ماذا يجري داخل قطاع التأمين في لبنان؟

  • 2020-06-02
  • 15:24

ماذا يجري داخل قطاع التأمين في لبنان؟

  • برت دكاش

لم يتردّد وزير الاقتصاد الراحل باسل فليحان في وصف النقاش الذي دار حول آلية تطبيق التأمين الإلزامي على السيارات ضد الأضرار الجسدية الذي أقرّ في العام 2003 وتاريخ صلاحية وتجديد البوليصة في أحد لقاءاته مع ممثلي شركات التأمين في مقرّ جمعية شركات الضمان في مبنى الـ"سنا" في حينها بالـ "البازار"، لكن رئيس الجمعية آنذاك، الراحل أيضاً أبرهام ماطوسيان، وعلى الرغم من كون قرارات الجمعية غير ملزمة للشركات، كان يتقن فن الحوار ويجيد توجيه البوصلة في الاتجاه الصحيح وفي الوقت المناسب، فتم التوصل إلى صيغة نهائية وبوشر بتنفيذ القانون الساري المفعول لغاية الآن.

ما تعيشه شركات التأمين في لبنان اليوم من ارتباك واضح نتيجة الأزمة الاقتصادية والنقدية وأزمة سعر صرف الدولار وتأثير كورونا على استثماراتها، تترافق على ما يبدو مع عدم قدرة الشركات على اتخاذ قرار موحد بشأن قضايا تعنيها، وفق ما تقول مصادر خاصة إلى "أوّلاً- الاقتصاد والأعمال".

بالتوازي مع قرارات وزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمة التي تبدو بدورها متفرّدة ومفاجئة في غالبيتها، وهو ما أمكن استنتاجه من مؤتمره الصحافي الأخير الخاص بقطاع التأمين الذي أظهر غياب الود الواضح بينه وبين الشركات والذي كان بدأ مع وصول فيروس كورونا المستجد إلى لبنان، وكذلك عدم الانسجام بين الأطراف الثلاثة المعنية بالقطاع: وزير الاقتصاد والتجارة، والشركات وهيئة الرقابة على هيئات الضمان التي أعلنت رئيستها نادين حبّال استقالتها ويحكى أن الوزير رفضها، ثم نفاها خلال مؤتمره الصحافي الذي شاركت فيه حبّال نفسها.

ماذا يجري داخل قطاع التأمين؟ وهل هناك "قطيعة" بين الوزير وشركات التأمين والتي أوحى بها نعمة خلال مؤتمره الصحافي الأخير في شأن قطاع التأمين حين قال إن "الوزارة وجّهت دعوة إلى الشركات للتشاور والنقاش حول شؤون القطاع لكنها لم ترد على الدعوة"؟ وما هي خلفية الخلاف؟

كورونا يظهر الخلاف

في نهاية آذار/ مارس الماضي فاجأ الوزير نعمة العاملين في القطاع بالكتاب الذي رفعه إلى وزير الصحة حمد حسن والمتضمّن أسماء شركات التأمين وتفاصيل تغطية المؤمنين ضد فيروس كورونا، وفي حين يقول أكثر من مصدر في القطاع إلى "أوّلاً- الاقتصاد والأعمال" إن "شركات التأمين أبدت منذ البداية نيّتها دعم جهود الدولة لتوفير العلاج لجميع المواطنين ضد وباء كورونا، وذلك بأن تتحمل شركة التأمين نسبة مئوية تحسمها من ربح بوليصة التأمين لتغطية مرضى الوباء، لكن وفق جدول أسعار الضمان، لم يتمكن الوزير في المقابل من الحصول على موافقة الوزراء المعنيين على الاقتراح، فارتأى إصدار قرار يلزم فيه الشركات بتغطية جميع حاملي عقود التأمين الصحي، سواء كانت البوليصة تغطي وباء كورونا أم لا. قرار نعمهّ هذا، اصطدم بعدم قانونيته وبإبطاله، ما خلق جواً من التوتر بينه وبين الشركات، قبل أن يتوصل الطرفان في منتصف نيسان/ أبريل الماضي إلى تسوية تقضي بتضمين كل العقود الجديدة المصدرة أو المجدّدة تغطية كوفيد-19 من جملة الأوبئة الأخرى.

السيارات والتأمين الإلزامي

لكن المشكلة لم تنته هنا، فقرار الوزير في شأن تطوير بوليصة التأمين الإلزامي على السيارات لتشمل الأضرار المادية إلى الجسدية المعمول بها منذ العام 2003 مقابل "زيادة عادلة في السعر لتمكين كل مواطن من شراء هذه البوليصة بأسعار معقولة"، بدا متفرّداً بعد نفي الشركات علمها المسبق به. وتساءل أكثر من مصدر في شركات التأمين ووساطة التأمين عن قصد الوزير نعمة من توقيته وهدفه؟ علماً أن القانون المعمول به حالياً يلحظ منذ إقرار تعديلاته الأخيرة العام 1999 التأمين الإلزامي على السيارات ضد الأضرار المادية، وكان من المفترض تطبيقه منذ سنوات كمرحلة تالية لتطبيق التأمين الإلزامي ضد الأضرار الجسدية، لكنه لم يطبق لسبب ما. وتجدر الإشارة إلى أن الوزير نعمة تطرّق في سياقه إلى عمولة وسطاء التأمين منه قائلاً إنها يجب أن تكون محددة ومتدنية، كما هي الحال في الأسواق التي تعتمد التأمين الإلزامي، وليس مفتوحة كما في لبنان.

قانون جديد للتأمين؟

وفي سياق إكمال الوزير نعمة قراراته في شأن قطاع التأمين، أعلن أن "العمل جارٍ على انجاز قانون جديد للتأمين يحمي المواطن والشركات، بمعايير عالمية، ويفعّل دور الرقابة والشفافية، وسيقدم إلى المجلس النيابي في الخريف المقبل"، ما أثار مجدداً استغراب مصادر في القطاع نفت معرفتها به وسبب إعلانه وتوقيته. وهل يقصد منه الوزير تسجيل إنجاز إلى إنجاز تعليق نشاط شركة MAINS للتأمين" والتي قال الوزير إن "تعليق ترخيص الشركة المذكورة هو بسبب عدم توفير الملاءة المالية الكافية، وعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاه المؤمنين ومخالفتها القوانين والأنظمة المرعية الإجراء، لذلك علقنا ترخيصها لأنه لا يمكن الإستمرار مع شركة غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها وعلينا حماية المؤمن، علماً أن هذه الشركة أصدرت العام 2019 خمسين ألف بوليصة تأمين إلزامي من دون أن تكون لديها القدرة لذلك. من هنا بات ضرورياً أن ننظم التأمين الإلزامي ونربطه بملاءة الشركة وعدد بوالص التأمين الإلزامي التي يمكنها أن تصدرها".

وفي سياق متّصل، ينبّه رئيس شركة مهنا وشركاه الخبير الأكتواري إبراهيم مهنا في حديث إلى "أوّلاً- الاقتصاد والأعمال" ينشر كاملاً لاحقاً إلى أن "رأس مال 50 في المئة من شركات التأمين العاملة في لبنان في خطر في حال تم تطبيق الكابيتال كونترول أو الـ Hair Cut، وذلك بسبب توظيفها نسبة كبيرة تتجاوز حدود المسموح به من أموالها في سندات خزينة أو عقارات، أو نتيجة عدم توزيع إيداعاتها المصرفية على أكثر من مصرف واحد".

الشركات منهمكة في تحصيل أموالها

في موازاة قرارات الوزير"المفاجئة"، تنهمك الشركات في تحصيل ثمن بوالصها المصدرة بالدولار منذ منتصف نيسان/ أبريل الماضي، بعد الرسالة "الداخلية" التي وجهها رئيس الجمعية إلى شركات التأمين ويوصي بها باعتماد سعر صرف 2600 ليرة لبنانية للدولار، اعتباراً من أول أيار/ مايو الماضي، ولا يعرف ما إذا كانت الرسالة سرّبت عن قصد إلى وسطاء التأمين الذين عمّموا بدورهم على زبائنهم قرار الجمعية، ناصحين إياهم بالسداد قبل دخول القرار حيّز التنفيذ. الأمر الذي أثار بلبلة في السوق ودفع حملة البوالص إلى التهافت على سداد بوالصهم وفق سعر الصرف الرسمي، وتمديد المهلة من قبل الشركات، غير إن القرار لم يسرِ لغاية تاريخه، ولا أيضاً قرار تبني سعر الصرف المعتمد من قبل المصارف كما ذكر رئيس الجمعية إيلي طربيه في حديث سابق إلى "أوّلاً- الاقتصاد والأعمال"، والسبب الأهم لذلك، عدم حصول الجمعية لغاية الآن على موافقة وزارة الاقتصاد التي ردّت على رسالة الجمعية حينها بنفي علمها بالموضوع وبأنه شأن داخلي يخص الجمعية، وهي غير معنية به.