دول الخليج ستبقى ملاذ العرب الآمن ولو طالت الأزمة

  • 2020-06-10
  • 09:04

دول الخليج ستبقى ملاذ العرب الآمن ولو طالت الأزمة

  • أحمد عياش

ما زال العالم عموماً، والمنطقة العربية خصوصاً في طور الخروج من أدق الأزمات التي عرفتها الإنسانية منذ وقت طويل، ألا وهي أزمة جائحة كورونا التي غيّرت وجه العالم.

ومن الطبيعي، في ظل أزمة كهذه أن تتجه الأنظار إلى ما يمكن اعتماده من حلول تتدرج من رتبة العجلة إلى رتبة متوسطة الأمد وصولاً إلى رتبة الحلول البعيدة الأمد، فأين العالم العربي اليوم من هذه الحلول؟

 

ضرورة الخطط العاجلة لمواجهة تباطؤ الاقتصاد

 

 

يتحدث الخبراء اليوم عن ضرورة الوصول إلى خطط عاجلة لمواجهة تباطؤ الاقتصاد وشح الموارد وارتفاع ارقام البطالة، ففي مقال كتبه معاً ميريك دوسك نائب رئيس "المركز الإقليمي والجيوسياسي - المنتدى الاقتصادي العالمي"، وآلان بيجاني رئيس مشارك في "مجلس مستقبل الشرق الأوسط - المنتدى الاقتصادي العالمي"، ود. رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولي في جمهورية مصر العربية، رئيس مشارك في "مجلس مستقبل الشرق الأوسط - المنتدى الاقتصادي العالمي" نشرته صحيفة "الشرق الاوسط"، قال الخبراء الثلاثة إنه" على الرغم من أن وباء "كوفيد – 19" يشكل بوضوح جائحة صحية تتطلب استجابة عاجلة وكافية، فإن هذه الأزمة تمنح أيضاً فرصة نادرة لصانعي القرار في المنطقة.  فحال تطبيق نظام اقتصادي جامع للأطراف ذات الصلة بالمنطقة، فستتاح الفرصة لطرح استجابة لا تتطرق نتائجها إلى المشكلات الحالية فحسب، بل تعيد تشكيل المجتمعات والاقتصادات لتسمح لها بالخروج من الجائحة أقوى من ذي قبل وأكثر قدرة على التكيف والصمود".

ما هو هذا النظام الاقتصادي الجامع لأطراف المنطقة العربية الذي يقترحه هؤلاء الخبراء؟ الجواب الذي يجري صوغه حالياً في مركز بحثي عربي هو أن جائحة كورونا أدت الى تغييرات جوهرية في اقتصادات المنطقة وفي مقدمها التراجع الكبير في حركة الاستيراد التي كانت تشكل نزفاً كبيراً للعملات الصعبة في موازنات دول عدة في المنطقة، وكذلك التراجع الكبير في طلب الأيدي العاملة من المنطقة وخارجها. ورأى المركز البحثي أن هاتيّن السلبيتيّن، مع الانخفاض غير المسبوق في أسعار النفط الذي كان ولا يزال شريان الحياة الرئيسي لموازنات الدول المصدّرة وغالبيتها في المنطقة، تشكلان في الوقت نفسه فرصة لتغيير أنماط الاستهلاك الذي بدأ يظهر جلياً في فواتير الاستيراد الخارجي، وكذلك في أسلوب العيش القائم على قوة العملات الوطنية قبل جائحة كورونا. ولفت النظر أيضاً إلى أن هناك نمواً بدأ يتراكم في الانتاج الزراعي والصناعي في عدد من الدول العربية يتمتع بقدرة تنافسية لم تكن موجودة من قبل، ما يجعل التجارة البينية العربية في حال أفضل.

 

دول الخليج لا تزال تستوعب ملايين العمّال العرب

 

 

في مقابل ملامح هذا الأمل الذي تلوح بارقته، قارب مركز كارنيغي للشرق الأوسط أحوال المنطقة الاقتصادية بطريقة مختلفة وفتحت عنوان "بينما تتغيّر أولويات مانحي الخليج، دول عربية تبحث عن مساعدة"، نشر المركز على موقعه الالكتروني في التاسع من حزيران/ يونيو الحالي ملفاً تحدث عن تطلّع دول عربية عدة الآن إلى "تمويل خارجي من المؤسسات المالية الدولية ومانحين آخرين مثل الصين والولايات المتحدة الأميركية"، لكن هل هذه التطلعات قابلة للتحقق؟ لا يبدو أن هناك جواباً جاهزاً اليوم، علماً أن بلداً عملاقاً في الاقتصاد هو الصين، لم يتخذ حديثاً أي خطوات تأخذ في الاعتبار ما طرأ على المنطقة العربية من تحولات، ويمكن الحديث حالياً عن تجربة صينية سابقة لوباء كورونا لها إيجابيات في السودان والمغرب، لكنها ما زالت حذرة في دول عربية عدة. فعلى سبيل المثال، يقول مسؤول لبناني سابق إن لبنان سعى قبل أعوام قليلة إلى الحصول على خط إئتماني بقيمة نصف مليار دولار لشراء منتوجات صينية، لكنه لم ينجح في الحصول على هذا الخط الائتماني حتى الآن.

على أي حال، ما زالت دول الخليج تستوعب حتى الآن ملايين العمال من الدول العربية، وهؤلاء العمال ما زالوا يقومون بإرسال التحويلات إلى بلادهم على الرغم من أن هذه التحويلات تشهد تراجعاً تبعاً لتراجع الأعمال نفسها.

 

دول الخليج ودورها في المساعدات العربية والدولية

 

في موازاة ما وفّرته دول الخليج العربي من ملايين فرص العمل، كان هناك الدعم الكبير الذي منحته الدول على المستويين العربي والدولي، فمنذ أعوام قليلة دشّنت المملكة العربية السعودية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريراً حول المساعدات الإنمائية الرسمية بعنوان "شراكة في التنمية والتعاون فيما بين بلدان الجنوب"، وورد في التقرير أن المملكة دأبت منذ أوائل خمسينات القرن الماضي على تقديم المساعدات الإنمائية الرسمية استناداً إلى ما يتم تحديده من احتياجات، بداية من تقديم المساعدات لدعم الشعوب في الدول الهشة والتي تعاني من أزمات إنسانية، وانتهاءً بتقديم القروض الميسرة والمنح للبلدان النامية المنخفضة الدخل من أجل إقامة بنى تحتية أساسية. وشهدت السنوات الأخيرة زيادة كبيرة في حجم المساعدات التي تقدمها المملكة العربية السعودية، كما يبين التقرير آلية مساعدات المملكة، وكيفية تقديمها بشكل ثنائي من خلال مؤسسات مثل الصندوق السعودي للتنمية ومركز الملك سلمان للأغاثة والأعمال الإنسانية، وبشكل متعدد الأطراف من خلال هيئات إقليمية كالبنك الإسلامي للتنمية والصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبنك الأفريقي للتنمية والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا ومنظمات دولية مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي وصندوق أوبك للتنمية الدولية والبنك الدولي.

بعد السعودية، تأتي دولة الكويت التي ومنذ نيلها الاستقلال العام 1961، إحتلت موقعاً مميزاً في صدارة الدول على مستوى المساعدات الخارجية. وفي تقرير صادر عن  وزارة الخارجية جرى فيه توثيق للدور الإنساني والإغاثي الذي تقوم به البلاد بقطاعيها الحكومي والأهلي، وذلك عبر عدد من القنوات الحكومية التي تم إنشاؤها على مدى قرابة ستة عقود وهي وزارة المالية والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية وجمعية الهلال الأحمر الكويتية وبيت الزكاة والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية . وعلى سبيل المثال لا الحصر، بلغ إجمالي مساعدات وزارة المالية الكويتية وحدها، خلال الفترة ما بين العامين 1990 و 2014 للدول العربية ما يفوق المليارين و915 مليوناً و992 ألف دينار كويتي، بينما بلغت مساعدات الوزارة المقدمة إلى الدول غير العربية أكثر من ستة مليارات و 676 مليوناً و544 ألف دينار، في حين بلغت المساعدات الى جهات دولية واقليمية مختلفة أكثر من 197 مليوناً و961 ألف دينار".

ومن الكويت إلى دولة الامارات العربية المتحدة، ووفقاً للجنة المساعدات الانمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، حافظت دولة الإمارات على مركزها كإحدى أكبر الدول المانحة للمساعدات الإنمائية الرسمية في العام 2015. وبلغ حجم المساعدات الإنمائية الرسمية(ODA) التي قدمتها الدولة في العام 2015، 16.1 مليار درهم إماراتي، أي بنسبة 09 .1 في المئة من الدخل القومي الإجمالي، وكان ما يزيد على 52  في المئة من هذه المساعدات التنموية على شكل منح، كما بلغ حجم المساعدات الإنمائية الرسمية الإماراتية خلال العام 2016 نحو 15.23 مليار درهم، بنسبة 1.12 في المئة من الدخل القومي الإجمالي، وأكثر من 54 في المئة من تلك المساعدات تم تقديمها على شكل منح.

كما أتاحت هذه العضوية حصول دولة الإمارات على مقعد على طاولة المنتديات، والملتقيات الدولية ذات الصلة بالتنمية الدولية، وكذلك الاعتراف الدولي بها كدولة مانحة رئيسية على مستوى العالم.

 

تاريخ من العطاء

 

 

لا بدّ من القول إن هناك تاريخاً مهماً من العلاقات بين دول الخليج العربي وبين سائر الأقطار العربية من الصعب القفز عليه الآن وهو تاريخ من العطاء الذي أشاع إزدهاراً في سائر اقطار المنطقة ما زالت نتائجه في كل مكان من هذا العالم.

خلال ثمانينات القرن الماضي، وعندما كان اللبنانيون يسعون إلى الخروج من الحروب المدمرة، خاطب رئيس الجمهورية الأسبق سليمان فرنجية الزعماء المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد في جنيف في سويسرا في تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 1983 قائلاً: "... كلنا يعلم أن دخلنا الشهري من اللبنانيين الذين يشتغلون في الدول العربية 240 مليون دولار في الشهر(وهذا الرقم كبير في ذلك الوقت). أصغر بلد عربي (...) إذا فكر في يوم من الأيام وطلب من اللبناني مغادرة هذا البلد، فماذا سيكون مصير اللبناني؟"

ما قاله فرنجية، هو اليوم لسان حال الملايين في المنطقة الذين يؤمنون أن هذا التاريخ السخيّ ما زال حاضراً، ومع الاعتراف بالتحولات التي طرأت وتلك التي من المتوقع أن تطرأ، سيبقى الخليج ملاذ العرب ولو طالت الازمة.