...إذا عطست الصين!

  • 2020-01-24
  • 13:20

...إذا عطست الصين!

كورونا يتفشى في أربع قارات ويهز الأسواق المالية والنفطية

  • سليمان عوده

كان يقال في السابق إذا عطست أميركا أصيب العالم بالزكام. لكنها الصين هذه المرة هي التي تظهر عليها أعراض المرض، فترتعد فرائص المستثمرين والهيئات الصحية في شتى بقاع الدنيا. كل بلدان العالم بدأت تدق ناقوس الخطر، خشية من التداعيات القاتلة لانتشار فيروس غامض جديد في الصين، يعتبر بمثابة سلالة جديدة من فيروس “كورونا”، وشبيه بفيروس مرض “سارس” الذائع الصيت بين المستثمرين أكثر من ذيوع صيته بين العامة، خصوصاً أنه كبدهم عشرات مليارات الدولارات كخسائر حين تفشى سابقاً. الفيروس الجديد أصاب حتى الآن آلاف الصينيين، ومات منهم العشرات. لكن ما يثير الذعر أن إصابات عدة بهذا الوباء الجديد بدأت تسجل في اليابان وكوريا الجنوبية وتايلاند وتايوان وماليزيا وأستراليا، وهذا مدعاة للخشية الفعلية من تفشي هذا الوباء الجديد عالميًا، ينقله المسافر من الصين وإليها.

خطر على الاقتصاد 

ظهر الفيروس أولاً في مدينة ووهان بإقليم هوبي في وسط الصين في نهاية العام الماضي، وانتشر في مدن عدة منها بيجينغ وشنغهاي ومكاو، ولم يلبث أن عبر منها إلى بلدان عدة قريبة مثل تايلاند وكوريا الجنوبية واليابان وتايوان وماليزيا، قبل أن يبلغ الولايات المتحدة وفرنسا أيضاً. وخشية من تداعيات غير محسوبة لانتشاره، فرضت الصين حظراً غير مسبوق على المناطق الرئيسية التي تنتشر فيها الإصابات، الأمر الذي وضع أكثر من أربعين مليون صيني في الحجر الصحي. بدورها، بدأت المطارات الدولية تعتمد إجراءات كثيرة في صفوف القادمين إليها، لاسيما من الصين، لرصد الإصابة بفيروس "كورونا" الغامض. ومن مطارات دبي وأبوظبي والكويت عربياً وسان فرانسيسكو ومطار جون إف كينيدي في نيويورك وغيرهما الكثير من المدن العالمية، بدأت المطارات الكبرى تفحص القادمين إليها حرارياً. وعلى عكس السرية التي أحاطت بانتشار فيروس الالتهاب الرئوي الحاد (سارس) فقبل نحو عقدين والذي قتل نحو 800 شخص، تورد الصين هذه المرة تحديثات منتظمة للمعلومات عن المرض، في محاولة لمنع انتشار حالة ذعر بين ملايين المسافرين للاحتفال برأس السنة القمرية. 

وبالرغم من أن منظمة الصحة العالمية قد أعلنت أن "من المبكر جداً” اعتبار فيروس كورونا الجديد "حالة طوارئ صحية عامة على نطاق دولي”، فإن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدحانوم غيبريسوس قال خلال مؤتمر صحفي في جنيف: "لا يخطئن أحدكم الأمر، إنها حالة طوارئ في الصين، لكنها ليست بعد حالة طوارئ صحية عالمية. قد تصبح كذلك”. 

تأثيرات ملحوظة 

بات واضحاً أن تأثير هذا الفيروس الجديد لن يقتصر على القطاع الصحي في العالم، بل سيمتد إلى القطاع الاقتصادي العالمي. نفطيًا، رجح بنك "غولدمان ساكس" أن يتراجع طلب الصين على النفط، وهذا ربما يؤثر سلبًا على أسعار النفط العالمية، فتنخفض بنحو 3 دولارات للبرميل. ونقلت وكالة "رويترز" عن مصدر في "غولدمان ساكس" توقعه أن يتراجع الطلب العالمي على النفط في عام 2020 بسبب تأثير الفيروس الجديد على الاقتصاد بنحو 260 ألف برميل يوميًا بشكل وسطي. ويشرح جيم ريتربوش، رئيس ريتربوش وشركاه لاستشارات التداول، إن ”قضايا الصحة مثل هذه تمثل عوائق كبيرة لحركة السفر الطبيعية ونتيجة لهذا، فقد أجبرت سوق النفط على أن تأخذ في الحسبان ضعفاً كبيراً في الطلب على وقود الطائرات والديزل من الصعب للغاية قياسه لحين احتواء الفيروس الضار بالصحة“. 

أما ماليًا، فنسبت "سي أن بي سي"  إلى كبار المستثمرين والخبراء الاستراتيجيين في بورصة وول ستريت قولهم إن الفيروس الذي يبدو قد نتج من المأكولات البحرية أو اللحوم في سوق المواد الغذائية في ووهان، خلق مستوى جديداً من عدم اليقين بالنسبة إلى الأسواق العالمية، في وقت يشعر فيه بعض المستثمرين بالقلق إزاء التقييمات العالية. 

تهاوي المؤشرات

وتراجعت المؤشرات الأميركية بعد أنباء تفيد بأن الولايات المتحدة اكتشفت أول حالة إصابة بفيروس كورونا الجديد، متراجعة عن مستويات قياسية مرتفعة مع انتقال الفيروس من الصين إلى شواطئ الولايات المتحدة. وانخفضت عائدات سندات الخزانة للـ 10 سنوات 1.78 في المئة، حيث تحرك السعر باتجاه معاكس لعائد السندات. كذلك تراجعت الأسهم الأوروبية وسط مخاوف من انتشار الفيروس الجديد، وأغلق معظم المؤشرات الأوروبية منخفضاً مع الإعلان عن وصول الفيروس إلى الولايات المتحدة. وتراجعت الأسهم اليابانية أيضاً، وتضررت أسهم شركات الطيران والسفر بسبب القلق من انتشار عدوى الفيروس على نطاق أوسع. 

 

جاكي شان ضحية؟

وتراجعت الصين عن طرح سبعة أفلام جديدة في دور العرض السينمائي في البلاد خلال عطلات رأس السنة القمرية الجديدة، خشية انتشار فيروس كورونا الجديد. وثارت مخاوف من إمكانية انتقال الفيروس الجديد بين البشر داخل المساحات الضيقة بدور العرض الصينية، وفقا لوكالة الأنباء الألمانية. ومن المعتاد طرح الأفلام، وبينها أحدث أفلام جاكي شان التي تحظى بإقبال جماهيري هائل، وهو فيلم "فانجارد"، بمناسبة رأس السنة الصينية الجديدة التي يحتفل بها الصينيون مطلع الأسبوع المقبل. وتعد رأس السنة القمرية الجديدة موسماً مهماً للأفلام، حيث حققت دور السينما الصينية حوالى 5 مليارات يوان (720 مليون دولار) خلال ذلك الموسم العام الماضي. 

مشهد متكرر

كل هذه التداعيات الآنفة الذكر شبيهة بما حصل في عام 2003، حين تفشى سارس، وامتدت خطورته لتشمل اقتصادات العالم. حينها، أعلنت الأمم المتحدة أن مرض التهاب الجهاز التنفسي الحاد سيساهم في خفض معدل النمو الاقتصادي في آسيا بنحو نصف نقطة مئوية لعام 2003. وقال تقرير للجنة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادي التابعة للأمم المتحدة إن اللجنة خفضت تقديرات النمو للمنطقة إلى 5 بالمئة مقارنة بنحو 5.4 بالمئة في تشرين الثاني/نوفمبر 2002، نتيجةً لانخفاض نشاط المستثمرين ولتراجع حركة السياحة بسبب انتشار المرض. وأكد أمين عام الجنة كيم هاك سو في حينها أن سارس سيؤثر في الدول التي تعتمد على السياحة أكثر من غيرها، وأن التراجع المتوقع في السفر من أجل الأعمال سيكون له أثر على المنطقة كلها.

سلالة متطورة

يمثل هذا الداء الجديد سلالة جديدة من فيروس كورونا، التي تضم عائلته باقة من من الفيروسات، منها ما يسبب أمراضًا غير مؤذية للإنسان كالزكام العادي، ومنها ما هو خطير يسبب أمراضًا سارية مثل متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد المعروف باسم "سارس". الفيروس الجديد شبيه كثيرًا ب "سارس" الذي تفشى في عامي 2002 و2003 وأودى بحياة المئات في العالم، بينهم 349 حالة وفاة في الصين و299 في هونغ كونغ، من أصل 8096 إصابة حول العالم، بحسب تقارير منظمة الصحة العالمية. وراثيًا، تبلغ نسبة شبه كورونا الجديد بسارس نحو 80 بالمئة، وفقًا لما أفاد به أرنو فونتانيه، رئيس وحدة الأوبئة والأمراض الجديدة في معهد باستور الفرنسي لوكالة الصحافة الفرنسية. وقال: "الفيروسان يتسببان بالتهابات حادة في الجهاز التنفسي، إلا أن عوارض الوباء الجديد أقل خطورة من عوارض سارس، وخطورته أقل ايضًا من خطورة سارس". من ناحيتها، قالت منظمة الصحة العالمية الإثنين أن المصدر الأولي الأكثر ترجيحًا للفيروس حيواني، مع انتقال محدود بين البشر من خلال الاتصال الوثيق. وبحسب مصادر صينية، وجد الأطباء في ووهان بوسط الصين، في كانون الأول/ديسمبر الماضي، الفيروس في مرضى يعملون في سوق لبيع السمك وثمار البحر، أغلقته السلطات الصينية في أوائل كانون الثاني/يناير الجاري. ونقلت تقارير طبية عن الطبيبة ناتالي ماكديرموت من جامعة كينغز كوليدج في لندن قولها: "يتفشى هذا الفيروس من خلال قطرات شبه مجهرية تنتشر في الهواء عند العطاس أو السعال".

ترامب بين المعلقين

علّق الرئيس الأميركي دونالد ترمب، من دافوس السويسرية، على تفشي هذا الوباء قائلًا إن لدى المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها خطة جيدة لاحتواء المرض، "وأعتقد أنه سيجري التعامل معه بشكل جيد". وقال الرئيس الصيني شي جينبيغ للرئيس الفرنسي مانويل ماكرون في اتصال هاتفي: "الصين مستعدة للعمل مع المجتمع الدولي للتصدي للمرض، والحفاظ على الأمن الصحي في العالم". وفرضت دول عدة إجراءات احترازية لمواجهة تفشي الفيروس، فعززت روسيا إجراءات الفحص والحجر الصحي في مطاراتها، وأعلنت بريطانيا عن البدء بفحص القادمين من البلدان التي سُجلت فيها حالات إصابة بالفيروس، وحظرت كوريا الشمالية دخول الأجانب، وأعلنت تركيا عن اتخاذها إجراءات لمواجهة احتمالات انتشار الفيروس. وأعلنت منظمة الصحة العالمية عن نتائج الاجتماع الذي دعت إليه في جنيف بحضور مندوبين من الصين واليابان والولايات المتحدة، بتأكيد أنها لن تعلن حالة طوارئ عالمية، مبررة ذلك بأن إعلان هذه الحالة يثير قلقًا على المستوى الدولي، وأن الوضع لم يتطور بعد لإعلان هذا الإجراء، على الأقل بحسب المعطيات الحالية. ولا تلجأ المنظمة لإعلان حال الطوارئ إلا في حالات نادرة، كما جرى مع إنفلونزا الخنازير في عام 2009، وفيروس زيكا في عام 2016، وحمى إيبولا في عام 2014. وقرر الاتحاد الآسيوي لكرة القدم نقل مباريات تصفيات كرة القدم النسائية للألعاب الأولمبية في طوكيو 2020، إلى شرق الصين، بعدما كان من المقرر عقدها في شباط/فبراير في إقليم ووهان، الذي سجلت فيه أكثر الإصابات عددًا. 

إجراءات وقائية

أعلن غرمان شيبولين، نائب مدير التخطيط الاستراتيجي في وزارة الصحة الروسية، أن روسيا ستكون جاهزة في غضون 6 أشهر لإعداد اللقاح ضد الفيروس التاجي الذي اكتشف في الصين. وقال: وضع اللقاح يستغرق 3 أشهر، واختباراته يلزمها 3 أشهر أخرى". وأضاف في تصريح لصحيفة "إزفيستيا" الروسية: "ليس صعبًا إنتاج اللقاح لأن الفيروس ثابت ولا يتعرض لتغييرات. وجمعنا 16 تسلسلًا للنواة لا يختلف بعضها عن الآخر، على الرغم من أن المشكلة الرئيسية لمثل هذه الفيروسات تنحصر في تعرضها لتعديلات. لذلك، من غير المستبعد ألا يؤثر اللقاح على بعض السلالات التي تتفشى وسط البشر".

وفي غياب أي لقاح الآن، نصح مركز الوقاية الأميركي من الأوبئة والأمراض السارية بتقليل خطر الإصابة بالعدوى عن  طريق غسل اليدين كثيرًا بالماء والصابون مدة 20 ثانية على الأقل في كل مرة، وتجنب لمس العيني أو الأنف أو الفم بأيدي غير مغسولة، وتجنب الاتصال الوثيق مع الناس الذين يعانون المرض. كما يمكن حماية الآخرن من العدوى متى أحس الإنسان بأعراض شبيهة بالبرد، وذلك بالبقاء في المنزل طوال فترة الإحساس بالأعراض، وتجنب الاتصال الوثيق مع الآخرين مثل العناق والقبل، وتغطية الفم  والأنف بمنديل ورقي عند السعال أو العطس ورمي المنديل في القمامة وغسل اليدين جيدًا، وتنظيف الأشياء والأسطح وتطهيرها بأي مادة مطهرة. 

مؤشرات الخليج تتأثر

وصباح اليوم الأحد، أعلنت لجنة الصحة الوطنية بالصين أن قدرة فيروس كورونا على الانتقال تزداد قوة وإن عدد حالات الإصابة بالعدوى قد يواصل الارتفاع، وذلك بعدما أصاب أكثر من ألفي شخص في العالم وأدى لوفاة 56 شخصاً حتى الآن في الصين. وقال وزير لجنة الصحة الوطنية ما شياوي إنه سيتم تكثيف جهود احتواء الفيروس التي شملت حتى الآن قيودا على التنقل والسفر وإلغاء فعاليات كبيرة. وعلى هذه الخلفية، تعرضت معظم أسواق الأسهم الرئيسية في منطقة الخليج لضغوط بسبب تراجع الأسهم الأمريكية وهبوط أسعار النفط يوم الجمعة نتيجة مخاوف من انتشار فيروس كورونا خارج الصين مما قد يحد من حركة السفر والطلب على النفط. وأغلق مزيج برنت الخام يوم الجمعة على 60.69 دولار بانخفاض 1.35 دولار ما يعادل نسبة 2.2 بالمئة. وفي السعودية، أغلق المؤشر منخفضاً 0.7 بالمئة وهبط مصرف الراجحي 0.6 بالمئة وسهم الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) 1.2 بالمئة. ونزل سهم كيان للبتروكيماويات بنسبة 4.3 بالمئة مسجلة أكبر خسارة خلال يوم الأحد منذ نحو عام. لكن سهم الوطنية للرعاية الصحية قفز 4.2 بالمئة بعدما أعلنت عن توزيعات أعلى في عام 2019 بلغت ريالين. وهبط مؤشر دبي 0.6 بالمئة وتراجع بنك دبي الإسلامي 1.4 بالمئة في حين هبوط سهم الإمارات دبي الوطني 0.7 بالمئة. ونزل المؤشر القطري 0.4 بالمئة، وهوى سهم بنك الدوحة 2.5 بالمئة ليكون أكبر الخاسرين. وفي أبوظبي، نزل المؤشر 0.3 بالمئة وخسر سهم بنك أبوظبي الأول 0.3 بالمئة واتصالات 0.2 بالمئة. ونزل المؤشر المصري 0.1 بالمئة وفقد سهم السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار (سوديك) 2.3 بالمئة ومستشفى كليوباترا 2.6 بالمئة.