كانت "زوبعة في فنجان" العلاقات اللبنانية-الأميركية

  • 2020-07-01
  • 08:48

كانت "زوبعة في فنجان" العلاقات اللبنانية-الأميركية

  • أحمد عياش

 بين السابع والعشرين من حزيران/ يونيو والتاسع والعشرين منه، مرت العلاقات اللبنانية – الأميركية بتجربة لا سابق لها منذ فترة طويلة على خلفية قرار أحد القضاة الذي أصدر أمراً، اعتبرته المراجع القضائية العليا، غير ملزم قضى بـ "منع أي وسيلة إعلامية لبنانية أو أجنبية تعمل على الأراضي اللبنانية من إجراء أي مقابلة مع السفيرة الأميركية دوروثي شيا أو إجراء أي حديث معها لمدة سنة".

ما أمر به قاضي الأمور المستعجلة في صور جنوب البلاد محمد مازح في بداية هذه الأزمة، انتهى وكأن شيئاً لم يكن في اللقاء الذي جمع وزير الخارجية اللبناني ناصيف حتي مع السفيرة الأميركية التي تلت بياناً بعد اللقاء قالت فيه: "طوينا صفحة هذا الحدث المؤسف الذي حرف الانتباه كي نتمكن جميعاً من التركيز على الأزمة الحقيقية، وهي الوضع الاقتصادي المتدهور في لبنان".

لا جدال في أن خلفية هذا "الحدث المؤسف" تعود إلى التوتر العالي في ردة فعل "حزب الله" على الولايات المتحدة الأميركية التي تتعامل مع الحزب وراعيه الإقليمي الجمهورية الإسلامية الإيرانية من منطلق تصنيفهما لهما بأنهما "إرهابيين"، فكان أن برز هذا التوتر على المستوى الديبلوماسي. فهل يمكن القول إن صفحة هذا التوتر قد طويت؟

تقول مصادر رسمية إن هذه الأزمة في نطاقها القضائي قد انتهت فعلياً، وهذا ما يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، إذا صحّ التعبير، وتحديداً إلى الفترة التي سبقت مباشرة القرار القضائي. ففي تلك الفترة، التي عادت الى الواجهة الآن، قررت الإدارة الأميركية زيادة منسوب تحركها في الأسابيع القليلة الماضية كي تواكب تداعيات الأزمة المالية التي تعصف بلبنان والتي تتطور أكثر فأكثر نحو مخاطر تهدد الاستقرار الأمني في هذا البلد. وتداركاً لهذه المخاطر، كثفت الخارجية الأميركية والبنتاغون من نشاطهما كي يوفّرا، ما وصفه تقرير ديبلوماسي تلقاه مسؤول بارز، "وسادة أمان" تقي لبنان من احتمال نشوء فوضى تهدد الاستقرار الأمني برمته.

ما ورد في التقرير المذكور، لا يبتعد عن المواقف التي صدرت من واشنطن وبيروت عن وزير الخارجية مايك بومبيو والسفيرة شيا اللذيّن أسقطا "نظرية المؤامرة" التي لجأ إليها خصوم الولايات المتحدة الأميركية على الساحة اللبنانية كي يفسروا أسباب الانهيار المالي المستمر في لبنان، فكان تركيز الوزير والسفيرة منصباً، وفق ما صرّحت به شيا، على "عقود من الفساد".

وتلافياً لموجة القلق المتعاظم منذ بدء دخول "قانون قيصر" الذي وقّعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب نهاية الشهر الماضي حيّز التنفيذ في 17 حزيران/ يونيو، يشير التقرير إلى الاتصالات التي جرت على مستويات عدة بين واشنطن وبيروت لتوضيح أبعاد هذا القانون الذي يستهدف النظام السوري وكل من يتعاون معه في داخل سورية وخارجها في حقول أدرجها القانون ضمن المحظورات وهي "الدعم المالي والمادي والتقني للحكومة السورية، وصيانة أو توسيع الإنتاج المحلي للحكومة السورية للغاز الطبيعي أو البترول أو المنتجات البترولية، وبيع أو تقديم قطع غيار للطائرات أو قطع الغيار التي تستخدم لأغراض عسكرية في سورية.. "وأبلغت الادارة الاميركية المعنيين في لبنان، أن ابتعاد لبنان عن هذه المحظورات يجنّبه العقوبات سواء بحق المؤسسات أو الأفراد على حد سواء. وفي موازاة ذلك، ستستمر الإدارة الاميركية بتقديم الدعم إلى لبنان في مجالات حيوية آخذة في الاعتبار نتائج الأزمة المالية التي يمرّ بها وكذلك ما نتج ولا يزال عن جائحة كورونا، وقد بلغ هذا الدعم حالياً قرابة ثلاثة ارباع المليار دولار.

ماذا عن "وسادة أمان" الأميركية المشار إليها سابقاً والتي تقي لبنان من احتمال نشوء فوضى تهدد الاستقرار الأمني برمته؟

يركّز التقرير الديبلوماسي على أهمية استمرار الدعم الأميركي للجيش اللبناني في هذه المرحلة الحرجة التي يمرّ بها لبنان. وبعد ان تعرّض هذا الدعم للتهديد قبل أشهر من خلال مشروع السناتور الجمهوري تيد كروز من ولاية تكساس الذي قدّمه مع ثلاثة أعضاء في المجلس من الحزبين على خلفية مواجهة أنشطة "حزب الله"، هبّت رياح معاكسة تمثلت برسالة نقلتها قبل أيام السفيرة الأميركية في بيروت إلى قائد الجيش العماد جوزف عون أكدت على استمرار برنامج المساعدات الأميركية للجيش اللبناني.

في سياق متصل، وفي حديث صحفي، قال المتحدث باسم السفارة الأميركية في بيروت مايكل بونفيلد إن "الولايات المتحدة تبقى ملتزمة تعزيز قدرة الجيش اللبناني على تأمين حدود لبنان والدفاع عن سيادته والحفاظ على استقراره"، وأوضح أنه خلال هذه السنة المالية، "ستقوم الولايات المتحدة بتقديم 105 ملايين دولار إلى الجيش اللبناني في إطار التمويل العسكري الخارجي الذي يساعد على شراء المعدات والتدريب والعمليات".

لكن ما قاله المتحدث باسم السفارة الأميركية حول" تعزيز قدرة الجيش اللبناني على تأمين حدود لبنان والدفاع عن سيادته والحفاظ على استقراره"، ليس كل ما ورد في التقرير الديبلوماسي الذي أبدى القلق من "إضطرابات" ناجمة عن تدهور الأحوال المعيشية بسبب التراجع الدراماتيكي في سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي الأمر الذي أدى إلى تراجع فادح في القدرة الشرائية للمواطنين ومن بينهم العاملون في القطاع العام وبالأخص أفراد الأجهزة الأمنية. ولذلك، فإن الواقع الصعب الذي تعيشه أكثرية الشعب اللبناني، سيؤدي إلى تراجع معنويات هذه الأجهزة التي عليها الحفاظ على النظام في وقت أصبحت هي أيضاً في دائرة الصعوبات المعيشية، ووصف التقرير الأوضاع في لبنان بأنها تمرّ في "أخطر تجربة منذ الحرب سنة 1975".

ما يوازي دقة هذا التقرير أهمية، كلام مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا الأخير عن لبنان، والذي عكس عمق الأزمة، إذ صرحت بأن ليس لديها أي سبب حتى الآن لتوقع تحقيق تقدم في المفاوضات مع لبنان الرامية إلى المساعدة في حلّ الأزمة الاقتصادية للبلاد. ومما قالته جورجيفا خلال مناسبة نظمتها وكالة "رويترز" عبر الإنترنت، إن الوضع في لبنان "يفطر قلبي" لأن البلد له ثقافة قوية في ريادة الأعمال، ويستقبل لاجئين من فلسطين وسورية مساعدة منه في تخفيف أزمة إنسانية كبيرة.

بعد التدقيق في تصريح المسؤولة المالية الدولية، لفت المراقبون النظر إلى أن هناك قلقاً خارجياً من الفوضى التي إذا ما عمت لبنان فلن تقتصر على مواطنيه، بل ستشمل أيضاً مئات الألوف من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين المقيمين هنا، ما يعيد إلى الأذهان حقبة إندفع خلالها عشرات الألوف من اللاجئين قبل أعوام إلى شواطئ أوروبا طلباً للأمن وفرص العمل. ولما كان العالم بأسره يئن الآن تحت وطأة الخسائر التي ألحقها وباء كورونا بالاقتصاد العالمي، فإن أوروبا بعد اندلاع الحرب السورية سنة 2012، هي غيرها الآن بعد كورونا، وهذا يعني أن الأبواب موصدة بقوة أمام موجات هجرة جديدة أيا كانت الاسباب.

بالعودة الى حسابات الإدارة الأميركية في هذه الفترة، فقد صار واضحاً أن لبنان الذي يواجه مصاعب غير مسبوقة في تاريخه الحديث، يحتاج إلى توازن الولايات المتحدة في سياساتها الخارجية التي تتميز بالمواجهات الإقليمية وبين بقاء الكيانات السياسية ومن بينها لبنان الذي يجب ألا يسقط تحت وطأة الانهيار المالي، وهذا ما يفسّر ما تقوم به الآن واشنطن تداركاً لهذا الانهيار المحتمل.

ما يهم لبنان فعلياً، أن تكون الأزمة الديبلوماسية بين بيروت وواشنطن قد انتهت. وما يطمئن بيروت، أنها سمعت من السفيرة الأميركية المعتمدة لدى لبنان تقول حرفياً: "ما حصل قبل أيام كان زوبعة في فنجان".