العقوبات الأميركية وانعكاسها على صياغة معادلة جديدة في لبنان وسورية

  • 2020-06-09
  • 12:39

العقوبات الأميركية وانعكاسها على صياغة معادلة جديدة في لبنان وسورية

  • د. خطار أبو دياب - باريس

يعيش اللبنانيون والسوريون هذه الأيام، على وقع انهيار عملتهم وتفاقم الضائقة الاقتصادية والمعيشية في البلدين. ونلمس في هذا المأزق ربطاً بين فشل داخلي وأوضاع خارجية ضاغطة نظراً إلى خطورة لعبة صراع المحاور الدائرة منذ 2011، وتبعاً للسياسة الأميركية التي تسعى من خلال الورقة الاقتصادية (بالطبع الى جانب الوجود العسكري المباشر شمال شرقي سورية والوجود المتعدد الأشكال في لبنان والإقليم) إلى تغيير المعادلة في المشرق ضمن مقاربة إعادة تركيب الشرق الأوسط. لكن المدى القصير الذي يفصلنا عن الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، يدفعنا إلى التساؤل عن نجاعة هذه الإستراتيجية المرحلية وقدرتها على تحقيق نتائج ملموسة، ويعزّز إعتقادنا أن التغيير يمكن أن يحصل على المدى المتوسط وذلك يتوقف أيضاً على تطور موقف روسيا واللاعبين الإقليميين المعنيين، من دون استبعاد تحولات أو مواجهات يمكن أن تعطل أو تعزز الرهانات الأميركية.

يبدأ تنفيذ قانون قيصر الأميركي الذي يستهدف النظام السوري وحلفاءه والمتعاملين معه، وتدخل فلسفة العقوبات الأميركية حيزاً جديداً يمنح الكثير من الزخم للمزج الهجين بين خصائص القوة الناعمة والقوة الفظة، ولم يكن الإكثار من استخدام العقوبات وباتجاهات عدة إلا من الأساليب الملائمة لمرحلة التخبط الاستراتيجي التي أعقبت حقبة الأحادية الأميركية، وهذا النهج الأميركي أخذ يجد من يقابله في تصرفات العديد من صانعي القرار في العالم، بينما ظهر جلياً في "زمن كورونا" أن الدبلوماسية المتعددة الأطراف ليست هي القاعدة في الممارسات وأن إعادة تشكيل النظام الدولي تبقى بعيدة المنال، وكل هذا يلقي بظله على القضايا الساخنة ومنها بالطبع ما يمس المشرق.

بالنسبة إلى واشنطن لا يزال النظام العالمي المتعدد القطب سراباً، وأنه على الرغم من انتقادات الكثير من الدول لإدارة ترامب ستبقى الولايات المتحدة لفترة طويلة، القوة التي يدور حولها العالم، ولذا على الرغم من سعيه إلى سحب القوات ولعب ورقة الضغط على الحلفاء المقربين في أكثر من مناسبة، يبقى دونالد ترامب منغمساً بشجون الشرق الأوسط، ولم تجد فكرة باراك أوباما للإنسحاب العملي منه تجاوب دوائر الدولة الأميركية العميقة لعلمها بأهمية هذه المنطقة من ناحية موقعها وأثرها على أمن الطاقة وكونها أحد أبرز مسارح الصراع الدولي.

منذ قرن من الزمن، تاريخ أول اهتمام عملي بالمشرق إبان إرسال لجنة كينغ – كراين لاستطلاع آراء السوريين واللبنانيين بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، لم ينقطع الاهتمام الأميركي خصوصاً منذ منتصف القرن الماضي بعد نشأة دولة إسرائيل والتراجع الأوروبي بعد حملة السويس. وحالياً، نلحظ أن الأدوات الأميركية متنوعة لناحية النفوذ الدبلوماسي والوجود العسكري والتعاون العسكري ( مع الجيشين اللبناني والعراقي) وأساليب الضغط الاقتصادي، وإذا كانت إعادة تركيب سورية كأحد أبرز معالم تغيير وجه الإقليم، فإن منع لبنان من الارتباط النهائي بالمحور الإيراني، يمثل الوجه الآخر المكمل لمجمل النهج الأميركي.

 للمرة الأولى في تاريخ مسار "الصراع الأميركي مع سورية وإيران"، يمكن لقانون تنفيذي أميركي أن يطال حسب مصدر أميركي معني بتطبيقه "قد يطال الحكومة اللبنانية وشخصيات سياسية وغير سياسية، وليس فقط قيادات حزب الله، ضمن ضوابط وشروط مستجدّة لم يألفها الجانب اللبناني سابقاً في التعامل مع النظام السوري، حتى في سياسات القطيعة أو النأي بالنفس التي التزمتها الدولة منذ 2011، وستكون تأثيراته مباشرة على القطاع الخاص في لبنان، وعلى منع الانخراط في مشروع إعادة إعمار سورية".

في المقابل، يسارع البعض عند حصول أي تفاوض أو أي ترتيب بين واشنطن وطهران (كما تبادل الأسرى حديثاً) الى الإستنتاج بأن المنطقة تتأهب لعقد صفقة كبرى بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية في إيران، وأن إسرائيل ستكون اللاعب الخفي فيها، وكل ذلك ينخرط في إطار نظريات التآمر من دون أدلة. بالطبع يستند هؤلاء إلى فضيحة "إيران غيت" إبان حرب العراق – إيران وهذا يدفع للقول إنه لا يستبعد قيام تقاطع للمصالح في لحظة ما وان المتغيرات تفرض نفسها أحياناً على حساب الثوابت، بيد أن التحليل لمجريات التجاذب الأميركي – الإسرائيلي – الإيراني يدفع للقول بصعوبة حصول هذه الصفقة بناء على تركيبة وإيديولوجية النظام الإيراني والتنافس على الهيمنة الإقليمية بين إيران وإسرائيل، ولوجود روسيا والصين مما يضيق هامش المناورة الأميركي.

من الناحية العملية، إضافة إلى عقوبات أميركية متصاعدة ضد النظام السوري، هنا حزمة مواقف وإجراءات أميركية حيال لبنان (التفاوض مع صندوق النقد الدولي، تمويل اليونيفيل والتجديد لها، العقوبات ضد حزب الله)، ولذا على مشارف بدء العمل بقانون قيصر في 17 حزيران/يونيو الحالي، يبدو أن واشنطن تمارس لعبة الجزرة والعصا، إذ يمثل هذا القانون مخرجاً للنظام السوري اذا وافق فعلياً على تطبيق القرار الدولي 2254 وبالطبع سيندرج ذلك ضمن ترتيب روسي – أميركي ، أما بالنسبة الى لبنان فهذا ايضاً يسمح له بضبط مسألة التهريب عبر الحدود البرية التي تمثل أبرز مطالب صندوق النقد الدولي .

من دون الدخول في تفاصيل قانون قيصر التي أصبحت معروفة، من اللافت أنه صدر في كانون الأول/ديسمبر 2019 ضمن قانون ميزانية وزارة الدفاع مما يجعله ملزماً للكونغرس والإدارة، وهذا يعني انه يحظى بوفاق جمهوري – ديمقراطي. وفي هذا السياق تحديداً يوم أمس الإثنين، أصدر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ وكذلك رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الممثلين (النواب) والعضو الأبرز في كلا اللجنتين بياناً مختصراً قالوا فيه: "لقد عانى الشعب السوري كثيراً ولوقت طويل تحت حكم الأسد ومؤيديه. يجب على الإدارة المشاركة في التنفيذ القوي والمستمر لقانون قيصر من أجل إرسال رسالة إلى النظام وعناصره مفادها أن الأسد لا يزال منبوذاً... ولن يستعيد مكانته كزعيم شرعي، (...) ونحث بشدة جميع أعضاء المجتمع الدولي على عدم المشاركة التجارية أو الدبلوماسية مع نظام الأسد القاتل أو الانخراط في سلوك خاضع للعقوبات". 

هكذا تحسم واشنطن أمرها وتريد الدفع لقيام معادلة جديدة في المشرق وستكون الشهور المقبلة هي المحك مع التساؤل ما اذا كان الضغط سيترافق مع تدهور إقليمي ميداني أو" ثورات جوع"؟