البنوك العربية تنأى عن وباء "الأموال القذرة"

  • 2020-09-24
  • 23:17

البنوك العربية تنأى عن وباء "الأموال القذرة"

  • بيروت - خاص - "أوّلاً - الاقتصاد والأعمال"

 

يمكن التصور الى حدود الجزم، بأن البنوك العربية ستنأى بهيكلياتها وبعملياتها عن "وصمة الأموال القذرة" التي فجرتها  تحقيقات استقصائية نفذت إلى وثائق هيئة مكافحة الجرائم المالية (FinCEN)، أي وحدة الاخبار المالي التابعة لوزارة الخزانة الأميركية، وتم من خلالها توجيه اتهامات وبث شكوك بامكانية تورط أكبر المؤسسات المصرفية حول العالم في عمليات تحويل وتحريك أموال مشبوهة تقدر بنحو تريليوني دولار، بشكل غير قانوني، على مدار نحو عشرين عاماً.

 

قد يهمك:

موديز وتخفيض تصنيف الكويت: حتمية الاصلاح المالي والاقتصادي

 

وينبغي التنبه أساساً الى أن الحصة المجمعة للبنوك العربية ضئيلة جداً من المبالغ الإجمالية التي يمكن أن تكون وقعت تحت "الشبهة" حين تنفيذها، وتتضاءل أكثر لكل بلد على حدة، وتصبح متناهية الصغر لكل بنك بمفرده ، وذلك بمعزل عن مدى مطابقة الوصف الجرمي على أي جزء من حركة التحويلات الواردة في الملفات "المخترقة" في البنوك والأسواق العملاقة التي تمر عبرها التحويلات بالدولار بكميات هائلة على مدار الساعة، وهو أمر محتمل بدرجة عالية في قليل من آلاف الوثائق المنشورة والمرسلة اساساً من البنوك في الفترة  بين عامي 2000 و2017 من انحاء العالم كافة.

 

الانفعالات الفورية التي خلفها إشهار

جداول التحويلات واسماء البنوك اتسمت بالتسرع في الإدانة

 

وكشف رصد أجراه " أوّلاً- الاقتصاد والأعمال" مع نخبة من المصرفيين والمسؤولين في وحدات الاخبار المالي العربية، أن الانفعالات الفورية التي خلفها اشهار جداول التحويلات وأسماء البنوك اتسمت بالتسرع في الإدانة، فيما أهمل "المتسرعون"  أن الجهات المسربة ذاتها حرصت على التنويه بأن البيانات المنشورة لا تشكل قرائن إدانة، بل هي كانت تحتمل الشكوك بامكانية وجود شبهات تقتضي التحقق، وهي بذلك تعكس التزامات مصرفية بقواعد الرقابة الداخلية وبدور وحدات الاخبار المالي على مستويات المؤسسات أولاً والدول ثانياً والتعاون عبر الحدود بين البنوك الوطنية والبنوك المراسلة ثالثاً.

وفي واقع الأمر، فان إدراج عشرات البنوك من 9 دول عربية (البحرين ومصر والعراق والكويت ولبنان وسلطنة عمان وقطر والسعودية والإمارات) بمبالغ اجمالية لا تتعدى 800 مليون دولار كتحويلات خضعت للتحقق على مدى 18 عاماً، انما يحسب لهذه البنوك وطرداً إلى البنية القانونية المتينة والدور الفعال الذي تلعبه الجهات الناظمة وللأداء السليم لوحدات الاخبار المالي العربية وليس عليها جمعاء، وهو ما يعزز السمعة المصرفية الدولية لبنوك المنطقة والتقييم الايجابي لما تتبعه من تدابير حازمة في مكافحة أنواع الجرائم المالية كافة.

فالرقم المجمع يماثل فقط نحو 0.04 من إجمالي المبالغ التي تضمنتها الملفات للفترة بكاملها، وهو يشمل مبالغ حُوِّلت من مصارف محلية إلى الخارج ومبالغ وردت من الخارج إليها، مع ملاحظة مشاركة  بنوك دولية عاملة في المنطقة بحصص وازنة من توزيعات المبالغ على البنوك، علماً أن الشرائح الأكبر تعود لدولة واحدة لأسباب موضوعية تتصل بريادتها في حجم التحويلات ذات العلاقة بطبيعة اقتصادها الجدير بالهوية الاقليمية المميزة والانفتاح التجاري وكثافة العمالة الوافدة وسعة الأنشطة المالية والمصرفية.

 

"وصم" يتنافى مع الحقيقة

 

وفي أسوأ الافتراضات، فإن وصم هذه المبالغ، على ضآلتها، بشكوك "الشبهات" يتنافى مع حقيقة أن الوحدة الأميركية المختصة تلقت هذه الاشعارات من البنوك المراسلة خصوصاً في سنوات سابقة، وهي خضعت للتحقق التلقائي وفقاً للقواعد المعتمدة في مكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب، وكان يقتضي بمجرد الشك احالتها فوراً إلى الجهات القضائية المختصة في الولايات المتحدة، كما كان يقتضي اخطار البنك المعني بتعليق التحويل أو منعه من النفاذ عبر البنوك الأميركية.

وبحسب ما نشره موقع BBC، فإن وظيفة شبكة مكافحة الجرائم المالية الأميركية، أن تتلقى الملفّات والتقارير التي تحتوي على شكوك ومخاوف في شأن معاملات تتم بالدولار، حتى لو حدثت خارج الولايات المتحدة الأميركية، مع الإشارة إلى "أن الشكوك الواردة في الملفّات، هي تعبير عن سلوك مشبوه، ولكنها ليست دليلاً على ارتكاب مخالفة أو جريمة".

وفي الخلفية، من المهم الاشارة إلى أن المبادرة الأولى للتحقق تنطلق من البنوك التي تتشدد في تطبيق موجبات "اعرف عميلك" KYC وتزيدها الى من يتعامل معه KYCC، أما عندما تشتبه في أي عمليات لتحويل الأموال، أو عندما تتلقى اخطاراً من البنك المراسل فإنها تتوسع في التحقق مباشرة و/ أو بالتنسيق مع هيئات التحقيق الخاصة الوطنية، علماً أن البنوك الأميركية المعنية بتحاويل الدولار، فهي ترسل البيانات الموثقة الى شبكة مكافحة الجرائم المالية.

 

في انتظار توضيحات وزارة الخزانة الأميركية

 

استخلاصاً، يشير مسؤول مصرفي إلى ترقب توضيحات تتصف بالأهمية القصوى من قبل وزارة الخزانة الأميركية وكيفية حصول الاختراق المعلوماتي لشبكة مكافحة الجرائم المالية والمدى الحقيقي الذي بلغه هذا الاختراق. فالمشروعية القانونية التي الزمت بها السلطات المالية الأميركية كل من يتعامل بالدولار، توازيها مشروعية قانونية وأخلاقية ايضاً بحفظ أمانة المعلومات والوثائق التي تجمعها وتخزنها واحترام خصوصيات الأشخاص والمؤسسات المصرفية والمالية، وهذا أمر أساسي في استهدافات مكافحة الجرائم المالية بأنواعها كافة.