لبنان: مشكلة الإيجارات قد تتحول إلى أزمة عقارية واجتماعية

  • 2020-05-17
  • 14:00

لبنان: مشكلة الإيجارات قد تتحول إلى أزمة عقارية واجتماعية

انهيار قيمة الليرة يضع المالك والمستأجر في مأزق

  • عمر عبد الخالق

لم تدم فترة تنعم المطورين وشركات الوساطة العقارية في لبنان والمتمثلة بفورة استبدال الودائع المصرفية بعقارات وشقق طويلاً، إذ استفاق هؤلاء على أزمة مصيرية تضاف إلى الأزمات التي يعانون منها منذ سنوات. فالقطاع العقاري في لبنان يواجه اليوم خطر انهيار بدلات الإيجارات وفسخ العقود والخلافات القانونية وما يرافقها من أزمة اجتماعية تضع المالكين والمستأجرين في مركب واحد معرّض للغرق يغرق بسرعة كبيرة في ظل غياب الدولة اللبنانية التي فشلت في حل أزمة المستأجرين القدامى منذ عشرات السنين.

مراحل تطور الأزمة

اجتمعت عوامل عدة منذ أشهر فاقمت هذه الأزمة بدءاً من ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر إلى الأزمة الاقتصادية، فتراجع قيمة الليرة اللبنانية ثم القدرة الشرائية للبنانيين وتفشي فيروس كورونا وما تلاه من تعبئة عامة وإقفال وتغير في نمط التسوق وطبيعة العمل، وكانت البداية في أيلول/ سبتمبر الماضي مع بروز سعرين للدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية، الأول رسمي والثاني سعر السوق السوداء المفروض بفعل العرض والطلب، وقد تراوح الفارق ما بين 10 إلى 20 في المئة، حينذاك كانت الحلول تتنوع بين قبول المالك ببدل الإيجارات وفق السعر الرسمي أو الوصول إلى حلّ باعتماد سعر وسطي أو كما كان يعرف بين الطرفين بـ "قسمة الفارق"، وفي حال الوصول إلى طريق مسدود كان يتم فسخ العقود.

وأدى استمرار انخفاض سعر صرف الليرة مقابل الدولار وانتشار فيروس كورونا وإقفال البلد لأسابيع عدة وتسريح الشركات لعدد من الموظفين وتخفيض رواتب آخرين بنسب تتراوح ما بين 20 و60 في المئة إلى تفاقم الأزمة وتغير أولويات اللبنانيين، وهكذا فإن الحلول التي كان تطبيقها يتم بالتراضي في الأيام الأولى للأزمة أصبجت متعذرة، إذ بات دفع بدل الإيجارات بحسب سعر الصرف الرسمي شبه مستحيل في بعض الحالات.

المشاهدات اليومية

وهذا التعثر يبرّر المشاهدات التي نراها يومياً وتأخذ في التوسع وهي:

-تسويات على دفع نسب معينة من الإيجارات وبحسب السعر الرسمي تتراوح ما بين 30 و50 في المئة.

-التأخر في الدفع لأشهر عدة كان أولها شهر آذار/مارس الماضي.

-نزاعات قضائية حيث يشهد قلم المحاكم تسجيل عشرات الدعاوى من المالكين لدى قضاة الأمور المستعجلة، بالإضافة إلى نزاعات قضائية كبيرة قد يأخذ حلها أشهراً عدة في ما خص عقود الإيجار التملكي التي تمّ توقيعها منذ توقف قروض الإسكان المدعوم.

-إيداع بدل الإيجار بحسب سعر الصرف الرسمي لدى كتّاب العدل كون بعض المالكين يرفض استلام بدل إيجار وفقاً لهذه التسعيرة. وهذا الحل لجأ إليه بعض المستأجرين بناءً على مطالعة قانونية من رئيس تجمع المحامين للطعن وتعديل قانون الإيجارات أديب زخور الذي أشار إلى أنه "لا يحق لأي كان ومن ضمنهم المالكون رفض التعامل بالليرة، بحسب المادة 192 من قانون النقد والتسليف التي تنص على إلزامية قبول العملة اللبنانية تحت طائلة عقوبة الحبس والغرامة".

-إلغاء عدد من عقود الإيجار خصوصاً للمساحات والصالات التجارية.

-إلغاء عقود الإيجار لغالبية المطاعم والمقاهي.

- قيام الشركات بإخلاء مكاتبها الكبيرة والاتجاه نحو استئجار مساحات أصغر وذات بدل إيجار أدنى واتجاهها نحو الضواحي بدلاً من المدن الرئيسية.

-تنافس المالكين على المستأجرين الذين يعتمدون على أموال محوّلة من أبنائهم في الخارج لدفع بدل الإيجارات.

ضربة جديدة للقطاع العقاري

المشاهدات السابقة بدأت تنعكس على حركة القطاع العقاري وعلى المطورين وشركات الوساطة وتهدّد مصدر الدخل الرئيسي لأعمالهم، ومن أبرز الانعكاسات المتوقعة على القطاع العقاري:

-تراجع بدلات الإيجار بنسب كبيرة خصوصاً للمساحات التجارية. 

-توقف المالكين عن تجديد عقود قديمة أو توقيع عقود جديدة لأشهر عدة وربما أكثر إلى حين اتضاح الصورة عن اتجاه سعر صرف الليرة مقابل الدولار.

-تراجع أسعار العقارات بسبب أزمة الإيجارات المترافقة مع انحسار عملية استبدال الودائع بعقارات.

-وجود فائض الشقق خصوصاً  تلك التي تمّ تملكها في الأشهر الماضية بغية تأجيرها، وهو ما لن يحصل اليوم خوفاً من مشكلات مع المستأجرين في حال التخلف عن الدفع.

الآثار الاجتماعية

وإلى جانب الآثار السلبية على القطاع العقاري، ثمة أزمة اجتماعية بدأت تفرض نفسها وقد تتفاقم في الأيام والأسابيع المقبلة في ظل ترك الناس في مواجهة بعضهم بعضاً، ومن بوادر الأزمة الاجتماعية:

-تفاقم معاناة المالكين لشقق مؤجرة وفقاً للقانون القديم، إذ أصبحت بدل الإيجارات التي يتقاضونها لا تكفيهم مصروف يوم واحد. 

- نزاعات شخصية بدأت بالظهور بين المالكين والمستأجرين.

- عودة الكثير من سكان المدن إلى قراهم.

- عائلات كثيرة أصبحت مهددة بأن تصبح من دون مسكن في مقابل معاناة عائلات كانت تعتاش من بدلات الإيجارات كمورد دخل وحيد. 

- تأجيل وإلغاء النسبة الأكبر من الأعراس التي كانت مقررة هذا العام لصعوبة إيجاد منزل.

- تراجع نسب الولادات وتغير هرم الاعمار في لبنان أسوةً بما حصل في اليونان خلال الأزمة الاقتصادية التي مرت بها حيث توقعت الرابطة اليونانية لأمراض الشيخوخة أنه في حلول العام 2050 ستصبح نسبة السكان فوق 65 عاماً نحو 35 في المئة وسيتراجع عدد سكان اليونان ما بين 800 و2.5 مليون نسمة.

الحلول

رسمياً كما العادة لا حلول وحياد تام عن هموم المواطنين باستثناء اقتراح قانون يتيم من النائب ابراهيم كنعان بتعليق المهل العقدية والقانونية والقضائية، ومن شأن إقراره تعليق بدلات الإيجار ستة أشهر، لكن هذا الاقتراح رفضه طرفا النزاع إذ أعلن رئيس نقابة المالكين باتريك رزق الله أن هذا القانون في حال إقراره يترك المالك محروماً من مصدر رزقه ستة أشهر ويُراكم على المستأجر البدلات قد لا يتمكن من دفعها بعد هذه الفترة، كذلك أشار رئيس لجنة المستأجرين في بيروت وجيه الدامرجي إلى أن هذا القانون لا يكفي لمساعدة المستأجرين إذ ليس هناك أفق واضح للأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان.

وطبعاً الحل الوحيد هو باستفاقة الدولة من غيبوبتها ووضع أطر تشريعية وتنظيمية تحمي الطرفين وتخرجهما بأقل الخسائر الممكنة.