفريق وزارة المالية ومصرف لبنان، لكن ليتمكن لبنان من الخروج من الأزمة، عليه وضع خطط تحظى بإمكانية الدعم، وأن يكون لديه برنامج واضح، وأن يتم تشكيل حكومة تحظى بثقة من المجتمع ومن المجلس النيابي، وان تضع برنامجاً واضحاً يأخذ في الاعتبار التحديات كافة، وخصوصاً التحدي المالي، وعملية إعادة تحريك عجلة الاقتصاد في ظل الارتفاع الكبير في مستوى البطالة، والتراجع في النمو الذي أصبح سلبياً بنسبة 25  في المئة خلال عام واحد، وهذا رقم كبير، إضافة الى ذلك تشهد المؤشرات الاجتماعية تراجعاً كبيراً، خصوصاً الصحية منها، مع الموجة الثانية من "كورونا"، ما يتطلب إعادة تقويم للبرنامج الذي وضعته الحكومة، ليكون اشمل ويأخذ في الاعتبار المؤشرات السلبية التي حصلت مؤخراً. نحن على استعداد، كصندوق للمساعدة. إن آليات عملنا اليوم والضوابط القانونية التي نعمل وفقها لا تمكّننا من التمويل في الوضع الراهن، انما ما زال الاهتمام بلبنان قائماً، والتواصل مستمر مع المسؤولين اللبنانيين ومع المجتمع الدولي لحثّه على مساعدة ودعم لبنان، خصوصاً من خلال الهبات، وان يتم إعادة إطلاق مبادرة من قبل الدولة اللبنانية للحوار معنا ومع المؤسسات الأخرى ووضع برنامج بشكل سريع يمكن من خلاله الحصول على أكبر قدر من دعم من الصندوق والدول.

هل المسألة القانونية مرتبطة بتخلف لبنان عن دفع ديونه؟

صحيح. إن لبنان اليوم بحالة من عدم الثقة بسبب تخلفه عن دفع ديونه المستحقة، ونحن نعمل على إمكانية معالجة هذا الامر على المدى المتوسط، وعلى تأمين أعلى نسبة من المرونة من قبلنا لنواكب في البداية عملية تمويل سريعة تُستكمل بعدها ببرنامج آخر أطول بمهله الزمنية وأعمق في عملية الإصلاحات، وهذا ما ناقشناه مع المسؤولين اللبنانيين، لكن لسوء الحظ جاء انفجار المرفأ وتداعياته وعدم تشكيل حكومة جديدة ليؤخر من هذا الأمر.

هل أن المناخ العالمي مؤات لتدفق رؤوس الاموال الى المنطقة، خصوصاً من الاستثمارات المباشرة وليس من الديون فقط؟

هذا الموضوع مهم جداً. نشهد اليوم مسارين مختلفين، مسار الزخم فيه إيجابي، وهو عودة تدفق رؤوس الاموال من خلال استثمارات المحافظ، خصوصاً في أسواق الدين، ونسب الاكتتاب فيه مرتفعة، لكن الاستثمارات المباشرة لا زالت ضعيفة، وذلك بسبب عدم وضوح الرؤية حول مسار الاقتصاد العالمي، كما إن الأزمة اثرت على الشركات الكبيرة، وتأثرت بعض القطاعات الأساسية مثل السياحة، العقار، اللوجيستية، الخدمات... . يوجد اليوم تحول، من خلال الصناديق الاستثمارية والسيادية، للاتجاه نحو التكنولوجيا والقطاعات التي تستقطب استثمارات عالمية. إن حجم الاستثمارات الموعودة والمرصودة في قطاعات التكنولوجيا والبيئة والخدمات الجديدة ما بعد "كورونا" كبير جداً، لكن هذا غير كاف، لأن بعض المعوقات لا تزال موجودة، مثل المخاطر التمويلية، المشاكل التقليدية، بيئة الاعمال، المنافسة، دور القطاع العام، صعوبة دخول الأسواق. كل هذه الأمور يتوجب معالجتها لتذليل الصعاب أمام تسريع التحول الاقتصادي في المنطقة، والذي يتطلب استثمارات وخبرات من الخارج، وهذا جزء من الإصلاحات المطلوبة لتعزيز مناخ الاستثمار وبيئة الاعمال واستقطاب استثمارات جديدة، ومن دونها يوجد صعوبة للتمكن من النهوض بسرعة على الرغم من توفر بعض العناصر الإيجابية.