قطاع النقل العام في لبنان: الكنز المفقود!

  • 2020-10-28
  • 11:46

قطاع النقل العام في لبنان: الكنز المفقود!

  • كريستي قهوجي

"بكل عرس في إلو قرص" مثل شعبي ينطبق على واقع قطاع النقل العام في لبنان الذي، ومع كل أزمة سياسية واقتصادية تعصف بالبلاد، يدفع الثمن باهظاً ويرزح تحت وطأة أعباء اقتصادية كبيرة تنعكس سلباً على السائقين العموميين والمواطنين على حدّ سواء.

ومع كل تحرك احتجاجي لاتحادات ونقابات النقل العام، "ترجع" الدولة إلى "عادتها القديمة" لتطلق سلسلة وعود فارغة تحمل حلولاً وهمية بهدف إسكات "المنتفضين" بوجهها وإعطائهم جرعة "مورفين"، محاولة بذلك كسب المزيد من الوقت لتمرير الصفقات المشبوهة على حساب هذا القطاع وغيره، لكّن الحالة الخانقة التي يعيشها السائقون العموميون ستؤدّي حتماً إلى انفجار اجتماعي كبير ستطال شظاياه الجميع في حال لم يتم إيجاد حلول حقيقية وملموسة. فما هي أبرز المشاكل التي يواجهها القطاع؟

 

قطاع غير منظم

 

عاش قطاع النقل في لبنان حالة من الفوضى العارمة طيلة السنوات الماضية بسبب غياب الخطط الحكومية التنظيمية التي تدخل في إطار هيكلية شاملة تحفظ حقوقه وواجباته تجاه السائقين العموميين من جهة وتجاه المواطنين من جهّة أخرى، الأمر الذي انعكس سلباً على كل ما له علاقة بهذا القطاع بطريقة مباشرة وغير مباشرة. وفي هذا السياق، يشير رئيس اتحادات النقل البري في لبنان بسام طليس في حديث خاص إلى "أولاً – الاقتصاد والأعمال" إلى أن قطاع النقل العام بأنواعه كافة يمثّل ما نسبته 80 في المئة في كل دول العالم، فيما يمثّل النقل الخاص نسبة 20 في المئة على عكس الوضع في لبنان حيث بات النقل الخاص يمثّل أكثر من 95 في المئة من إجمالي حركة النقل.  

ويعتبر طليس أن كلفة النقل في لبنان تقع على عاتق القطاع الخاص وهو يقوم مقام الدولة في كل ما من شأنه عمل النقل البري في البلاد، لافتاً النظر إلى أن اتحادات النقل البري قدّمت خطة نقل تنظيمية منذ 10 سنوات ولكن الحكومات المتعاقبة لم تقرّها حتى يومنا هذا، مشيراً إلى أن هذا الأمر أدّى إلى تعميق وزيادة الفوضى في ظل غياب التشريعات والقوانين والخطط الحكومية اللازمة التي تساعد السائقين على تحديد نقاط عملهم وأوقات انطلاقهم وغيرها من الامور اللوجيستية.

 

بسام طليس: على وزارة الداخلية مكافحة ظاهرة اللوحات العمومية المزوّرة

 

كنز للخزينة والدولة لا تهتم

 

من جهة ثانية، يعتبر قطاع النقل العام في لبنان كنزاً ثميناً للخزينة اللبنانية لناحية ما يدرّه عليها من أموال طائلة من خلال المحروقات. ويقول طليس إن سيارات النقل العام هي الأكثر استهلاكاً لمادتي البنزين والمازوت اللتين تومّنان عائدات مرتفعة للخزينة العامة بشكل يومي، مشيراً إلى أن الدولة أغفلت هذا الموضوع واعتبرته من الأمور الثانوية بدلاً من تطوير قطاع النقل العام وتوسيعه.

 

المعاينة الميكانيكية غير شرعية

 

 

إقرأ: 
"جنون البقر" يضرب لبنان.. فما رأي وزارة الزراعة؟

 

شكّلت المعاينة الميكانيكية للسيارات تحدياً أساسياً لقطاع النقل العام في لبنان إذ إنها تشكّل مطلباً أساسياً من مطالب القطاع الذي يخوض المعركة بالنيابة عن الدولة والخزينة والقانون. وفي هذا الاطار، يلفت طليس النظر إلى أن إجراء المعاينة الميكانيكية منذ تاريخ 1 تموز/يوليو 2015 لم يعد قانونياً ولا شرعياً وذلك بموجب كتاب رسمي موجّه من هيئة إدارة السير إلى وزارة الداخلية والبلديات حيث اعتبرت أن العمل في المعاينة الميكانيكية يتم من دون أي مسوّغ قانوني منذ ذلك التاريخ، مشيراً إلى أن دفع الأموال عند القيام بمعاملات المعاينة يتم لصالح أشخاص وليس لصالح إدارة أو جهة رسميّة.

 

انتشار اللوحات العمومية المزوّرة

 

وفي ظل غياب تطبيق القانون، انتشرت ظاهرة اللوحات العمومية المزوّرة على السيارات والباصات والفانات والشاحنات بشكل واسع مما أدّى إلى ارتفاع نسبة المنافسة والمضاربة غير الشرعية لسائقين أجانب غير قانونيين على حساب السائقين اللبنانيين القانونيين، مع كل ما نتج عنها من أزمات معيشية وحياتية إذ لم يعد باستطاعة السائق العمومي القانوني تأمين قوت يومه بشكل طبيعي. ويذكر طليس أن هناك 15 ألف لوحة مزوّرة على حساب 5 آلاف لوحة عمومية قانونية يكافح أصحابها ومستخدموها للصمود والبقاء في وجه جحافل السيارات غير الشرعية التي تعمل على طرقات لبنان، ويضيف أن وزارة الداخلية والبلديات لا تقوم بواجباتها في مكافحة السيارات ذات اللوحات المزوّرة وتوقيف أصحابها وإحالتهم إلى القضاء.

 

رفع الدعم عن المحروقات

 

مع بدء الحديث عن اتجاه الدولة اللبنانية لرفع الدعم عن السلع الأساسية والمحروقات، بدأت اتحادات ونقابات النقل العام بتحركات واسعة لمواجهة هذا الواقع وكان آخرها في 14 تشرين الأول/أكتوبر الحالي حيث عمّت التظاهرات مختلف المناطق اللبنانية وشل معظم القطاعات الاقتصادية الحيوية في البلاد. وفي هذا السياق، يحذّر طليس من رفع الدعم عن المحروقات التي تعتبر شريان حياة لقطاع النقل العام في لبنان، لافتاً النظر إلى أن ارتفاع سعر البنزين والمازوت من 25 ألف ليرة إلى 75 ألف ليرة سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة النقل بشكل هستيري قد تصل إلى 9 آلاف ليرة للشخص الواحد، معتبراً أن هذا الأمر سيؤدي إلى انتشار الفوضى وشل القطاع بشكل كامل لأن لا قدرة للمواطن على دفع هذا المبلغ وبالتالي لن يستطيع السائق العمومي تأمين مدخوله اليومي. ويشير إلى أن اتحادات النقل البري أعطت الوقت الكافي وقررت التحرك والتصعيد في 18 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل إفساحاً في المجال لتشكيل الحكومة الجديدة ونيلها الثقة، آملاً بأن تقر المطالب الحياتية للسائقين العموميين وإلا فالتصعيد لا مهرب منه.

 

ما هي الحلول؟

 

يشدد طليس على ضرورة أن تقوم الحكومة الجديدة بإقرار خطة النقل المشترك في لبنان الذي طال انتظارها، عودة المعاينة الميكانيكية للدولة اللبنانية حصراً، وقف التعديات على قطاع النقل العام من خلال السيارات التي تحمل لوحات عمومية مزوّرة أو تلك التي تعمل بلوحات خصوصية بالإضافة إلى عدم رفع الدعم عن المحروقات من بنزين ومازوت، محذراً من الذهاب نحو التصعيد في حال لم تتم الاستجابة لهذه الحلول.