مصارف لبنان تنشد "تشريع" الوقاية

  • 2020-12-16
  • 09:04

مصارف لبنان تنشد "تشريع" الوقاية

حجم الأصول يرتد إلى منتصف العام 2016

  • علي زين الدين

 تدور عقارب ساعة المصارف اللبنانية عكسياً وبسرعة مضاعفة مرات عديدة بقياس الزمن الحقيقي، وهي تشرف على بدء عام مالي جديد لـ لبنان متخم بتحديات أشد وطأة وتكاد تهدد وجود كياناتها ووحداتها "الصامدة" محلياً وخارجياً، بعدما كابدت في إدارة التعامل مع أثقال غير مسبوقة وغير محسوبة لا بأحجامها ولا بأنواعها، وحشرتها ضمن خيارات معقدة وعصيبة تفشت كالوباء على كامل بنود الموجودات والمطلوبات مع تمدد الضرر الى أنشطتها وخدماتها وعلاقاتها بمساهميها وعملائها وانتشارها وتعاملاتها الخارجية.

وقد يكون الاستدلال بالبيانات الاحصائية "لزوم ما لا يلزم" في عين العاصفة التي تواصل دك أعمدة القطاع المالي بكاملها وتنذر ببلوغ أساساته. ففي ظل فوضى النقد الضاربة عمقاً في الناتج الوطني والموازنة العامة ومداخيل الأفراد والشركات ومدخراتهم ، يتعذر تحليل الأرقام على حقائقها كونها تستبطن فجوات كبيرة في القياس والاستنتاج. وفي الأساس لا مرجعية تسعير تصلح لتقييم الميزانيات مع "التشكيلة" العشوائية لصرف الليرة بين "الرسمي" و"المنصة" والسعر "الواقعي".

دولة تنكر بلوغ مرحلة "الفشل"

أما عن الاسترشاد بماهية التيارات الهوائية والمناخات العامة المسببة والمصاحبة، فحدث ولا حرج عن دولة تنكر بلوغ مرحلة "الفشل" وتصر جهاراً على "ثوابت" الفساد والمحاصصة وتقاذف المسؤوليات والاتهامات، والأنكى أنها تتضافر كالجسد الواحد في تعميم "الفراغات" القاتلة وتمعن في عزل البلد وقطاعاته عن محيطه وأسواقه الاقليمية والدولية وتجتمع على كسر المبادرات والأيادي التي تمتد لانتشال البلد والناس والاقتصاد ومعهم الدولة من الهوة العميقة، بل هي تتقن تبديل الأقنعة والحفر بمهارة هبوطاً الى قعر أدنى مع كل بارقة رجاء أو إغاثة.

على الرغم من هذا الوضع الكارثي والترقبات السوداوية، ثمة نور خافت يراهن عليه أهل القطاع المالي والمصرفي يحفّزهم على الاستجابة لاستحقاق إعادة هيكلة المراكز المالية للمؤسسات وتحصينها برساميل جديدة حدّدها البنك المركزي بنسبة 20 في المئة، ومن خلال حجز مخصصات بنسبة 45 في المئة مقابلة لتعليق دفع سندات الدين الدولية، و"حث" المعنيين باسترجاع نسبتي 15 و 30 في المئة من التحويلات الخارجية، وتكوين 3 في المئة من إجمالي الودائع في حسابات لدى البنوك المراسلة.

كما يتبين من خلال رصد ميداني، أن الوحدات المصرفية كافة منهمكة فعلياً في تسريع خطوات إعادة هيكلة ذاتية تشمل تقليص الاحجام في السوق المحلية والتخلي عن وحدات مملوكة في الأسواق الخارجية وإعادة ترتيب الوظائف والعمليات بهدف خفض الأكلاف وزيادة الانتاجية واعتماد برامج ومنتجات تناسب المعطيات المستجدة، وهذا ما سيتضح عبر التزام معظم المصارف بالتمكّن من الزيادات والمخصصات المطلوبة قبل نهاية شهر شباط/فبراير من العام المقبل.

لكن الفصل بين حقيقة الضوء من عدمه، يبقى معلقاً على "خطوات صغيرة ومتواضعة " يتبرع بها " الكبار " من أولي الأمر والسلطة. فجل ما يطلبه البنك المركزي هو "التشاركية " الملحة في ادارة ملف "الدعم التمويلي"، بحيث تخف وتيرة نفاد الاحتياطات من دون نقل كامل الأعباء على كاهل من لا يطيقونها دخلاً وقدرات. وجل ما ترجوه البنوك هو المظلة القانونية الراعية لضوابط حركة النقد والمعاملات اليومية في المؤسسة، وهي تتطلع الى إنضاج قريب لحماية تشريعية تقيها الاشكالات المتكررة مع زبائنها والدخول في المنازعات القضائية داخل لبنان وخارجه من قبل اصحاب الحقوق المطالبين برفع القيود عن السحوبات والتحويلات.

تجنّب تعثر المؤسسات المالية أو إفلاسها

ويشدد أهل القطاع المالي، على استثنائية "الضرورات التي تبيح المحظورات"، والتي تمليها حاجة القطاع المالي الى تضافر الجهود لإحداث صدمات ايجابية معاكسة تكفل تجنب تعثر المؤسسات المالية او افلاسها عبر وقف نزف الثقة وإعادة تنظيم الاسواق المالية والمصرفية، وبذلك يكتسب مشروع قانون تقييد الرساميل صفة "العجلة"، بينما يلاقيه البنك المركزي بتصويب الدعم حفظاً لاحتياطات العملات الصعبة، وترفده المصارف بتمتين مراكزها المالية، على أمل التمكّن من تأليف حكومة جديدة تكفل بدورها الاستجابة لشروط الدعم التي وضعها المجتمع الدولي وإحياء حظوظ التوصل الى اتفاق تمويلي مع صندوق النقد الدولي.

وحتى تزف لحظة المواكبة المتوخاة، وصلت "ساعة" اصول المصارف الى (موجودات/ مطلوبات) منتصف العام 2016، مستهلكة في سنة واحدة نحو 72 مليار دولار، هذا في الحساب الرقمي، بينما تتضاعف "كرة الثلج" المنحدرة في التقييم المدقق والموضوعي. فنسبة 20 في المئة من الودائع المصرفية محررة بالليرة، ويتم احتسابها على سعر 1507 ليرات، ونسبة الودائع المحررة بالدولار البالغة 80 في المئة، انما هي "لولار" يساوي عملياً أقل من نصف تداول الدولار في السوق الموازية. وتسري المعادلات عكسياً على محفظة التسليفات حيث يتم التسديد بـ "اللولار" لمحافظ قروض الدولار وبالليرة الفاقدة لنسبة 80 في المئة من قيمتها للقروض المحررة بالليرة.

تقلص إجمالي الأصول

وبحسب الاحصاءات الموقوفة على توقيت "الثورة"، تظهر أحدث البيانات المجمعة للجهاز المصرفي، تقلص اجمالي الاصول من نحو 263 مليار دولار مباشرة الى نحو 191 ملياراً في نهاية الشهر العاشر من العام الحالي، أي ما قيمته 72 مليار دولار ونسبته 27.3 في المئة على مدار سنة، علماً أن الانكماش خفت وتيرته قليلاً بسبب التشدد في قيود السحوبات والتحويلات، حيث تظهِر إحصاءات البنك المركزي إنكماشاً بنسبة 11.85 في المئة، تماثل نحو 25.7 مليار دولار في الميزانية المجمعة للمصارف العاملة في لبنان خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي.

تقلص المحافظ ساهم بفعالية في انكماش الموجودات

ومن الواضح ان تقلص المحافظ الائتمانية بما قيمته نحو 16 مليار دولار، توازي نحو 30 في المئة على مدار سنوي لتتدحرج من نحو 54 مليار دولار الى نحو 38 ملياراً   ساهم بفعالية في انكماش الاصول المجمعة (الموجودات) وفي تراجع الودائع العائدة للمقترضين، حيث جرت عمليات مقاصة بين البندين، كما يمكن رد الانخفاض الكبير في اجمالي الاصول الى إجراء المصارف عمليات مقاصة  وتصفية "Netting"  لقروضها المحررة بالليرة اللبنانيّة الممنوحة من مصرف لبنان مقابل توظيفاتها بالليرة اللبنانيّة معه والتي تحمل الآجال نفسها والناتجة اساساً عن عمليات الهندسات المالية السابقة.

أما لجهة الموارد الماليّة، فقد تقلصت الودائع على مدار سنوي بمقدار 27 مليار دولار، اي بنسبة 15.5 في المئة، علماً انها تراجعت (قطاع خاص وقطاع عام) بنحو 17.4 مليار دولار (وفق سعر الصرف الرسمي)، أي بنسبة 10.67 في المئة خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي، لتصل الى نحو 146 مليار دولار، ويتوزع التراجع بين إنكماش ودائع القطاع الخاص المقيم بنسبة 10 في المئة لتصل الى 113.6 مليار دولار، وغير المقيم بنسبة 15.85 في المئة لتصل الى 27.3 مليار دولار. 

وقد تقلّصت ودائع الزبائن المحررة بالليرة بنسبة 22.78 في المئة لتصل الى نحو 33 مليار دولار (بالسعر الرسمي)، كما انخفضت الودائع المحررة بالعملات الأجنبية بنسبة 6.36 في المئة لتصل الى 113 مليار دولار. وفي السياق، إرتفعت نسبة الدولرة في ودائع القطاع الخاص إلى 80.23 في المئة من 76.02 في المئة في نهاية العام 2019 و73.43 في المئة في نهاية اكتوبر من العام الماضي.