لبنان يهتز شوارعياً ونقدياً والحكومة "تجترح" عزل رياض سلامة

  • 2020-06-15
  • 15:06

لبنان يهتز شوارعياً ونقدياً والحكومة "تجترح" عزل رياض سلامة

  • علي زين الدين

​إذا ترسخت القناعة لدى "الدولة" بأن إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تفتح الباب"الموصد" في وجه الإصلاحات النقدية والمالية، فلتفعل دون تلكؤ، وستجد خلفها جموع "الشعوب" اللبنانية مصفقة وفرحة بأمل استرجاع وطن يهتز بلا توقف على ايقاعات طبول الطوائف والفساد والفقر والبطالة وشظف العيش. واذا كان للعدالة من "حظ" في بلد يتقن سياسيوه اللهو في الدستور والقانون، فليضعوا ملفه وكل الملفات في عهدة "القضاء المستقل".

هكذا يختصر مرجع مالي، نظيف العقل واليد، جدلية الإنقاذ التائه في أدغال سلطات متناحرة وتتبارى برغيف الناس ومداخيلهم، فيما يدرك القاصي والداني أن "المستور" هو الأعظم، وأن الإنقاذ الموعود "سراب" في صحراء الغد الذي تتقدم صوبه البلاد بخطوات ثابتة وسريعة، مظللة بحجب سطوع الحقائق وبتمويه نظام المحاصصات والسطو على المال العام، ومحمية بالكيديات واستنهاض همم البسطاء تضليلاً وتنفيعاً.

 

لبنان يهتز بعنف تحت وطأة "فتنتين" متتاليتين

 

ففي أقل من أسبوع، إهتز لبنان بعنف تحت وطأة "فتنتين"متتاليتين. الأولى عشية السادس من الشهر الحالي نبشت معالم خطوط تماس قديمة وزخمتها بخطوط جديدة بين أحياء في العاصمة ومناطق خارجها، لتليها الثانية ليلة 11 - 12 حزيران/ يونيو، حيث ضرب الزلزال النقدي بقوة 7 آلاف ليرة على مقياس الدولار، لتظهر الوقائع المجمعة بين الحدثين جسامة الأخطار الكامنة وهشاشة الاستقرار المصطنع، في وقت تنضب فيه موارد الدولة إلى حدود "الضحالة" ويزيد نزف احتياط البنك المركزي الى مستويات حرجة، وفي الحالتين لا قابلية للتعويض سوى بنذر من نشاط اقتصادي مكتوم وأمل متهالك باستجداء "نخوة" غير معهودة لدى صندوق النقد الدولي .

وقد يبدو صعباً رصد كامل الأسباب الحقيقية للهزتين، في ظل تهيب الجميع من خطورة المشهدين وتداعياتهما. لكن "التطنيش" (المفيد أحياناً) عن وقائع الأولى، وإعلان النفير العام لصدّ الثانية عبر تدابير "مفرغة من مفاعيلها" وقرارات "منتهية الصلاحية"، تكشف عن منحى أشد خطورة وأكثر ايلاماً يدهم العباد والبلاد في المرحلة المقبلة، ما لم تبادر السلطة التشريعية  إلى إعلاء الاحتكام للدستور والقوانين المرعية الاجراء وتفصل بين الغث والسمين في ممارسة السلطات والمسؤوليات، وهي أشهرت مرجعيتها المفصلية، ويؤمل أن تنغمس أكثر لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في الداخل، قبل طلب معونة الانقاذ من الخارج.

 

كيف يمكن إقناع صندوق النقد الدولي؟

 

ما جرى حوّل الهواجس إلى مخاطر والقلق الى رعب. كيف لدولة أن تقنع صندوق النقد الدولي بمنحها برنامج دعم مالياً تنشد أن يصل الى 10 مليارات دولار، وهي لا تبرح ميدان المناكفات مع من يفترض أنهم شركاء في الوطن والسياسة وإدارة البلاد، ولا تجد ضيراً في انكشاف "العورات الجسيمة" لخطتها الانقاذية في جلسات لجنة المال النيابية حيث لم تستقر أرقامها للخسائر ولا توصيفاتها على معادلات منطقية، ثم تكتشف أن حل المسألة النقدية يتم بعزل "قائد" السلطة النقدية في أوج موجة الأزمة النقدية "المجهولة" الدفع والرفع، وبعد أن عينت له للتو، ومن دون مشاورته حتى، هيئة أركان اختارتها بعناية المحاصصة المعهودة التي لطالما شكت المؤسسات المالية الدولية من ثغرتها العميقة الواجبة للإصلاحات الملزمة.

وما سيجري، سيكون أشد وطأة وأكثر إيلاماً. فالحكومة التي تدعي تكراراً أنها جاءت من رحم وجع الناس وثورة غضبهم في 17 تشرين الأول الماضي، تمضي قدماً في محاصرة مدخراتهم وجنى أعمارهم، وتحصي لهم مهلة الاقتطاع من ودائعهم "السجينة"، وكأن لا يكفيهم غرم تقييد السحوبات، ثم تتهم الحاكم والجهاز المصرفي بمصادرة الأموال، وهي تعلم أن الدولة سددت شرائح منها كمصاريف عادية ورواتب للقطاع العام والتزامات الديون وبددت شرائح أكبر في تمويل عجز الكهرباء (أكثر من 30 مليار دولار) والمخصصات "المنفوخة" في مواضع كثيرة للمحظيين من كبار الموظفين والمنح والمساعدات والمجالس والصناديق، فضلاً عن طواحين التهريب والتهرب والهدر والفساد.

 

الحكومة اللبنانية تقوّض أسس النظام الاقتصادي الحر

 

أبعد من ذلك، تسجّل الحكومة "أسبقية" في تقويض أسس النظام الاقتصادي الحرّ حين تغفل أن الحكم استمرار والموجبات تنتقل كما الصلاحيات من السابق إلى اللاحق، فهي تواصل بوعي تام نسف النظام المالي بأكمله، بدلاً من التركيز وتقديم الاسناد الى المرجعيات المعنية، وخصوصاً السلطة النقدية لتمكينها من احتواء ومعالجة انحرافات معلومة تسببت بها حاجة الدولة إلى التمويل وحاجة البلد الى حماية الاستقرار النقدي في ظل فراغات سياسية ورئاسية متعاقبة.

أيضاً، كيف يستوي منطق مناصرة الناس والحكومة تعلم أن مدخراتهم في عهدة الدولة وأن الإخلال بـتأدية الديون حالياً ولاحقاً سيبرر اخلال المصارف بجزء كبير من التزامات الودائع.

 

الدولة تمتلك شهية مفتوحة على الإنفاق

 

فهذه الدولة التي تمتلك شهية مفتوحة على الانفاق ومنح المكرمات والتوظيف غير المقيد بسقوف، سحبت التمويل من القطاع المالي وخصوصاً من البنك المركزي، ليصل حجم ديونها الى نحو 93 مليار دولار من دون احتساب التزامات مستحقة للضمان الاجتماعي والمتعهدين والمستشفيات وبدلات استملاكات واستكمال مشاريع معلقة وسواها، ثم قررت، على حين ثورة وتغيير حكومي، إعفاء المدين (الدولة) و"الامتناع" الآن عن دفع كامل الديون، بما فيها المعقود لآجال متوسطة وطويلة يصل بعضها الى 15 و17 عاماً كسندات دين دولية مربوطة لآجال طويلة، وفي المقابل معاقبة الدائن، أي البنك المركزي والمصارف، واتهامهما بسوء ادارة الأموال، بينما هي تدرك فداحة هذه "النصائح" التي زودتها بها "شركة لازارد" بتكلفة تردد أنها ناهزت 3 ملايين دولار. فالمدين صاحب "الغنم" هو الملزم برد الدين ، فكيف تبتكر القاء الغرم كله أو أغلبه حكماً على المودع كونه الطرف الأخير الذي سيتلقى كرة النار التي قذفتها الدولة في أحضان القطاع المالي.

ألم يكن من الأسلم أن تبادر الحكومة الى مفاوضة الدائنين وعقد تسويات تؤجل دفع موجبات الديون لسنوات عدة، لقاء حفظ حقوقهم الى "حين ميسرة"؟ لو فعلت وغلبت منهجية التعاون على الاستعداء، لجنّبت لبنان الكثير الكثير وخففت من سقوط التصنيف وسوء السمعة في الأسواق الدولية، وربما كان بمقدورها اعتماد منهجية تشاركية تحفّز من خلالها البنك المركزي والبنوك للسعي الى تأمين ضخ تدفقات نقدية جديدة.