العوامل المناسبة مجتمعة لإرسال الذهب الى ما فوق 2,000 دولار

  • 2020-08-01
  • 09:54

العوامل المناسبة مجتمعة لإرسال الذهب الى ما فوق 2,000 دولار

  • كريم الحسنية

اجتاز الذهب أخيراً الحاجز السايكولوجي 1,900 دولار للأونصة، وبات مستوى 2,000 دولار أقرب من أي وقت مضى بعد كسر المعدن الثمين رقمه القياسي ووصوله إلى أعلى مستوى مسجّل على الاطلاق. وأغلق الذهب الأسبوع الماضي بارتفاع أكثر من 25 في المئة (الإثنين الماضي) منذ بداية العام، ونحو 30 في المئة بعد آخر هبوط في شهر آذار/مارس الماضي، والذي كان سببه حاجة المستثمرين إلى السيولة اثر تكبدهم خسائر في سوق الأسهم.

 

 

وكانت ملامح قوّة الذهب وقابليته لخوض مسار صاعد قد بدأت بالظهور بشكل واضح نسبياً في منتصف العام 2019 مع تداعيات الحروب التجارية التي دفعت بالفدرالي الأميركيإ الى التلميح عن استعداده للتدخل وخفض أسعار الفائدة لمواجهة ارتفاع منسوب الخطورة في التداعيات الاقتصادية آنذاك والمشاكل الجيوسياسية في ما بعد، وصولاً الى انتشار فيروس كورونا، وهو العامل الأبرز الذي سرّع من جهوزية العوامل الداعمة لارتفاع الذهب.

وكان الكونغرس الأميركي قد مرر قوانين تسهيلات اقتصادية بقيمة 3.3 ترليونات دولار والبحث قائم حول منح 1 ترليون جديدة إضافة إلى رزمة إجراءات اتخذها الفدرالي من منح قروض وعمليات شراء سندات بهدف دعم مستويات النمو الاقتصادي. أما في أوروبا، فقرر الاتحاد الأوروبي أخيراً منح 750 مليار يورو تسهيلات لمساعدة الاقتصادات المتضررة. ووفقاً لأرقام Wall Street Journal فقد قرابة 40 مليار دولار إلى الصناديق المتداولة (ETFs) المرتبطة بالذهب في النصف الأول من العام الحالي، وهو مؤشر على قوة الطلب من جهة المستثمرين الأفراد. 

 

كل العوامل تجتمع لمصلحة ذهب أقوى

 

بات مؤكدأ في الآونة الأخيرة وصول الذهب إلى هذه المستويات، وهو أمر غير خارج عن المألوف نظراً إلى العوامل المجتمعة بشكل أكثر من مناسب لإعطاء السلعة هذا الزخم: إجراءات تحفيزية وسياسات نقدية تسهيلية، أسعار فائدة عند أدنى المستويات (الفائدة الحقيقية سالبة)، دولار أميركي ضعيف نسبياً، حالة ضبابية وعدم يقين بما يخص جائحة كورونا، إضافة الى العلاقة الأميركية الصينية السيئة والتي تزداد سوءاً في فترة ترقّب تسبق استحقاق الانتخابات الرئاسية الأميركية.

هذا الخليط من الظروف والأحداث يجعل الذهب يبدو وكأنه لا يهزم، حتى أن بعض الخبراء بات يتحدث عن مستويات تفوق 2,000 دولار في حال استمرت العوامل المجتمعة. وكان Bank of America، قد أبقى على توقعاته الصادرة في نيسان/أبريل الماضي والتي قدّر فيها وصول الذهب الى 3,000 دولار مقابل الأونصة الواحدة خلال فترة 18 شهراً المقبلة. وكذلك توقعات من جهات أخرى مثل UBS Group AG الذي توقع بلوغ المعدن مستوى 2,000 دولار في أيلول/سبتمبر الماضي.

 

اجتماع الفدرالي، الدولار، وشبح التضخم

 

كما كان متوقعاً، لم يغير الفدرالي من توجهاته النقدية في اجتماع 28-29 تموز/يوليو، واستمرفي بسياسة التحفيز، وأشار إلى أنها نتيجة أثر كورونا على الاقتصاد، موضحاً أن استمرارها مرتبط بتطورات الفيروس. ويسلّط إعلانه المضي في السياسة النقدية التحفيزية والإبقاء على أسعار الفائدة عند مستوياتها المنخفضة الضوء على العوامل المحركة للذهب، وأبرزها الدولار، الذي تراجع مؤشره من مستويات قاربت 104 دولارات ليعود ويبلغ أدنى مستويات منذ أكثر من عام ونصف، مقترباً من مستوى 93 دولار. 

 

 

وتختلف آراء الخبراء حول مصير الدولار، فالبعض يعتبر أنه بلغ أدنى مستوياته، وفي المقابل، يرى بعض آخر أنه في انتظار الدولار المزيد من الانخفاض في المدى الأبعد خصوصاً مع احتمال ازدياد قوة عملات أخرى مرتبطة بالسلع (commodity currencies)، مع عودة التجارة العالمية إلى  طبيعتها تدريجياً. لكن ما هو أكيد أن هبوط الدولار كان من أبرز العوامل المباشرة لقفزة الذهب في الفترة الأخيرة.

أمّا في ما يخص التضخم، فيبقى احتمال ارتفاعه وارد في المدى الأبعد على الرغم من الانكماش الحاصل في المدى القريب بسبب نكسة كورونا، فنظرياً جميع الاجراءات المتخذة لها تداعيات تسبب التضخم، مما يدفع أيضاً باتجاه الذهب كسلعة تحوّط بوجه تلك الظاهرة.

 

احتمال تصحيح قبل معاودة الصعود

 

من جهة أخرى، يطرح مدى واقعية استمرار الارتفاعات، حتى وإن استمرت الأحوال على ما هي عليه، فمن الممكن أن تبقى مكونات الصعود موجودة، إنما من دون بقاء الزخم الذي يحرك المعدن إلى مستويات أعلى، فعلى سبيل المثال، برر غياب العوائد في سوق السندات شراء الذهب بدون الأخذ في الاعتبار تفويت فرص الحصول على دخل الفائدة لأنها أصلاً غير موجودة، ولكن يجب إدراك محدودية استمرار العوائد بالهبوط بعد وصولها إلى هذه المستويات وانعكاس ذلك على زخم الذهب. ويرى محللون أنه من المنطقي انخفاض الذهب قبل عودته إلى تسجيل مستويات قياسية جديدة، مستبعدين استمرار رحلة كسر الأرقام دون انقطاع.