رئيس الجامعة اللبنانية في حوار خاص مع "اوّلاً- الاقتصاد والأعمال": أقفلنا مزاريب الهدر وقضينا على العجز المالي والإصلاح مستمر

  • 2020-07-06
  • 10:53

رئيس الجامعة اللبنانية في حوار خاص مع "اوّلاً- الاقتصاد والأعمال": أقفلنا مزاريب الهدر وقضينا على العجز المالي والإصلاح مستمر

  • أدهم جابر

مذ دخل البروفسور فؤاد أيوب (رئيس الجامعة اللبنانية) إلى مبنى الإدارة المركزية للجامعة اللبنانية، حتى بدأت التدخلات السياسية في شكلها "المعهود" بالخروج منه. فالدكتور القادم من عالم طب الأسنان كان قد أعدّ العدة لاقتلاع الفساد من جذوره وإن كان بعضه قد تحوّل إلى "ارمية" بفعل مرور الزمن.

الجامعة اللبنانية التي لطالما تعرضت لأعتى أنواع الهجمات وكان أبطالها "أقربون" و "أبعدون" لا تزال إلى يومنا هذا تدفع أثماناً باهظة، لكنها على الرغم من ذلك لم تنكسر، وإن أحنت هامتها في بعض المرات أمام عواصف أريد منها أن تنال من مقامها خدمة لأهل "الحل والربط" ممن يديرون شؤون الوطن، وخدمة لجامعات تمّ "تفريخها" على عجل، في سبيل التكسب المادي ليس أكثر.. وربما هذا ما يفسر الهجمة التي تعرض لها أيوب في كل مرة كان يلجأ فيها إلى خطوة إصلاحية مهما كان شكلها ونوعها.. فكالوا له الاتهامات عندما بدأ بهدم هيكل "الفساد" على رؤوس ساكنيه فتجاوز كل "تابو" في سبيل بناء صرح تعليمي يكون للكل لا لهذا الطرف أو ذاك..

 

رئيس الجامعة اللبنانية د. فؤاد أيوب:

التعليم عن بُعد مغامرة مخيفة.. لكننا لم نتردد باللجوء إليه على الإطلاق

 

 

اليوم تعايش الجامعة اللبنانية أكبر أزمة يمر فيها لبنان في تاريخه، أزمة لم تترك قطاعاً إلا وأنهكته، وهذه أزمة يتحدث عنها رئيس الجامعة اللبنانية البروفسور فؤاد أيوب إلى "أوّلاً- الاقتصاد والأعمال" في حوار مباشر وصريح، بلغة الواثق الذي وضع حجر الأساس لمنظومة إدارية جنّبت جامعة الوطن التداعيات السلبية للأزمة. يؤكد أيوب أن العام الدراسي 2019- 2020 بدأ بشكل غير مناسب إلى حدّ ما وذلك بفعل انطلاق الحراك الشعبي في 17 تشرين الأول/أكتوبر، ثم جاءت جائحة كورونا لتزيد الأمور تعقيداً، ذلك أن الحراك كان يجري في أوقات خارج أوقات العمل اليومية أو فترات التدريس، لكن مع كورونا صار الإقفال قسرياً وبتنا أمام وباء عالمي فاضطرت الجامعة إلى إغلاق أبوابها.

ولأن جائحة كورونا لم تكن مرتبطة بموعد محدد لانتهائها، اضطرت الجامعة إلى اللجوء إلى التعليم عن بُعد في سبيل إنهاء العام الدراسي، ويقول أيوب: "كنا سباقين على المستوى الوطني العام عندما طرحنا مسألة البدء بالتعليم عن بُعد. وبكل صراحة كنا نخوض مغامرة لأن التجربة كانت غير مسبوقة فنحن لم نعتمد هذا النوع من التعليم ولا مرة، وهنا لا ينفي أيوب انه كان هناك خوف، "لكننا لم نتردد على الإطلاق لأن هذه المسألة كانت قضية حياة أو موت بالنسبة إلينا لأن الجامعة اللبنانية كبيرة، بمعنى أننا لو أردنا أن ننقل هذا الكم من الطلاب وجمعهم مع الذين سيقومون بالتسجيل في العام المقبل فقد يحدث انهيار كبير داخل الجامعة لذلك، كانت لدينا رغبة كبيرة في الانتصار على جائحة كورونا ولو بشكل جزئي وبالتالي يعود الطلاب إلى صفوفهم لإنهاء العام الدراسي، خصوصاً الطلاب الذين لديهم مواد تطبيقية لأن هذه المواد لا يمكن إنهاؤها عن بُعد، وفي الوقت نفسه كنّا نفكر في الطلّاب الذين لديهم معوّقات اقتصادية أو تقنية نظراً إلى وجودهم في مناطق نائية وتمنعهم من التعلم عن بُعد، وعليه كان لدينا هاجس يتمثل في كيفية استيعاب هؤلاء الطلّاب داخل الحرم الجامعي ومساعدتهم على تعويض الدروس واستكمال العام الدراسي، وذلك انطلاقاً من حرصنا على مبدأ تكافؤ الفرص بين طلّابنا.

 

لا ترفيع للطلاب ولا تخريج من دون امتحانات حضورية

 

لكن هل كان هذا النوع من التعليم سهلاً؟ يرد أيوب بأن التجربة كانت صعبة على الطلّاب والأساتذة، فلا يظنّن أحد أن التعليم "أونلاين" هو مسألة سهلة على الطالب والأستاذ في الوقت نفسه، ذلك أن التفاعل بين الطرفين ليس بالدقة التي يجري الحديث عنها، لذلك، فإن الدروس الحضورية أكثر راحة للأستاذ والطالب، ولم يكن هذا الأمر وحده عائقاً، فهناك جوانب تقنية أخرى كانت تعرقل هذا النوع من التعليم، لكن بالنسبة إلى أيوب فإن بعض المشكلات التقنية تمّ حلها في وقت قياسي، وبالتالي كانت النتيجة أن نحو 56 ألف طالب قاموا بالتسجيل أونلاين. لكن ماذا عن العام الدراسي هل تمّ إنهاؤه باعتماد التعليم عن بُعد؟ يجيب أيوب نعم أنهينا العام في بعض الكليات باعتماد الـ "أونلاين" خصوصاً الكليات والمواد النظرية لكن بالنسبة إلى الكليات التطبيقية فلا يمكن ذلك، لذا عادت هذه الكليات إلى العمل خلال الأيام الماضية. وهنا ماذا عن ترقية الطلّاب وتخريجهم باعتماد التعليم عن بُعد؟  يشدد أيوب على أن الجامعة اللبنانية لا تقوم بـ "الترفيع" أو تخريج الطلّاب باعتماد التعليم عن بُعد "فسياستنا واضحة، الأونلاين هو حل لنبقي الطلّاب في بيوتهم في سبيل المحافظة على الصحة العامة وفي الوقت نفسه، الإبقاء على ارتباطهم أكاديمياً بجامعتهم وأساتذتهم، لكن بالنسبة إلى الترفيع أو التخريج فعليهم أن يخضعوا لامتحانات حضورية. فنحن لا نؤمن بالامتحانات عن بُعد وهذا أمر واضح بالنسبة إلى كل اهل الجامعة".

 

الزيادة في أعداد طلاب الجامعة اللبنانية ليس كما يُشاع

 

وعن الزيادة المتوقعة في أعداد الطلّاب الذين قد ينضمون إلى الجامعة العام المقبل، يشير أيوب إلى أننا نتوقع زيادة في عدد الطلاب لكن ليس كما يقال، فنحن لدينا كل سنة نحو 20 ألف طالب من ناجحي البكالوريا، هذا معدلنا الوسطي تقريباً، لذا فإن الزيادة قد تكون ما بين 5 إلى 10 آلاف طالب. هل يمكن استيعابهم؟ يرد أيوب: نحاول إيجاد الحلول لكن المشكلة ستكون في الكليات المفتوحة، ونعمل بموجب خطة طوارئ، ومن الاقتراحات التي يتم بحثها اعتماد دوامين صباحي ومسائي، لكن كل ذلك يتوقف على الظروف الصحية لأن تكرار ما جرى خلال العام الحالي يعني أننا سنعاني من صعوبات كثيرة وكبيرة، فكلما زاد عدد الطلاب تزيد العقبات..

 

موازنة الجامعة: المشكلة بالقسم التشغيلي وهناك مفاوضات مع مصرف لبنان ومودعين

من أجل حل مشكلة تذبذب الدولار

 

لا تعتمد الجامعة اللبنانية في التمويل على الأقساط، فالتسجيل فيها مقابل رسم رمزي، كذلك لا يأتيها دعم مالي مباشر، لكن في بعض الأحيان تحصل على هبات خارجية أو داخلية وهي تكون مرتبطة بأمور محددة، لذلك قامت الجامعة منذ بداية العام الحالي بالاعتماد على نفسها فأنشأت مكتباً لمساعدة الطلاب مالياً، وجمعت من خلاله مبلغاً مالياً ساعد نحو 800 طالب على التسجيل.

وبغض النظر فإن الجامعة تعتمد على موازنة من شقين، الأول هو الجزء المتعلق بالرواتب والأجور والثاني يتعلق بـ "التشغيل"، ويوضح أيوب أنه بالنسبة إلى الشق الأول فلا يمكن المس به وهو بالليرة اللبنانية وبالتالي لا مشكلة حوله، وحتى اليوم فإن الرواتب تصرف في وقتها ولا يوجد تأخير فيها، لكن المشكلة هي في ما يتعلق بالجزء التشغيلي ذلك أن هناك أجزاء كثيرة بالعملة الصعبة "ومشكلتنا أن الموردين لا يقومون بتسليمنا أي مواد نحتاجها ولا أي شيء لأن المفروض أن نستلم منهم على سعر 1507 ليرات للدولار، وهذا ما أدى إلى توقف كل المناقصات واستدراجات العروض في الجامعة"، وهذا الامر كان له انعكاسات سلبية، غير إن الجامعة تعتمد حالياً على المتوفر لديها من أجل تسيير أمورها..

 

دعوة الدولة إلى زيادة مساهمتها في الجامعة

 

دفعت هذه الأمور مجتمعة إلى البحث عن حلول لمسألة الدولار، يقول أيوب: نعمل حالياً مع مصرف لبنان ومودعين من أجل أن نصل إلى إجراء ما أو حل لهذه المسألة. ومنها على سبيل المثال قيام الشركات الموردة بالفصل بين المواد المستوردة والخدمات التي يمكن تقديمها بالعملة الوطنية (الليرة)، ويستطرد: لا نزال في إطار المفاوضات. وفي السياق نفسه، يدعو أيوب الدولة اللبنانية إلى النظر بطريقة أكثر انفتاحاً في خصوص المبالغ المتعلقة بالبنود التشغيلية من أجل استمرارية الجامعة، لذا فإن المفترض زيادة مساهمة الدولة بالبنود التشغيلية وقد قمنا بوضع "معادلة" حول هذه المساهمة، سنقوم بإرسالها إلى مجلس الوزراء ومجلس النواب، وفي هذه المعادلة تمّ الأخذ في الاعتبار الأموال المرصودة التي نقوم بدفعها سنوياً وقسمناها على 1500 ليرة ثم ضربناها بـ 3200 ليرة وهو السعر الذي حدده مصرف لبنان والرائج، ولاحقاً ضربنا الرقم بـ 3800 ليرة وبذلك بات لدينا لكل يوم سعر، علماً أن الزيادة التي نطالب بها هي بسيطة مقارنة بما تقدمه الجامعة لخدمة الوطن إذ نقوم بخدمة 80 ألف طالب بمعدل 40 ألف عائلة سنوياً..

 

لا ذهاب إلى المطالبة بزيادة الرواتب والأجور حالياً

 

كان طبيعياً أن تنعكس مشكلة تذبذب الدولار على رواتب الموظفين، لكن علينا التعايش مع هذا الواقع يقول رئيس الجامعة اللبنانية: لسنا اليوم في وضع يسمح بالذهاب إلى مطالبة الحكومة بزيادة الرواتب، هذا يمكن بعد سنة أو اثنتين وقتها يمكن أن نذهب كلنا إلى المطالبة بذلك لأن هناك أمراً ليس طبيعياً، أمّا اليوم علينا أن نعض على جرحنا ونصمد قدر الإمكان".

وإذا كانت الجامعة اللبنانية تعتمد في موازنتها على الدولة، والأخيرة شبه مفلسة، كيف يمكن أن يكون وضع الجامعة المالي؟ ربما قد تصدم الإجابة على هذا السؤال البعض، فما يلفت الانتباه هو أن الجامعة بحسب أيوب، توصلت في بداية العام الحالي إلى أمر غير مسبوق وهو تحقيق التوازن المالي بسبب الخطة الخمسية التي تمّ وضعها "وأنجزناها خلال ثلاث سنوات، وهذا منحنا قوة دفع كبيرة لنعمل على تطوير الجامعة تحديداً مختبراتها وأبنيتها"، وفي المحصلة فإن الجامعة التي كان العجز فيها يبلغ 98 مليار ليرة لبنانية سنة 2017 وكان من المتوقع أن يصل إلى 159 مليار ليرة ويتضاعف كل سنة بات صفراً! فكيف تمّ ذلك؟

 

الفضل في نجاح الجامعة للإصلاح

 

يؤكد أيوب أن الفضل في نجاح الجامعة يعود إلى الإصلاح الذي مكننا من القضاء على العجز المالي وهذا تم التوصل إليه من خلال سد مزاريب الهدر، وإذ يشدد أيوب على "ان الإصلاح لا يمكن أن يكون بالتدمير وأن طبيعة الجامعة اللبنانية تفرض عدم العمل العشوائي حتى لا يتم هدم المؤسسة"، يؤكد أنه جرى التعامل مع الملفات كل على حدة، ضارباً على ذلك مثلاً، بما أنجز على صعيد المباني المستأجرة التي كان يشوبها بعض التجاوزات، وإجراءات على مستوى المدربين، والمعهد العالي للدكتوراه والذي تم تخفيض أعداد المنتسبين إليه، وأدى كل ذلك إلى تقليص نفقات الجامعة. وإذا كانت هذه الخطوات قد اثارت حفيظة المتضررين من "إصلاحات أيوب"، فإن إصلاحات أخرى تسجل للرجل أهمها إنشاء المكاتب ومنها، مكتب البحث العلمي ومكتب الملكية الفكرية، ومكتب الاتصال... فالجامعة تعوّل على هذه المكاتب لتصبح منتجة مالياً، ويوضح أيوب: لدينا أبحاث كثيرة ونحن بحاجة لأن تكون الجامعة قادرة على تحقيق المردود المالي".

الفروع أضرّت الجامعة وأفادت المناطق

والمركزية مهمة في المؤسسات التربوية

 

ماذا عن الفروع؟ من وجهة نظر أيوب، فإنه لا يمكن تحويل الجامعة إلى مدرسة ابتدائية وبالتالي لا يمكن زيادة عدد فروعها، فالفروع الموجودة أضرّت الجامعة وإن أفادت المناطق ولعبت دوراً في تنميتها وقربت المسافات على الطلاب، وإذ يشدد على أن الجامعة تقوم بدعم الفروع الموجودة أصلاً، يؤكد أن المركزية مهمة بالنسبة إلى المؤسسات التربوية خصوصاً في بعض الاختصاصات ويعطي مثالاً على ذلك توحيد فروع كلية طب الأسنان الذي أدى إلى تحولها إلى واحدة من أهم الكليات في العالم العربي، ذلك أن الطاقات البشرية عندما تكون مجتمعة تؤدي إلى إيجاد نوع من التعاضد العلمي والبحثي والتفاعل بين الأساتذة وتقضي على نقاط الضعف، فالدمج يخلق كليات قوية.. ويجزم: لا يمكن التفريع أكثر لأن ذلك سيكون على حساب المستوى الأكاديمي وهذا ما نرفضه وبرأيي أن زيادة الفروع ستضعف الرقابة التعليمية، لذلك فكرنا بطريقة مختلفة وقررنا كجامعة أن نذهب إلى كل المناطق للتنمية وتأسيس اختصاصات غير مسبوقة في المنطقة الواحدة، وعلى هذا الأساس كان القرار الجريء لمجلس إدارة الجامعة، على سبيل المثال لا الحصر، بتأسيس مجمعات جامعية في الهرمل وعكار ومستشفى جامعي في الحدث ومجمع عامودي في بيروت، وهذه كانت خطوات جريئة لأنها ركزت على مسألتين الأولى، لها علاقة بالمجمعات التي ستحتوي على اختصاصات ليست موجودة في المحافظات في بعض المحافظات المستحدثة..

 

ماذا عن التدخلات السياسية في شؤون الجامعة؟

 

ماذا عن السياسة؟ يقول رئيس الجامعة اللبنانية إن الجامعة جزء من هذا البلد، وكل مؤسسة موجودة في لبنان تتأثر بعوامل سياسية متداخلة، لكن التدخل السياسي في شؤون الجامعة حالياً أقل، وأكبر دليل على ذلك عدم رضا الأفرقاء كلهم عن أدائنا وهذا خير دليل على أن السياسة بدأت بالخروج من "اللبنانية"، علماً أن الرؤساء الثلاثة فرحين بنجاحنا في وضع حد لكل ما له علاقة بالتدخلات السياسية.. ويختم أيوب: الإصلاح حاجة ليغير الإنسان ذاته، فكيف بالمؤسسات؟ الجامعة اللبنانية مؤسسة إنسانية تحتاج إلى إصلاح نفسها، فالإصلاح عملية مستمرة لا تتوقف أبداً من وجهة نظرنا..